المغرب: نمو اقتصادي بنسبة 4.2 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية (مندوبية)    جيتكس إفريقيا المغرب، منصة استراتيجية لتطوير المقاولات الناشئة الشابة بالقارة (منظمة Open Startup)    الفرق المتأهلة ومواعيد مواجهات نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    تعديل استثنائي في توقيت بث برنامج "ديرها غا زوينة" مساء اليوم الخميس    الصحراء المغربية.. هنغاريا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي    وفاة عامل بسوق الجملة بالدار البيضاء تثير غضب التجار وتفتح باب المساءلة    تعليمنا المغربي والعنف المدرسي.. عَارُنَا الكبير أمام شرفة أحلامنا الوطنية    سعد لمجرد ينفي مشاركته في مهرجان موازين 2025    بوريطة يلتقي وزير الخارجية الإسباني في مدريد لتكريس متانة الشراكة المغربية الإسبانية    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    الاتحاد الأوروبي يدرج المغرب ضمن قائمة "الدول الآمنة"    إحاطة ديميستورا: خطاب متوازن أم تثبيت للجمود؟    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    من قلب إفريقيا إلى صفوف التميز .. المغرب ينافس الكبار في حماية الملكية الفكرية    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    توقيف جانحين استعرضا أسلحة بيضاء أمام مقر دائرة للشرطة بالبيضاء    المغرب يتقدم الدول العربية على صعيد القارة الإفريقية في تعميم التغطية الصحية    قبل 17 سنة الاستخبارات الأمريكية توقعت عالم 2025.. نضوب المياه العذبة يُهدد المغرب    أمريكا تستثني المغرب من رسوم جمركية على السكر    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بمختلف مناطق المملكة    مقدم شرطة رئيس يطلق النار لمنع فرار سجين كان رهن المراقبة الطبية بالمستشفى الجامعي بمراكش    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    رئيس جماعة بني ملال يتجاوب مع مطالب النقابيين في قطاع الجماعات    أديس أبابا- اللجنة الاقتصادية لإفريقيا: اجتماع لفريق الخبراء تحت الرئاسة المغربية لدراسة واعتماد التقرير الإفريقي حول التنمية المستدامة    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    الركراكي: أسود الأطلس عازمون على الفوز بكأس إفريقيا 2025 على أرضنا    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    "كاف" يغير توقيت نهائي "كان U17"    الجيش الإسرائيلي يعلن تحويل 30% من أراضي قطاع غزة إلى منطقة عازلة    دوري أبطال أوروبا.. إنتر ميلان يُقصي بايرن ميونخ ويتأهل لمواجهة برشلونة في النصف النهائي    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    هل هي عزلة أم إقامة إجبارية دولية: هكذا تخلت القوى الكبرى ‮ والدول الصغرى أيضا عن دولة العسكر في الجزائر!    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    ملاحظات عامة عن المهرجانات السينمائية المستفيدة من دعم الدورة الأولى لسنة 2025    أنشطة سينمائية بعدد من المدن المغربية خلال ما تبقى من شهر أبريل    «أجساد في ملكوت الفن».. عبد العزيز عبدوس يفتح نوافذ الذاكرة والحلم بطنجة    بلقشور: إصلاحات "دونور" غير مسبوقة والمركب في أفضل حالاته    كلمة : البرلمان.. القضايا الحارقة    المغرب يتسلح ب600 صاروخ أمريكي لمواجهة التحديات الجوية    هل ما زال للقصائد صوت بيننا؟    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحمق سماد اللحية ...

كما كان متوقعاً، أثار مقالي السابق الكثير من ردود الفعل إثر نشره بهذا الموقع،
حيث قيل عنه الكثير، كل بطريقته، لكن الغالبية العظمى ركبت قوارب السب والشتم، بل بلغ الأمر بالبعض حد التشكيك في إسلامي وتكفيري، وهي على كل ليست المرة الأولى التي تكشف فيها الردود المتشنجة حجم القصور الفكري لدى كثير من متصفحي شبكة الانترنيت، وسوء إدراكهم لمعنى الحرية المسؤولة في التعبير عن الرأي مع احترام الرأي المخالف طبعا، بل وضعف الفهم بشكل واضح لدى بعض المعلقين.
