رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات المتوسطية ورهانات التنمية
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 21 - 09 - 2013


عمر الصديقي
يعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط، بحكم موقعه الاستراتيجي وسط قارات العالم، مركز ونقطة تقاطع استرتيجية لمحور الشمال والجنوب من جهة ولمحور الشرق والغرب من جهة أخرى. لكن من المؤسف له ، أن هذا الحوض القديم تحول تدريجيا من منطقة أمن وحضارة عريقة وسلام إلى منطقة نزاعات وصراعات دولية لصالح الضفة الشمالية و الولايات المتحدة الأمريكية على حساب دول الجنوب التي لازالت تبحث عن صيغ التنمية المناسبة للخروج من نفق التخلف والتخلص من الاستعمار والتبعية.
ونتيجة هذا المعطى، صار البحر الأبيض المتوسط منطقة جيواستراتيجية وازنة بالنسبة للدول القوية، بينما اكتفت البلدان المتوسطية بالخضوع للسيطرة الأمريكية والاستغلال الاروبي تحت غطاء التعاون المشترك والدفاع عن المصالح المشتركة في إطار معاهدات وشراكات غير متكافئة، مادام هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو بسط نفوذها على مياه البحر المتوسط وضمان استغلالها للنفط العربي وحماية حليفها التقليدي إسرائيل التي تشكل أهم أسباب الصراع المتوسطي.
فقبل التطرق لمحور الرهانات المنتظرة من التكتلات المتوسطية وخاصة الشق الذي يهم التعاون الاورو-عربي ( المحور الأول) ، يتعين منهجيا الرجوع إلى التاريخ لاستحضار واقع البحر الأبيض المتوسط من خلال جملة النزاعات القائمة والنزاعات القادمة (المحور الثاني).
المحور الأول : واقع البحر الأبيض المتوسط النزاعات القائمة والنزاعات القادمة :
شكل حوض المتوسط مجال تجاذب للقوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية بالمنطقة، مما جعل عدة دول عظمى تعزز وجودها العسكري داخل المجال المتوسطي ، خاصة في إطار الصراع الإيديولوجي القائم غداة الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي سابقا والمعسكر الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية (1) ، لكن رغم انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء فصول الحرب الباردة وحسم حرب الخليج ، بقيت المنطقة المتوسطية عرضة لعدة مشاكل عويصة من بينها مسألة الهجرة عبر المتوسط وصحة البيئة المتوسطية(2).
1) النزاعات القائمة التقليدية :
يعود أصل النزاع المتوسطي إلى الاتحاد العسكري البريطاني-الأمريكي لمكافحة الشيوعية الشرقية، هذا الاتحاد الذي تطور للإعلان عن حرب باردة ضد الاتحاد السوفياتي وضرب الحصار على الدول الاشتراكية وتطويق المعسكر الشرقي بشبكة من القواعد الحربية بعرض المتوسط، كما تطور هذا الصراع كذلك ليصل إلى مستوى الحرب النووية ونشوب الحرب العالمية الثالثة التي كان من الممكن أن تكون رقعة المتوسط مسرحا لها. وهكذا وصل الصراع واشتد ليصل ذروته في عهد ولاية الرئيس ريغان الذي أعلن عن حرب النجوم وبالتالي الانتقال من الأرض إلى الفضاء المتوسطي في إطار ما تسميه الآلة العسكرية الأمريكية ب "استرتتيجية الدفاع البحري المتقدم" ضد الدول الاشتراكية آنذاك وضد دول العالم الثالث مستقبلا في سياق التطاحن الاقتصادي والحضاري مع الجنوب. وهذا ما يشكل احد أهداف إنشاء الحلف الأطلسي "ناتو" وحشد القوات النووية الهائلة بعرض المتوسط لضرب النقط البعيدة بواسطة الصواريخ العابرة للقارات بعيدا عن مصالحها وأراضيها وضمانا للفعالية وسرعة التنفيذ والتدخل.
وهكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتوفر في أتون الحرب الباردة بالحر الأبيض المتوسط فقط على أزيد من 40 قاعدة عسكرية أمريكية أو تابعة للناتو 11بايطاليا 13 بتركيا 9 باليونان و15 للحلف الأطلسي بالإضافة إلى إمكانية استعمال قواعد الدول الحليفة.
لقد كانت خطط البنتاكون تسعى لتطويق المتوسط وحماية إسرائيل ومراقبة الأساطيل التي تجوب المتوسط والاقتراب أكثر من نفط الخليج العربي وتشديد منظومة الاستطلاع والتجسس حول المتوسط بواسطة الأقمار الاصطناعية والوسائط الالكترونية وطائرات الكشف "أواكس" .
ولا شك أن حرب الخليج لسنة 1990 قدمت البرهان والدليل على أهمية البحر الأبيض المتوسط في القصف من بعيد و النقل الاستراتيجي للقوى وحاملات الطائرات والإمدادات العسكرية المتنوعة إلى ابعد نقط توتر تهدد مصالح الولايات المتحدة بالعالم.
2) النزاعات القادمة المتوقعة :
بعد الصراع التقليدي الذي يعرف في مجال العلاقات الدولية بصراع غرب –شرق، جاءت أزمة الخليج لتكشف للجميع الهيمنة الأمريكية والاروبية على البحر المتوسط وخاصة السيطرة الامريكية في إطار النظام الدولي الجديد ذات القطب الواحد. ومن المفكرين العرب الذين تطرقوا مبكرا للموضوع نجد الدكتور المهدي المنجرة الذي وصف أزمة الخليج بالحرب الحضارية الأولى، حيث تحول النزاع الدولي من ايديولوجي إلى مواجهة حضارية على مستوى القيم الحضارية ، فصار الإسلام والمسلمين حسب المنجرة دائما الهدف الأساسي للدول الغربية وكانت البداية مع العراق . وفي هذا السياق، يقول أحد المسؤولين الفرنسيين "جاك توميل" في جريدة لوموند " إن اخطر التهديدات التي نواجهها هي تلك التي أظهرتها حرب الخليج وأكثرها جدية تلك القادمة من إلى البلدان الإسلامية التي تبحث في الأصولية الإسلامية عن حلول لآلمها التي تحملنا مسؤوليتها …لنكن حذرين إذن من هذا القوس الشيطاني الواقع بين الجزائر وباكستان…"
ويخلص هذا المسؤول إلى القول " إن الحلف الأطلسي لم يعد عسكريا ولا سياسيا ، لكنه يكتسي أكثر فأكثر صبغة تاريخية…" .
فحرب الخليج حسب المنجرة كشفت على الأقل عن ثلاث نقط.
-الصراع بين الشمال والجنوب ليس اقتصادي وسياسي فحسب بل حضاري كذلك
- وجود صراع وتنافر بين حكومات دول العالم الثالث وشعوبها –نموذج الربيع العربي-
- عدم جدوى المنظمات الدولية والجهوية التي انتهت فعاليتها و مصداقيتها.
