يبدو ان النظام الجزائري يسير نحو حتفه بعد ان فقد البوصلة وأصبح يخبط خبط عشواء، ولا يدري ما العمل بعد انسداد الافق السياسي والاقتصادي امامه بفعل الازمة الاقتصادية التي زادها تعقيدا انهيار اسعار النفط العالمية، وكذا المأزق السياسي الذي يكثفه الوضع الصحي لبوتفليقة الذي غادر الجزائر، يوم الاحد المنصرم، لتلقي العلاجات التي دأب على الخضوع لها باستمرار منذ اصابته بجلطة دماغية افقدته نسبة كبيرة من قدراته العقلية والوظيفية.. آخر ما اهتدى إليه نظام العسكر لذر الرماد في أعين الرأي العام الجزائري والعالمي هو إرسال وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية الجزائري عبد القادر مساهل إلى سوريا لتأكيد دعم الطغمة العسكرية لبشار الاسد في معركته ضد شعبه والجماعات الاسلاموية المتطرفة..
وجه الغرابة المضحكة في هذه الزيارة هي انها جاءت، حسب المسؤولين الجزائريين، لعرض "التجربة الجزائرية في مواجهة الإرهاب والتطرف وتحقيق المصالحة الوطنية.." على نظام بشار الاسد، وكأن نظام العسكر قد نجح في مهمة محاربة الارهاب في بلاده ولم يبق سوى تصدير هذه التجربة إلى الخارج..
ممثل الطغمة العسكرية الجزائرية لم يكتف بعرض "تجربة الجزائر الناجحة في محاربة الارهاب والتطرف" بل تطرق في لقاءه مع بشار إلى "خطر الإرهاب وأهمية توحيد جهود جميع الدول في محاربته"، والحال ان النظام الجزائري يواصل معاكسة جيرانه وتعكير علاقاته معهم(ولنا في دعمه لمرتزقة جمهورية الوهم العربي مثال صارخ على ذلك، وما يقوم به من عرقلة للجهود الاممية لحلحلة الوضع في ليبيا..)، فكيف إذن يتبجح ب"أهمية توحيد الجهودّ مع نظام بشار الاسد وهو لم يستطع توحيد الجهود حتى مع الدول المجاورة التي هي اقرب إليه من سوريا وإيران؟ إنه تطبيق عملي للمقولة المغربية "فينا هي وذنك؟ هاهي"(سلك طريق ملتوية وبعيدة للوصول إلى الهدف رغم ان الطريق واضحة وسهلة امامه ولا تحتاج إلى كبير عناء والتواء)..
ما يثير الانتباه ويطرح علامات استفهام (وتعجب) كثيرة بخصوص هذه الزيارة هي انها تأتي في فترة يتواجد فيها بوتفليقة رئيس البلاد في سويسرا للعلاج بعد ان تدهورت صحته، ورغم ذلك فإن عبد القادر مساهل، ممثل الطغمة العسكرية، قابل الرئيس السوري بشار الاسد وابلغه بدون حياء "تهاني رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة إحياء الذكرى السبعين للعيد الوطني السوري، كما أبلغه تحيات الرئيس بوتفليقة ومتمنياته للشعب السوري بتحقيق الأمن والإستقرار"، ولا نعرف ماذا سنصدق: هل نص البلاغ الذي اصدرته الرئاسة الجزائرية بخصوص نقل بوتفليقة يوم الاحد إلى سويسرا للعلاج؟ أم خبر إبلاغ سلام وتحية ومتمنيات بوتفليقة للرئيس بشار الاسد يوم الاثنين؟ كيف لرئيس يوجد في "الكوما" ان يفكر في سلام او تحية وبالأحرى متمنيات يرسلها مع عبد القادر مساهل للرئيس السوري؟ إنها قمة السوريالية والاستهتار وإمعان في استغباء ذكاء الشعب الجزائري والكذب على الرأي العام الدولي..
إن زيارة عبد القادر مساهل إلى سوريا تكشف عن حقيقتين إثنتين( على الاقل):
اولا: أن من يحكم الجزائر هي طغمة عسكرية ومخابراتية تختفي تحت شرعية مفتقدة للرئيس بوتفليقة لضمان استمرار مصالحها الخاصة، وما التحية والسلام والمتمنيات التي بعثتها باسم بوتفليقة الذي لا يقوى على الكلام والحركة والتفكير إلا دليل على ما نقول.
ثانيا: إن الجزائر وفي غمرة الحصار المفروض عليها دوليا وعربيا وجهويا(عربيا من خلال مواقفها الشاذة بخصوص العديد من القضايا، ودوليا بالنظر إلى علاقاتها المتوترة مع فرنسا وفقدان ثقة العديد من الدول العظمى خاصة بعد اصطفاف النظام الجزائري إلى جانب بشار الاسد وايران، فضلا عن العلاقات المتوترة مع دول الجوار من خلال تدخلاتها غير الشرعية والبعيدة عن ثقافة حسن الجوار...)، قلت ان هذا الحصار الذي ازداد قوة بعد نجاح المغرب في توسيع علاقاته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وتنويعها مع أكثر من دولة وقطب عالمي، كل هذا دفع بنظام العسكر في الجزائر إلى الارتماء في احضان ايرانوسوريا ضدا على ما يعتبره اعداء له رغم ان الشعب الجزائري غير راض على هذه السياسة التي ينهجها المتحكمون في دواليب السلطة، إلا ان هؤلاء ماضون في سياستهم الانتحارية مهما كلفهم ذلك من ثمن لان ليس لديهم ما يخسرونه بعد ان وصلوا إلى حافة الطريق وأضحوا قاب قوسين او أدنى من الهاوية، مما جعلهم يختارون نهج سياسة الارض المحروقة..مسترشدين بلويس الخامس عشر وهو يردد مقولة نيرون "انا..ومن بعدي الطوفان".