• سلاما..سلاما..سلاما...
كان المفروض عدم التعامل مع هذه الردود والترفع عن الدخول في سجال مع موقعيها، التزاما بقوله تعالى “وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” (الفرقان / 63)، لكن بما أنها تعتبر في الواقع تصديقاً عمليا وصريحا لما ورد في المقال المفترى عليه، فقد كان ضروريا التوقف عندها بما تقتضيه المناسبة.
لقد توزعت الردود بين :
- قلة أقل من القليلة قرأت المقال كاملا وبموضوعية وتجرد، واختلفت أو اتفقت معه..
- قلة ركبت ما جاء فيه لتصفية حسابات ما مع حزب العدالة والتنمية..
- أغلبية ساحقة، لم تقرإ المقال كاملا أو على الأقل لم تتحل بالتجرد المطلوب، أو قرأته ولم تفهمه بسبب الغشاوة التي على أبصارها، وبسبب الدوغمائية ومنطق التسطيح والتبسيط والاختزال...
وردود هذه الفئة الأخيرة تحديدا هي التي تمثل دليلا عمليا على أن الحمق سماد اللحية بالنسبة للكثيرين..
فكلمة اللحية وردت في المقال ثلاث مرات على الأكثر ضمن ما يناهز 6100 كلمة، وفي سياق كاريكاتوري واضح ومع ذلك كانت كافية للحكم على كاتبه بالإلحاد والزندقة والكفر وما إلى ذلك وبالعربية والفرنسية..
لن أدخل هنا في سجال حول “الحكم الشرعي للحية”، لأن ذلك لم يكن مقصدا لا أساسيا ولا ثانويا للمقال، بل أكتفي بهذا التنبيه لتوضيح حجم السطحية التي تعامل بها كثير من الإخوة القراء، الذين حول بعضهم اللحية إلى “أصل” من أصول العقيدة وهو كلام ينم عن جهل تام، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أبعد عبر تقديم تأويلات لما ورد في المقال، لا تصح حتى ولو تم جز رؤوس الكلمات وليس لي أعناقها فقط..
أما كيف يمكن اعتبار هذه المواقف تدليلا عمليا على صدق ما جاء في المقال، فذلك انطلاقا من أن كثيرا من المعلقين ينطلقون من تعاطف معلن مع حزب العدالة والتنمية، وهذا هو بيت القصيد.
فكثير من المتعاطفين مع هذا الحزب – كما بينت ذلك الردود المشار إليها- يمكنهم أن يتحولوا إلى وبال عليه في أية لحظة، تماما كما حدث لبعض قواعد الإخوان المسلمين في مصر، والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.. وغيرهما، فالأنظمة في هذه الدول كانت تدرك أن سلطة “الحكماء” محدودة جدا مقارنة مع ارتجالية “الدهماء”، ولذلك كان يكفيها في كل مرة “تغييب” القيادات العاقلة وقطع خطوط الاتصال بينها وبين قواعدها، لتنطلق الغوغاء في الاتجاه الذي يبرر أخذ الحابل بالنابل..
أما مسؤولية حزب العدالة والتنمية عما يجري، فهي حتى وأن كانت نسبية أو معنوية أو حتى غير محددة، لكنها تبقى ثابتة، بما أنه نجح في بيع الوهم للجمهور، وتحول فعلا إلى عجلة احتياطية يمكن للنظام استخدامها في أية لحظة تتعطل فيها إحدى عجلات عربته المتهالكة.. وهو ما بدا واضحا من كثير من الردود المتشنجة التي اخترعت معركة وخاضتها بأحط أساليب التعبير.. مع أننا نتحدث هنا عن أشخاص يعرفون القراءة والكتابة على الأقل، ويستطيعون التعامل مع تقنيات الانترنيت..
• معجزة عصيد ومن معه..