كما يجب أن نطرح، ضمن النزاعات القادمة، عدة قضايا أخرى يمكن أن تصبح شديدة الأهمية مستقبلا، وهي مسألة الإرهاب المرتبطة بالأصولية الإسلامية و تهريب المخدرات وملف حقوق الإنسان والديمقراطية لكن سنركز في هذه المداخلة على قضيتي الهجرة والبيئة :
-الهجرة :
تشكل معضلة الهجرة من عاملا مخيفا وهاجسا يؤرق السياسيين في كل البلدان الاروبية ويشكل أرضية تطاحن داخل دواليب الحياة السياسية و والاجتماعية الاروبية نتيجة عدد الأفواج المتصاعدة للمهاجرين من الشباب نحو أوروبا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من اجل تحسين ظروف العيش وتحقيق الحلم الأوروبي أو هروبا من الحروب والاستبداد وانعدام الحريات وتقلص الحقوق وغياب الديمقراطية بضفة الجنوب. وإذا كانت هذه الهجرة خلال الستينات والسبعينات عاملا ايجابيا للاقتصاد الأوروبي لتوفيرها ليد عاملة رخيصة وقابلة للاستغلال ، أما اليوم فقد أصبح الشمال المصنع في غير حاجة لليد العاملة القادمة من الجنوب جراء التطور التكنولوجي وارتفاع نسبة العاطلين، فأصبحت مشكلة الهجرة مشكلا حقيقيا للدول المستقبلة لصعوبة إدماج المهاجرين في الحياة الاجتماعية الاروبية لارتباطهم بعدة معضلات اقتصادية واجتماعية وسوسيولوجية. ومما زاد من تفاقم وضعية الهجرة والمهاجرين هو توحيد السياسة الاروبية حيال قضايا الهجرة في إطار اتفاقية شنغن، مما ترتب عنه نشوب عدة صراعات سياسية واجتماعية واقتصادية ودبلوماسية تزيد من اتساع الهوة بين الشمال والجنوب وتكريس الأزمة بالعالم الثالث.
البيئة :
قد يتبادر إلى الدهن أن مشكل البيئة لا يمكن أن يكون على نفس قدر من الأهمية من قضايا التنمية والديمقراطية. وعكس أقطار الجنوب، فإن بلدان شمل المتوسط تولي لهذا الموضوع أهمية أساسية في برامجها السياسية و وتفرض سياساتها البيئية في كل اتفاقياتها المبرمة مع الجنوب في إطار ما صار يسمى ب" الامبريالي الايكولوجية" . يؤكد الأخصائيون أن الحوض المتوسطي مهدد بتلوث كبير سيؤثر على مستقبل الحياة البيئية بالدول المحيطة ، خاصة بعد أن فشلت الندوة الولية للتعاون والبيئة سنة 1990 في وضع وتقديم تصور لحماية صحة البحر المتوسط.
وبالرغم من المحاولات التي تقوم بها اروبا لإشراك دول الجنوب في مسلسل مواجهة التلوث البيئي بالمتوسط، فان الوضع يزيد تأزما سواء في الشمال أو في الجنوب نتيجة ارتفاع وتيرة التصنيع والتدفق اليومي للنفايات السامة واصطدام ناقلات البترول بعرض المتوسط مما سيؤثر في نفس الوقت على قطاع الصيد البحري ومستقبل السياحة بالجنوب، هذا بالإضافة إلى الخصاص المائي الذي يسجل كل سنة وظاهرة التصحر وزحف الرمال التي تقتحم المناطق الخصبة وتهدد الحياة .علما أن دول العالم الثالث ليس في مقدورها مواكبة جهود مقاومة التلوث وتطبيق الأساليب التقنية الناهضة وتبني المنظومة الضريبية المفروضة على الشركات الصناعية بالشمال بسبب ضعفها الاقتصادي وعجزها الضريبي وتخلف الصناعة وشح الاستثمارات المهمة.
المحور الثاني التعاون المتوسطي ورهانات التكتلات الدولية :
رغم التقدم الصناعي والتطور الاقتصادي الذي حققته المجموعة الأوروبية كوحدة بشرية وقوة اقتصادية ، فإنها لم تجد بدا من الانفتاح على العالم الخارجي خاصة في إطار التعاون المتوسطي(1) وذلك لحماية مصالحها تحت غطاء مساعدة ودعم دول العالم الثالث السائرة في طريق النمو وتحقيق تحديات استراتيجية مهمة في سياق تظافر الجهود بين الشمال والجنوب وبناء تكتلات دولية من شانها تحقيق الرهانات المتوسطية(2).
1- التعاون المتوسطي
منذ معاهدة روما في 1956 والمجموعة الاروبية تبحث عن الصيغ المناسبة لتطوير اقتصادها وتجارتها الدولية بحوض المتوسط عبر آلية التخفيف من العوائق الجمركية، لكن غالبا ما تلزم دول الجنوب بمعايير ومقاييس تحديد الحصص والكميات وتشديد الحواجز الجمركية على المواد القادمة من الضفة الجنوبية. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن التعاون المتوسطي على مستويين اثنين .الأول عمودي يربط الشمال بالجنوب(ا) والثاني أفقي يعكس ضعف التكتل جنوب –جنوب(ب).
