أكد الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد الكريم بنعتيق، اليوم الجمعة بالرباط، أن العالم أصبح اليوم يشهد خلطا مغرضا بين الهجرة المنظمة والنزوح الاضطراري من جهة، وبين الهجرة والإرهاب من جهة ثانية. وأوضح بنعتيق، خلال فعاليات ورشة عمل دولية، نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) حول موضوع "دور الشباب في مواجهة تحديات الهجرة"، أن الإعلام الغربي وصناع القرار غالبا ما يوظفون هذا الخلط لأهداف سياسية وإيديولوجية. وأضاف أن موجات عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني التي تعرفها العديد من المناطق في العالم، فضلا عن تداعيات العولمة بمفهومها الشامل، تحيل على أن حجم ظاهرة الهجرة والنزوح يبقى مرشحا للتفاقم، وذلك على مستوى كوني. وأبرز أن جلالة الملك محمد السادس يعد من القادة القلائل الذين تعاملوا بتبصر مع ظاهرة الهجرة، من خلال إشرافه على وضع استراتيجية وطنية في مجال الهجرة واللجوء في سنة 2013، مسجلا أن معطيات ميدانية أبانت وقتها بأن المملكة أصبحت بلد استقرار وليس بلد عبور بالنسبة لآلاف المهاجرين الذي يتوافدون عليها من عدة بلدان. وأكد أنه بفضل هذه الاستراتيجية أصبح للمهاجر الحق في السكن والتطبيب والتعلم والتكوين المهني إسوة بباقي المغاربة، وهو ما تطلب من المشرع تحيين مجموعة من القوانين، فضلا عن تسوية وضعية واندماج الآلاف من المهاجرين، مشددا على أن " أي سياسة لا تحترم كرامة المهاجر هي محكوم عليها بالفشل". وخلص الوزير إلى أنه، خلافا لما يتم الترويج له، فإن "ظاهرة الهجرة ليست معقدة، لكنها تصبح كذلك عندما يتم تسييسها"، موضحا أنه يوجد على الصعيد الإفريقي قرابة 32 مليون مهاجر نصفهم متواجد بالقارة ذاتها، مما يحيل، برأيه، على معطيين هامين يتمثل الأول في توفر إفريقيا على مؤهلات اقتصادية وتنموية هامة، والثاني على التهويل، لاسيما من قبل الإعلام الغربي، الذي يطال ظاهرة الهجرة. من جانبه، أكد المدير العالم لمنظمة الإيسيسكو، عبد العزيز بن عثمان التويجري، في كلمة ألقيت نيابة عنه، أن التجارب المتراكمة والدراسات الاجتماعية المتخصصة اثبتت أن من المخاطر التي يتعرض لها الكثير من المهاجرين، سواء كانوا قد وصلوا إلى بلدان المهجر بطرق قانونية أو غير قانونية، تكمن أساسا في الخضوع لضغوط فقدان الهوية والتفريط في الخصوصيات الثقافية والحضارية. وأوضح أنه في كثير من الأحيان يتعرض المهاجرون لتأثيرات الكراهية والعنصرية والتمييز العرقي والديني التي ما فتئت تتصاعد موجاتها في عدد من الدول المستقبلة للمهاجرين، والتي تقف وراءها أطراف متعصبة معادية للسلام. وسجل التويجري بالمقابل أنه إذا كان للمهاجر حقوق يجب أن تكون مكفولة بحسب القانون الدولي، فإن عليه واجبات ينبغي القيام بها ومراعاتها في جميع الأحوال، وفي مقدمتها احترام القوانين السارية في الدولة التي يقيم بها والانضباط في السلوك والتعامل مع المحيط الجديد. وشدد على ان التحديات التي تواجه الشباب المهاجر هي أكبر حجما وأشد خطرا من تلك التي تواجه الفئات العمرية الأخرى من كبار السن، مضيفا أن الشباب هم المستهدفون من الحملات العنصرية المعادية للأجانب وهم الضحية في غالب الأحيان. واعتبر أن الشباب المهاجر في حاجة إلى عناية أكبر بتوفير فرص التربية والتعليم والعمل الكريم له، حتى يكون على صلة روحية بالبلدان الأصلية التي هاجروا منها من أجل أن يحافظوا على شخصيتهم المتوازنة ويكتسبوا المناعة ضد الاستلاب والاستغلال. من جانبه، أكد رئيس منتدى شباب المؤتمر الإسلامي للتعاون والحوار، السفير إلشاد إسكاندروف، أن استمرارية ظاهرة الهجرة عبر العالم تجد تفسيرها في غياب سياسات مهيكلة تعنى بالشباب، وانعدام تكافؤ الفرص وغياب الحرية والأمن بالبلدان الأصلية. وأشار إلى أن التحديات المرتبطة بالهجرة تتمثل بالأساس في هجرة الأدمغة واستقطاب الشباب من قبل تيارات متطرفة، ليصبحوا في المحصلة ضحايا ليس فقط انعدام فرص الشغل في بلدانهم الأصلية، بل أيضا ضحايا التطرف والعنف في بلدان الاستقبال، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر إمكانية عودتهم إلى أوطانهم وهم متشبعون بفكر الغلو والتطرف. وأبرز أن العديد من البلدان المستقبلة للمهاجرين تستغل ظاهرة الهجرة كورقة ضغط في سياساتها الداخلية، مشيرا بهذا الخصوص إلى أن فئة الشباب، من 15 إلى 30 سنة، تمثل ثلث حجم المهاجرين، فضلا عن أن 75 في المائة من الطاقات الشابة في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي تبقى مرشحة للهجرة. أما نائبة رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة بالمغرب، تيريزا بوتيلا، فقد أبرزت من جانبها أن أهمية هذا اللقاء تكمن في طبيعة المشاركين فيه الذين يمثلون هيئات دولية مكلفة بالشباب والقضايا الاجتماعية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن مسؤولين مؤسساتيين وفعاليات من المجتمع المدني للتداول بشأن الهجرة التي أصبحت ظاهرة دولية. واعتبرت ان ظاهرة معالجة تدفق المهاجرين الشباب باعتبارها ظاهرة تاريخية واجتماعية تستوجب تظافر الجهود على مستوى كل البلدان المعنية بها، تصديرا واستقبالا، موضحة أن "الهجرة ليست مشكلا يجب معالجته بل معطى جديدا ينبغي التعامل معه وإدارته"، وفق منهج إنساني وبعد حقوقي. وقالت إن المنظمة الدولية للهجرة تشيد على الدوام بالجهود التي يبذلها المغرب، لاسيما على ضوء اعتماده لسياسة وطنية للهجرة واللجوء تمثل نموذجا رائدا ليس فقط على الصعيد الافريقي بل العالمي، معربة عن استعداد المنظمة لمواصلة دعم ومواكبة المغرب في هذه الجهود. وناقشت هذه الورشة، التي نظمت بتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة ومنتدى شباب المؤتمر الإسلامي للحوار والتعاون، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، عدة محاور همت على الخصوص "سبل إرساء أو تقوية آليات التنسيق الوطنية بين الفاعلين المعنيين بتجويد السياسات التنسيقية بشأن هجرة الشباب"، و"من أجل مشاركة المهاجرين الشباب في الحياة المجتمعية ببلدان الاستقبال"، و"دور وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في سياق هجرة الشباب".