نظرا لسوء الفهم الذي اتضحت معالمه من خلال ما جاء في أغلبية التعليقات، أرى أنه من الضروري العودة ولو باقتضاب إلى المحاور الثلاثة التي تناولها المقال المشار إليه، وأولها كيفية مواجهة الحرب على اللغة العربية..
لقد قلت إن هذه اللغة محفوظة بوعد إلهي لأنها الوعاء الحامل للقرآن، ويبدو أن هذا الكلام لم يعجب كثيرين ممن ندبوا أنفسهم للدفاع عن لغة تشير آخر الإحصائيات إلى أنها من أسرع اللغات انتشارا على شبكة الأنترنيت وأنها تتقدم في هذا المجال على اللغة الفرنسية بثلاث مراتب..
لكن يبدو أن الإستراتيجية التي يتبعها بعض أعداء هذه اللغة نجحت في حرف النقاش عن طريقه الصحيح، ليتحول إلى مزايدات فارغة.. وحين أتحدث عن معجزة الأستاذ عصيد وغيره ممن ينسجون على منواله.. فأنا أعني ما أقول، فكل السائرين في هذا الاتجاه يستعملون اللغة العربية للطعن فيها، لأنهم يعلمون أن استعمال لغة غيرها لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، أي الاستفزاز ورد الفعل الغوغائي الذي يمثل أصلا مبرر الوجود الوحيد لهذا النوع من “النظريات”..
بعبارة أخرى نحن أمام تكرار – مع الفارق طبعا – لسجال طريف دار بين عمر بن الخطاب وأبي هريرة رضي الله عنهما والذي كانت خلاصته: “كيف قاءها إن لم يكن قد شربها؟”.. وأعتذر عن عدم سرد هذه القصة حتى لا أمنح للجهال فرصة لحرف النقاش عن طريقه..
ولننظر فقط إلى ما حدث للقناة الثانية التي قال عنها الرئيس شيراك ذات زمن إنه لا خوف على الفرنكوفونية ما دامت الدوزيم في الساحة، وقد عشنا وعاش شيراك لنرى جميعا كيف أنها تحولت إلى طبل أجوف، وأنه مقابل حصتها المحدودة من برامج الأطفال المفرنسة مثلا، ظهرت في سماء المغرب عدة قنوات مختصة تبث برامجها على مدار الساعة وبلغة الضاد.. واسألوا الأطفال إن كنتم لا تعلمون..
وهذا دون أن نذكر بحالة الجزائر التي خضعت لاحتلال استيطاني وثقافي دام أكثر من 130 سنة، بل مازال لحد اليوم أصحاب القرار فيها هم المنتمون ل”حزب فرنسا”، ومع ذلك فإن الجرائد الناطقة بالعربية هي الأكثر مبيعاً وبفارق كبير جداً عن نظيرتها الفرنسية.
• الأخلاق والسياسة..
غضب كثير من المعلقين على ادعائي بأن السياسة والأخلاق ضدان لا يجتمعان على الأقل في زمن الناس هذا. وحتى لا أضطر إلى كثير من الشرح والتبسيط، أسوق فقط بعض الأمثلة التي لا تحتاج إلى ذكاء حاد لإدراك الغاية منها :
- فقصة التحكيم خلال الفتنة الكبرى وما انتهت إليه – حسب كثير من الروايات التاريخية – لم تكن في أية لحظة سبة في جبين الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه، رغم أنه خدع الصحابي الآخر أبا موسى الأشعري.. وهي واقعة لا ندري كيف يمكن الحكم عليها من منظور أخلاقي..
- وإذا اعتبرنا أن ذلك من الوقائع التاريخية التي تحتمل وتحتمل.. وما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال كما يقال، فكيف نقرأ ترخيص حزب العدالة والتنمية التركي مؤخرا بافتتاح شاطئ للعراة، وغضه الطرف عن دور الدعارة والحانات وغيرها من أوكار الرذيلة ؟
إن هذا الحزب يعطينا مثالا واضحاً للواقعية السياسية، فهو ينظر إلى الهدف الاستراتيجي على المدى البعيد، ولا يستنزف طاقاته في معارك هامشية لن تؤدي سوى إلى توحيد خصومه على حربه.. وتبرير استهدافه..