ا-المستوى الأول : شمل –جنوب :
هاجسان اثنان يقودان المجموعة الاروبية إلى تكثيف صيغ تعاونها مع دول البحر الأبيض المتوسط، أولها ضرورة إقامة علاقات متميزة مع الجيران المباشرين الاروبيين وتسجيل حضورها التنافسي بالمنطقة والثاني هو ارتباطها بدول الجنوب استجابة لحاجيات ومصالح اروبا في إطار العلاقات شمال –جنوب غير المتكافئة. فهكذا نجد أن المجموعة الاروبية ترتبط بدول منطقة المتوسط بأكثر من 12 اتفاقية شراكة وتعاون خاصة مع تركيا قبرص ومالطا وإسرائيل +دول جنوب الصحراء وفق اتفاقية لومي الموقعة من طرف 69 دولة التي تخول للبلدان الأعضاء تمرير سلعها وبضائعها نحو اروبا دون أي أداء جمركي أو تحديد حصصي، في حين أن المجموعة العربية لا تستفيد من نفس هذه الامتيازات التفصيلية. فنجد أن إسرائيل مثلا توجه 80/ من صادراتها إلى أسواق المجال الاروبي بينما يسوق 25/ فقط من مواده الغذائية والفلاحية إلى اروبا وسط منافسة شرسة وشديدة من طرف عدة دول منتجة لنفس المواد التصديرية. فيلاحظ أن اروبا تبقى المستفيد الأكبر من علاقات التبادل التجاري التي تقيمها مع الدول المتوسطية بما فيها الدول العربية السبع ( المغرب تونس الجزائر مصر الأردن سوريا ولبنان) التي غالبا ما تكون نتائج اتفاقياتها مخيبة للآمال خاصة بعد توسيع دائرة السوق إلى الأطراف الاروبية المتوسطية كاليونان واسبانيا والبرتغال التي تنافس صادراتها الفلاحية منتوجات دول شمال افريقيا، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الحوار المتوسطي على أسس متكافئة بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الشركاء الأوروبيين في ربط أواصر التعاون الفعلي القائم على العدالة والمساواة في معالجة قضايا التعاون المتوسطي.
ب-المستوى الثاني : جنوب -جنوب :
في ظل التكتلات الدولية القائمة اليوم، أصبح من الضروري استراتيجيا تحقيق نوع من التآلف والتعاون بين دول الجنوب نفسها في أفق الوصول إلى استقلال جماعي-l'autonomie collective- لفائدة بلدان العالم الثالث من اجل توحيد سياساتها تجاه المجموعة الأوروبية على وجه التحديد. نعم لقد أضحى التعاون الاقتصادي العربي ضرورة ملحة تمليها تحديات النظام العالمي الجديد المبني على تحرير المبادلات التجارية وتشكيل التكتلات الإقليمية وتنمية التجارة البينية العربية . لكن للأسف لم يكتب بعد لهذه الأهداف أن تحقق وتبلور على أرضية الواقع العربي في ظل مجموعة من المعيقات ومقدمتها عدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية الكفيلة بتجاوز المشاكل الاقتصادية والخلافات السياسية القائمة بين الدول العربية.
وهكذا تم في ماي 2001 توقيع إعلان اكادير لإنشاء منطقة للتبادل الحر بين البلدان العربية المتوسطية من طرف المغرب تونس مصر الأردن في انتظار انخراط الدول العربية الأخرى وبالتالي تأسيس سوق عربية موحدة تضاهي وتقابل وتحاور نظيرتها الأوروبية رغم الاختلافات الجوهرية بين المجموعتين.
