دأبت العدالة والتنمية منذ وصولها لرئاسة الحكومة، توظيف اختيار المغرب الديمقراطية التوافقية في نمط الاقتراع، الذي هندس بشكل لا يسمح لأي حزب بالحصول على الأغلبية المطلقة التي تخول له تشكيل الحكومة منفردا. وهذا ما يجعل الحاجة لعقد التحالفات والتوافقات أمرا ضروريا لا مهرب منه. لقد وظفت هذا الاختيار باللعب على الحبلين، برئاستها للحكومة دون أن تتحمل أعباء المسؤولية، الأمر الذي يخلق اللبس في فهم دور العدالة التنمية وموقعها في الساحة السياسية. وفي المقابل استطاعت تدبير مصالحها دون تحمل المسؤولية السياسية، إن خطة الدفاع الأولى هي ادعاء المظلومية وعدم تحمل المسؤولية، أما وخطة الدفاع الثانية هي إيهام الناس أنهم يريدون الديمقراطية لكسب تأييد المتعطشين للحرية. هو تكتيك سياسي صار نهجا طوره الإخوان لركوب موجة المطالبة بالحرية للوصول و البقاء في السلطة. وتنزيلا لهذا النهج السياسي فإنهم، يجمعون في تعاطيهم مع الحلفاء الحكوميين بين منطقين، منطق السكوت تحت مبرر التوافق و منطق المزايدة و التجاوز. وذلك بناء على المعطيات الإقليمية و الدولية. كلنا يتذكر كيف كان يزايد بنكيران بالخروج للشارع، عندما كانت المناخ الدولي لصالح الإخوان، وكيف تمت نهج أسلوب المهادنة ونزول التوحيد و الإصلاح بكل ثقلها لعدم التمديد لولاية ثالثة لبنكيران. إن نهج المظلومية له مردود انتخابي، بالنظر لطبيعة الشعب المغربي و الشعوب المشرقية عموما كونها شعوب عاطفية. وهذا ما جعل العدالة والتنمية تحقق نجاحات انتخابية دون أن تكون لها حصيلة تدبيرية. فالحزب يتقوى دوما بخطاب المظلومية ونظرية الاستهداف، في حين أن الإقرار بتحمل المسؤولية كحزب حاكم يربكهم، ويؤدي بهم للانقسام، والخروج حرب المواقع للعلن ،في مقابل نظرية الاستهداف التي توفر لهم مناعة تنظيمية. يكفي هنا متابعة حرب الأجنحة التنظيمية بعد عزل بنكيران. و إخراج ملفات الفساد للعلن من داخل العدالة التنمية في ظل حرب التموقعات بين هذا الجناح وذاك ، بغية حصول ممثلي كل جناح على مواقع متقدمة في الحكومة و البرلمان ومؤسسات الدولة، تمكنهم من استعادة الوجاهة والنفوذ. وإحساس البعض بالحيف بعد بروز ظاهرة الأغنياء الجدد. فنظرية الإستهداف هذه كانت تمكنهم من امتصاص الطموحات. لهذا فان العثماني في الفترة المقبلة، سيحاول تقوية نظرية الإستهداف و التي تمكنه من إمكانية الضبط الذاتي، بإشاعة كونهم في تفاوض مع "الفوق" وذلك بغية لجم التضاربات التنظيمية، و تصدير الأزمة للدولة. وفي نفس الاتجاه السعي إلى إضعاف شركائهم في الحكومة بتصدير تحميلهم المسؤولية؛ وفتح مجال أوسع بمغازلة المعارضة التي تبدو بدون أمل لتكون البديل. إن الاتجاه نحو تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد. اظهر جنوح العدالة التنمية لوضع أكبر قدر ممكن من أعضائهم في المناصب العليا، التي لها علاقات مباشرة بما هو اجتماعي، وبالتالي يكون لها عائد انتخابي. ثم اللعب على تناقضات خصومها، وإلصاق المسؤولية بالحلفاء لتبرير حصيلتهم السلبية. في وقت يعرف فيها الاقتصاد الوطني اخطر منعرج على الإطلاق. وهنا فان اتجاه العدالة التنمية نحو إشاعة إمكانية عودة سيناريو 2007 بعدم تغطية جميع الدوائر الإنتخابية، مقصود بغاية تقوية منطق الاستهداف و تمكين قياداتها بالظهور بمظهر المخلص، الذي يجعل سلطتهم أكبر. لكونهم في فترة المساومة على ملفات الفساد والإختلالات التدبيرية، وكذلك الملفات الجنائية المعروضة على القضاء. تحت مبرر توفير الحماية السياسية. ومن جهة أخرى فان العثماني اتجه على نحو معاكس ولا أخلاقي للقيام بما يفترض فيه كرئيس حكومة، باعتباره المسؤول السياسي الأول على الحصيلة الحكومية، ومن خلال ما يلزمه هذا الموقع أخلاقيا وسياسيا ضرورة التنسيق مع الأغلبية و تقديم الحصيلة الجماعية، وذلك من خلال مؤسسة رئاسة الحكومة التي يلزمها القيام بالسهر على التوافق وحث الأحزاب على إعادة تقريب وجهات النظر. لكن الأكيد أن شيئا من هذا لن يتم، فمنطق العدالة والتنمية هو مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن، كما أن الوضوح السياسي يضعف العدالة التنمية، لهذا نجدها تحاول توسيع المجال التحالفات السياسية، لكي تضع شركائها في الزاوية الضيقة، بعد لمسها السخط الشعبي على السياسات اللا شعبية و جسامة التحديات الإقتصادية القادمة، والتي لا تستطيع مجاراتها، إذ أن الدفاع عنها بشكل مسؤول يترجم إلى نهاية وشيكة لها. فالعدالة والتنمية تحاول الهروب من تحمل أتعاب وتبعات المسؤولية السياسية، لكونها تتخوف من خسارة الإنتخابات، لهذا فهم في الحزب يحاولون إظهار العثماني بمنطق الرجل الضعيف، وأنه ليس هو رئيس الحكومة الفعلي. بعدما كانوا يعتبرونه منظر الحزب قبل تعيينه رئيسا لها. إن العدالة التنمية أظهرت خلال سنوات حكمها، أنها محترفة لفنون الهروب والمناورة، وباللعب على كل الأوتار لتجنب الظهور في الواجهة و الوضوح. لهذا فإنها تحشد المعارضة لضرب بعض حلفائها، كما تمارس عملية الضغط من وراء الستار باستغلال أطماع الأحزاب الصغيرة، كما فعلت مع التقدم والإشتراكية سابقا، لتجميل صورتها خارجيا أو المعارضة اليسارية، ورمي المسؤولية على حلفائها في الحكومة لإنقاذ نفسها من تحمل المسؤولية والمحاسبة في حال الفشل. كلنا نعاين اليوم الدفع بالموالين لها في المناصب التي لها عائد انتخابي. في مقابل ذلك فالآخرون منشغلون بالمناصب التي لها عائد مالي، بشكل فج. لكونهم في نهاية مسارهم السياسي كما هو الحال في التعيينات الأخيرة بمجلس ضبط الكهرباء. في مقابل ذلك اتجهت العدالة والتنمية الى تكثيف التعيينات في المناصب كما هو دائما قبل كل الإستحقاقات، للمتعاطفين معها دون الانخراط فيها علنيا، وبذلك فإنها تضرب عصفورين بحجر، أولا ببقائها في الحكم وتنفيذ سياساتها من وراء الستار وثانيا عدم تحمل مسؤوليتها عند الفشل.