- المثال الثالث هو لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وكيف تدير أمورها على كافة الأصعدة، ولا أعتقد أننا لو نظرنا إلى ذلك من زاوية أخلاقية ضيقة وفي كثير من النماذج، سنكون منصفين للحركة ورجالها وتاريخها..
• النقد الفني..
اعترف بداية بأنني شخصيا لا أسمع عن كثير من الأفلام والسهرات والمهرجانات إلا عبر بلاغات التنديد والبيانات “شديدة اللهجة” التي تصدر عن حزب العدالة والتنمية المغربي، ولذلك فحين أتحدث عن دعاية مجانية ل”العفن الفني”، فأنا أعني ما أقول، خاصة وأن هذه البيانات وتلك البلاغات تمثل جواز المرور نحو عالم الشهرة حتى بالنسبة لأردإ الأعمال “الفنية”..
ويكفي هنا أن أشير إلى مبدإ فقهي معروف ألا هو أن من شروط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أشد.. وحين نستحضر أن أول رد فعل على “انتقادات” حزب العدالة والتنمية هو السعي إلى مناكفته والمزايدة عليه، فلا أدري ما هي القيمة المضافة لمعارك من هذا النوع سوى إيجاد المبرر لفتح سماء المغرب وأرضه أمام مزيد من مظاهر الانحراف.. بل وبدعم سخي أحيانا من المجالس البلدية التي يقودها أو يشارك فيها العداليون..
وقد كان حد أدنى من الذكاء السياسي هنا كفيلا بتحويل المعركة في اتجاه آخر.. فهناك علماء ومؤسسة دينية رسمية، تتحمل قبل غيرها مسؤولية تقويم الاعوجاجات إن وجدت، كما فعل أحد المجالس العلمية بالدار البيضاء على خلفية مهرجان موازين الأخير.. وكما يفعل الأستاذ بنحمزة في كثير من مقالاته مثلا..
إن علماء المغرب ليسوا معزولين عن الواقع، أو خاضعين للوصاية المطلقة كما يعتقد البعض، بل إن كثيرا منهم قادرون على رفع الصوت ل”تغيير المنكر” أو ليتحملوا مسؤولية ذلك أمام خالقهم يوم لن تنفعهم شفاعة الشافعين، لكن دخول حزب ما على الخط يجعلهم في موقف حرج، وقد رأينا أكثر من مرة كيف اتهم العلماء بمجاراة “العدالة والتنمية” لمجرد أن الموقف كان “موحداً” في نازلة ما..
ولهذا حين أقول إنه لم يعد اليوم بالإمكان الجمع بين عمامة الفقيه وجبة السياسي.. لابد من النظر إلى الأمر من هذه الزاوية تحديدا..
•...الدور القذر
وحتى نتعمق أكثر في موضوع “الدور القذر” لحزب العدالة والتنمية، أود أن أسجل بعض الإضافات الأساسية.
لقد اعتبرت بعض الردود ما كتبته في هذا السياق، خدمة من نوع ما أقدمها لجهة ما، بمقابل طبعا، وأن الغاية من ذلك هي اتهام هذا الحزب بالباطل والتحامل عليه بشكل مجاني..
إن هذا الموقف الغوغائي، لا يبدو أنه يأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع المغربي :
- فهذا الحزب يقف اليوم عاجزاً في الجماعات التي يديرها، حتى عن مواجهة القياد والعمال والولاة، ولنا أن نتصور وضعه حين سيصل إلى المشاركة في الحكومة مستقبلا، ويدخل في مواجهة مراكز القوة الحقيقية التي تتحرك في الظل وخارج أية تغطية، بل وبعيدا عن متناول المؤسسات الدستورية.
لقد كانت تجربة اليسار في هذا الباب أكثر من مفيدة.