وقبيل ذلك، في سنة 1989 تم توقيع معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي والتي تنص في مادتها الثالثة على الأهداف التالية
- تمتين أواصر الأخوة بين الدول الأعضاء وشعوب المنطقة
- تحقيق تقدم المجتمعات المغاربية والدفاع عن حقوقها
- المساهمة في صيانة السلام
- نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين
- العمل على تحقيق حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء
- تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية لشعوب المنطقة
- التعاون الثقافي وتنمية التعليم وصيانة الهوية والقومي العربية.
هذا بالإضافة إلى التعاون العربي الإفريقي الذي لم يحقق في الحقيقة المطامح المشروعة في إفريقيا بالرغم من توفر الفضاء الإفريقي عن مواد معدنية هامة كالنحاس والألماس و الذهب والحديد والفوسفاط والبترول….لكنها لا تنعكس ايجابيا عن تنمية اقتصاديات المنطقة بسبب الاستغلال والاستنزاف الخارجي وسوء تدبير هذه الموارد في ظل التبعية الاقتصادية والسياسية التي لازالت تشكو منها المستعمرات الافريقية القديمة، والتي تؤثر سلبا على ضعف مؤشرات التنمية البشرية ببلدان الجنوب.
مؤشرات التنمية البشرية هي نسبة أمد الحياة+نسبة التعليم والتمدرس+ مستوى العيش/3= IDH.
ومما يزيد في مأساة الدول النامية ضغط الثقل السلبي للعولمة ، بحيث توصد الدول الصناعية الكبرى أبوابها أمام المنتجات الزراعية والنسيجية القادمة من دول الجنوب وتفرض رسوم جمركية ثقيلة على صادراتها في إطار تعامل غير متكافئ بين الدول. تشير الإحصائيات أن 15/ 100فقط من سكان العالم يستأثرون وينفردون ب 85/100 من الاقتصاد العالمي و85/ من سكان العالم يحصلون على اقل من 15/من الدخل.فهذه الاختلالات في الموازين تؤثر سلبا على توازن العلاقات الدولية مما ينتج عنه عدم الاستقرار ويغيب الأمن والسلام بين سكان الشمال المتخمين وسكان الجنوب المعدمين حسب تعبير مجلة المحرر عدد147/2001.
إن بالرغم من الجهود التنموية المسجلة على الخريطة العربية، فن بلدانها تصنف ضمن الدول النامية التي تعاني من التخلف والتبعية والآثار السلبية للعولمة المحررة للتجارة العالمية التي لا يمكن أن يستفيد منها اقتصاد الجنوب. وحسب تقرير الأمم المتحدة فان نصيب الدول العربية من الاقتصاد العالمي لا يوازي مستوى القوة النفطية والبشرية العربية . فالسكان العرب يمثلون 4.8/ من سكان العالم وحصتهم من الناتج المحلي تبلغ 2.3 فقط.
ختاما ، إن الجنوب لا وجود له كحقيقة ايجابية وإنما هو مجال جغرافي واقتصادي يمثل مجموعة من البلدان التي تشترك في نفس المشاكل وهذا في حد ذاته نقطة سلبية ، كما أنها لا تتوحد في شيء ، وبالتالي من الصعب أن تجمعها نفس المصالح ونفس السياسات، علما أنها مجبرة على التنافس في إطار النظام العالمي الجديد المعولم لضمان الحد الأدنى من الاستقرار كدول قائمة بذاتها.
وفي الأخير ، يتعين على المجموعة العربية بالخصوص مواكبة التحديات المقبلة القيام بما يلي :
- السعي نحو إقامة تكتلات اقتصادية إقليمية عربية متوسطية (التجارة العربية لا تتجاوز 8/100)
- تركيز الرأسمال العربي في البلاد العربية وتوفير المناخ المناسب للاستثمار.
- تنويع الشراكات الدولية مع أمريكا آسيا أوروبا وإفريقيا السوداء عوض الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
- التركيز على المواطن العربي وتنمية العنصر البشري كرهان حقيقي.
-2 رهانات التكتلات المتوسطية :
- الرهان الاقتصادي والديمغرافي.
- الرهان التكنولوجي والأمني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.