يبدو أن سعادة "المفكر الإسلامي المستنير" سيد القمني قد أصيب بحالة من الاكتئاب بسبب تراجع حضوره في وسائل الإعلام بعد أن لم يعد ثمة قيمة للهراء الذي طالما سطره هنا وهناك، فيما يبدو أن جديداً لم يعد بحوزته من ذلك الذي يمكنه إثارة الضجيج واستدعاء العالم لنصرة الإبداع من سطوة الظلاميين الذين يطاردونه بالإرهاب الفكري ووسائل المنع السلطوية تارة، ومن خلال الإرهاب المسلح تارة أخرى. والحال أننا لم نسمع أن أحداً قد هدد سيد القمني إلا منه شخصياً، وفيما زعم أن تنظيم القاعدة هو الذي هدده وطالبه بالتوبة، فإن سيرة التنظيم المذكور لا تشير إلى نشاط من هذا القبيل، لكنه موسم القاعدة كما يبدو، ومن المفيد للقمني أن يضع نفسه على قدم المساواة مع الولاياتالمتحدة التي يشن عليها التنظيم حربه المعلنة!! القمني ونصر حامد أبو زيد وسعيد العشماوي وخليل عبد الكريم هم ثلة من محبي الشهرة وجدوا ضالتهم في شتم الإسلام والمسلمين، وتسخيف كل ما هو مقدس في أرواح الناس، وقد مات هذا الأخير من دون أن يزعم أن أحداً قد هدده على رغم أن كفرياته كانت أكثر وضوحاً من هرطقات القمني. لسنا مع الحجر على كتابات هؤلاء أو محاكمتهم، لسبب بسيط هو أنها أسخف من أن تؤثر في بنيان دين لم تتوقف سهام التشكيك فيه طوال خمسة عشر قرناً، ومن قبل من هم أكثر فهماً وأنضج عقلاً من هؤلاء، ولو كان هشاً إلى هذا الحد لما بقي متألقاً كل هذه القرون، ولما كان أكثر الأديان انتشاراً على رغم ضعف أمته وسطوة الغرب على أنظمتها. وفي حين نعلن رفضنا لاستهدافهم بأي شكل من الأشكال، فإن أحداً لا يمكنه منع هذا الإنسان الغاضب أو ذاك من الرد بطريقته على كاتب يمس مقدساته ويستهزىء بها، أكان رداً قانونياً من خلال رفع القضايا، أم رداً مادياً. ولا ندري إن كان هؤلاء يطالبون السلطات الأمنية بأن تخصص لكل واحد منهم جيشاً يحرسه كي يواصل متعته في شتم المقدس في أرواح الناس من دون أن يصيبه أي أذى. كل ما جرى خلال السنوات الأخيرة، أكان رفع قضايا حسبة على أمثال هؤلاء، أم استهداف لهم، وهي حالات محدودة كما هو معروف، لم تكن من فعل تنظيمات أو جماعات إسلامية، بل كانت شكلاً من أشكال ردود الفعل والممارسات الفردية، أما اعتراض بعض الإسلاميين على رواية وليمة لأعشاب البحر، فلم يكن على مبدأ النشر، بل على كونه قد تم على حساب وزارة الثقافة ومن جيوب المواطنين. من المفيد التذكير هنا بأن سبّ مقدسات الغالبية الساحقة من الناس غير مسموح به، حتى في الدول الغربية، بل إن تجريح الحكام يدخل في ذات الباب في كثير من دول العالم، لكن الأهم من ذلك هو المطالبة بحقنا الطبيعي في أن نقول إن ما يكتبه هؤلاء أو يقولونه هو كفر إذا كان كذلك، إذ ليس من حقهم أن يكفروا كما يشاؤون ثم لا يكون من حقنا أن نقول إن ذلك كفر بالله وبرسوله وبقرآنه!! أليست هذه هي حرية التعبير، أم أنها حرية تخصهم وحدهم ولا تشملنا نحن الذين ننسجم مع قناعات الغالبية الساحقة من أبناء الأمة؟! لقد كنا نتمنى أن يكون الرجل قد تاب وأناب عن هرطقاته التي لا تنطوي على أي منتج عقلي ومنطقي ذا قيمة، اللهم إلا التشكيك بقدسية النص القرآني وإهالة التراب على كل ما راكمته الأمة من تراث فقهي واعتقادي، بل ونشاط سياسي وجهادي أيضاً، لكن الموقف لا يبدو كذلك مع الأسف. أما حكاية السلطة في العالم العربي وانحيازها إلى الإرهاب الفكري الإسلامي، فلا تبدو ذات قيمة، بدليل أن الإسلاميين هم الغائب الأكبر عن وزارات الثقافة العربية وكل ما يصدر عنها، فيما يحضر غلاة العلمانيين وأعداء الظاهرة الإسلامية بكل تجلياتها.