فهذا المكون ظل على مدى أربعة عقود وهو في مواجهة النظام القائم، عبر خيارات ثورية وانقلابية ثم ديموقراطية، ولم نسمع مثلا أنه ترك لوزارة الداخلية مهمة اختيار رئيس فريقه النيابي.. لكن حين توصل إلى توافق لم يجد الأستاذ اليوسفي بدا من الاعتراف في النهاية بأنه تم جره إلى ساحة معركة لم يكن يعرفها.. وأن “جيوب مقاومة التغيير” نحجت في مهمتها.. أي استدراجه ثم كشف عورته أمام الشعب... وحالة اليسار المغربي عموما، والاتحاد الاشتراكي بوجه خاص، اليوم تغني عن كل تعليق، مع أننا نتحدث هنا عن سياسيين محترفين ومخضرمين من العيار الثقيل، ومشهود لكثير منهم -على الأقل- بنظافة السجل، وبتاريخ نضالي مشرف..
- من المتوقع حتماً أن يتكرر نفس السيناريو في ما لو تمت الاستعانة بالعدالة والتنمية في لحظة ما لتنفيس الاحتقان، لأن طبيعة الحكم في المغرب معقدة، والأحزاب المتواجدة حاليا في الساحة همها الأول والأخير هو الحصول على مكان في حجر السلطة، أيا كان الثمن.
- الذين اعتبروا ما قلته عن هذا الحزب نوعا من “الخدمة مدفوعة الأجر”، لا يبدو أنهم اطلعوا على الحوار المدوي الذي كان الراحل الدكتور الخطيب قد أجراه قبل سنوات معدودة مع يومية “أوجوردوي لوماروك” وقال فيه كلاما في حق كل من الدكتور الريسوني والأستاذ الرميد، يدخل تحت مسمى القذف العلني، وهو كلام موزون لأنه صادر عن رجل احترف السياسة على مدى أزيد من نصف قرن، بل هو من فتح كوة في جدار الرفض الذي كان هذا التيار يواجه به كلما بحث عن منفذ للخروج إلى دائرة الشرعية، وهي أوصاف تنطبق من باب أولى على الأستاذ بنكيران، الذي يسجل أرشيف البرلمان والتلفزة أن أسهل شيء هو استفزازه وإخراجه عن طوره.. وترك مطافئ الحزب تتحمل بعد ذلك مسؤولية محاولة إطفاء الحرائق التي يشعلها..
وأكتفي بهذا حتى لا أذكر بما كتبه الراحل الدكتور فريد الأنصاري عن خطايا الحركة الإسلامية -العدالة والتنمية تحديدا-، ولا ما صرح به الشيخ عبد الباري الزمزمي في حق هذا الحزب.. أما لو سردت بعض مواقف الدكتور أحمد الكبيسي العالم العراقي المعروف من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فالأكيد أن الأمر لن يتوقف عند حد التفسيق والتكفير، بل قد يصل على حد إهدار الدم..
• خطأ وخطيئة
لقد قلت بأن الخطأ الأساسي لحزب العدالة والتنمية يكمن في الهالة التي يرسمها حوله مريدوه وأنصاره والمتعاطفون معه، ما يحوله بالنسبة لكثيرين إلى طوق نجاة أكيد من الوضع الحالي.
وهي صورة تترسخ أكثر لدى البسطاء من الناس من خلال المعارك الشكلية ذات الطابع الأخلاقي التي يخوضها الحزب بشكل متواصل، وتعطي الانطباع بأن وصوله إلى منصة تدبير الشأن العام كفيل بنشر العدل على وجه الأرض.. وهذا خطأ إذا صدر عن أيها الناس، وهو خطيئة حين يصدر عن “النخبة المتنورة الطاهرة”...
إن دور الأحزاب هو ممارسة السياسة بكل ما تحمله هذه الكلمة من حمولة دلالية، وبالتالي فإن أي تضليل مهما كان نوعه أو مصدره هو في حكم الخطيئة التي لا تمحوها توبة..
فهناك أولويات لابد من احترامها، كما فعل حزب أردوغان في تركيا – وهو بالمناسبة غير ملتح، فلو انشغل بالنقد السينمائي أو بمطاردة العري تحت قبة البرلمان وغير ذلك من المعارك الوهمية التي لا تحظى بالأولوية – من قبيل اللحية لدى البعض..-، لما استطاع أن يسير اليوم دولة بحجم تركيا، ولما تحول إلى رقم أساسي في المعادلة السياسية هناك، ولما استعادت تركيا اليوم خلفيتها العثمانية ولما حققت معجزة اقتصادية، ولما أعادت ضبط قواعد اللعبة السياسية عبر تعديل الدستور.. إنه الفرق الواضح بين المصباح العصري و”لامبة” القرون الوسطى..
• تيارات الشوباني واستقالة الرميد
حلقة برنامج تيارات التي استضافت مؤخراً الأستاذ الشوباني كانت بمثابة تأكيد لكل ما جاء في المقال السابق.
فالصحافي بن الشريف الذي يعرف الجميع صلته ب “التراكتور” نحج في تحويل الحلقة إلى دعاية مجانية لحزب الأصالة والمعاصرة، وانساق معه الضيف دون وعي.
فعوض أن تستغل هذه المساحة الزمنية لتقديم وجهة نظر حزب العدالة والتنمية، وبدائله العلمية والعملية لمختلف المشاكل السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والفنية والثقافية، أصبحنا أمام معركة من المعارك إياها ضمن مسلسل “الجلاد والضحية والوافد الجديد”، وذلك كله من بركات زلات لسان الأستاذ بنكيران الذي تعودنا منه أن يفقد السيطرة على لسانه في كثير من المناسبات..
إن الحلقة المشار إليها أكدت مرة أخرى أن حزب العدالة والتنمية إذا كان يمارس هذا الدور القذر دون وعي، فتلك مصيبة وإذا كان يمارسه عن قصد فالمصيبة أعظم..
أما قصة “استقالة” الأستاذ الرميد وما تلاها من تطورات، فإنها واقعة لا تستحق التوقف عندها أصلا.. لأنها استمرار لحالة انعدام الوزن التي يعاني منها هذا الحزب.. وهي تصديق لما قاله الدكتور الخطيب رحمه الله عن الرميد في حواره المشار إليه أعلاه..
فالاستقالة كانت لتكون فعالة لو سبقتها مواقف حاسمة وحازمة في عدة لحظات مفصلية يعرفها الجميع، عوض أن يواجهها الحزب بقوة وصلابة فضل الاستسلام أمامها وفق شعار “الانحناء أمام العاصفة” حتى أصبحت تلك عادته ومذهبه، رغم أن قول “لا” والتمسك بها، كان سيغير الكثير من المعطيات والمعادلات علماً أن قيادة الحزب لم تكن لتنفى إلى ميسور كما حدث مع عبد الرحيم بوعبيد مثلا في بداية الثمانينيات، ولم يكن الحزب ليتعرض ل”الحل” بسببها، لأن ذلك سيحول الملف إلى قنبلة تحرق أيدي الماسكين بزمام الأمور في محيط صناعة القرار..
باختصار: من يزهد في رئاسة فريق نيابي خوفا من “المواجهة”.. هل يفرط في “الحصانة” ومزاياها الكثيرة..؟
• وماذا بعد ؟
.. بكل موضوعية، فإن الحزب الذي يمكنه إحداث الفارق وإخراج العمل السياسي من حالة الجمود الحالي، هو ذاك الذي يأتي من رحم الشعب، أي يولد كضرورة سياسية من قلب المجتمع نفسه، ويكون هدفه التغيير الحقيقي العميق.. الذي ينطلق من عقد اجتماعي جديد قائم على تقاسم السلطة بشكل حقيقي، وعلى ملكية برلمانية تترك للشعب هامشا لحكم نفسه بنفسه عبر برلمان فاعل وحكومة فعالة ودستور عصري صريح ومصوغ بلغة قانونية حديثة وليس اعتمادا على قاموس القرون الوسطى..
أما الأحزاب التي تولد في الفنادق المصنفة، ويكون سقف أحلامها هو الحصول على موطئ قدم في طاولة المجلس الحكومي.. فمزبلة التاريخ أولى بها..
وموعدنا يتجدد بعد أن يدخل حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة.. لنرى ما إذا كان سيغير أم سيتغير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.