بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات المتوسطية ورهانات التنمية
نشر في تازة اليوم وغدا يوم 21 - 09 - 2013


عمر الصديقي
يعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط، بحكم موقعه الاستراتيجي وسط قارات العالم، مركز ونقطة تقاطع استرتيجية لمحور الشمال والجنوب من جهة ولمحور الشرق والغرب من جهة أخرى. لكن من المؤسف له ، أن هذا الحوض القديم تحول تدريجيا من منطقة أمن وحضارة عريقة وسلام إلى منطقة نزاعات وصراعات دولية لصالح الضفة الشمالية و الولايات المتحدة الأمريكية على حساب دول الجنوب التي لازالت تبحث عن صيغ التنمية المناسبة للخروج من نفق التخلف والتخلص من الاستعمار والتبعية.
ونتيجة هذا المعطى، صار البحر الأبيض المتوسط منطقة جيواستراتيجية وازنة بالنسبة للدول القوية، بينما اكتفت البلدان المتوسطية بالخضوع للسيطرة الأمريكية والاستغلال الاروبي تحت غطاء التعاون المشترك والدفاع عن المصالح المشتركة في إطار معاهدات وشراكات غير متكافئة، مادام هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو بسط نفوذها على مياه البحر المتوسط وضمان استغلالها للنفط العربي وحماية حليفها التقليدي إسرائيل التي تشكل أهم أسباب الصراع المتوسطي.
فقبل التطرق لمحور الرهانات المنتظرة من التكتلات المتوسطية وخاصة الشق الذي يهم التعاون الاورو-عربي ( المحور الأول) ، يتعين منهجيا الرجوع إلى التاريخ لاستحضار واقع البحر الأبيض المتوسط من خلال جملة النزاعات القائمة والنزاعات القادمة (المحور الثاني).
المحور الأول : واقع البحر الأبيض المتوسط النزاعات القائمة والنزاعات القادمة :
شكل حوض المتوسط مجال تجاذب للقوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية بالمنطقة، مما جعل عدة دول عظمى تعزز وجودها العسكري داخل المجال المتوسطي ، خاصة في إطار الصراع الإيديولوجي القائم غداة الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي سابقا والمعسكر الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية (1) ، لكن رغم انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء فصول الحرب الباردة وحسم حرب الخليج ، بقيت المنطقة المتوسطية عرضة لعدة مشاكل عويصة من بينها مسألة الهجرة عبر المتوسط وصحة البيئة المتوسطية(2).
1) النزاعات القائمة التقليدية :
يعود أصل النزاع المتوسطي إلى الاتحاد العسكري البريطاني-الأمريكي لمكافحة الشيوعية الشرقية، هذا الاتحاد الذي تطور للإعلان عن حرب باردة ضد الاتحاد السوفياتي وضرب الحصار على الدول الاشتراكية وتطويق المعسكر الشرقي بشبكة من القواعد الحربية بعرض المتوسط، كما تطور هذا الصراع كذلك ليصل إلى مستوى الحرب النووية ونشوب الحرب العالمية الثالثة التي كان من الممكن أن تكون رقعة المتوسط مسرحا لها. وهكذا وصل الصراع واشتد ليصل ذروته في عهد ولاية الرئيس ريغان الذي أعلن عن حرب النجوم وبالتالي الانتقال من الأرض إلى الفضاء المتوسطي في إطار ما تسميه الآلة العسكرية الأمريكية ب "استرتتيجية الدفاع البحري المتقدم" ضد الدول الاشتراكية آنذاك وضد دول العالم الثالث مستقبلا في سياق التطاحن الاقتصادي والحضاري مع الجنوب. وهذا ما يشكل احد أهداف إنشاء الحلف الأطلسي "ناتو" وحشد القوات النووية الهائلة بعرض المتوسط لضرب النقط البعيدة بواسطة الصواريخ العابرة للقارات بعيدا عن مصالحها وأراضيها وضمانا للفعالية وسرعة التنفيذ والتدخل.
وهكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتوفر في أتون الحرب الباردة بالحر الأبيض المتوسط فقط على أزيد من 40 قاعدة عسكرية أمريكية أو تابعة للناتو 11بايطاليا 13 بتركيا 9 باليونان و15 للحلف الأطلسي بالإضافة إلى إمكانية استعمال قواعد الدول الحليفة.
لقد كانت خطط البنتاكون تسعى لتطويق المتوسط وحماية إسرائيل ومراقبة الأساطيل التي تجوب المتوسط والاقتراب أكثر من نفط الخليج العربي وتشديد منظومة الاستطلاع والتجسس حول المتوسط بواسطة الأقمار الاصطناعية والوسائط الالكترونية وطائرات الكشف "أواكس" .
ولا شك أن حرب الخليج لسنة 1990 قدمت البرهان والدليل على أهمية البحر الأبيض المتوسط في القصف من بعيد و النقل الاستراتيجي للقوى وحاملات الطائرات والإمدادات العسكرية المتنوعة إلى ابعد نقط توتر تهدد مصالح الولايات المتحدة بالعالم.
2) النزاعات القادمة المتوقعة :
بعد الصراع التقليدي الذي يعرف في مجال العلاقات الدولية بصراع غرب –شرق، جاءت أزمة الخليج لتكشف للجميع الهيمنة الأمريكية والاروبية على البحر المتوسط وخاصة السيطرة الامريكية في إطار النظام الدولي الجديد ذات القطب الواحد. ومن المفكرين العرب الذين تطرقوا مبكرا للموضوع نجد الدكتور المهدي المنجرة الذي وصف أزمة الخليج بالحرب الحضارية الأولى، حيث تحول النزاع الدولي من ايديولوجي إلى مواجهة حضارية على مستوى القيم الحضارية ، فصار الإسلام والمسلمين حسب المنجرة دائما الهدف الأساسي للدول الغربية وكانت البداية مع العراق . وفي هذا السياق، يقول أحد المسؤولين الفرنسيين "جاك توميل" في جريدة لوموند " إن اخطر التهديدات التي نواجهها هي تلك التي أظهرتها حرب الخليج وأكثرها جدية تلك القادمة من إلى البلدان الإسلامية التي تبحث في الأصولية الإسلامية عن حلول لآلمها التي تحملنا مسؤوليتها …لنكن حذرين إذن من هذا القوس الشيطاني الواقع بين الجزائر وباكستان…"
ويخلص هذا المسؤول إلى القول " إن الحلف الأطلسي لم يعد عسكريا ولا سياسيا ، لكنه يكتسي أكثر فأكثر صبغة تاريخية…" .
فحرب الخليج حسب المنجرة كشفت على الأقل عن ثلاث نقط.
-الصراع بين الشمال والجنوب ليس اقتصادي وسياسي فحسب بل حضاري كذلك
- وجود صراع وتنافر بين حكومات دول العالم الثالث وشعوبها –نموذج الربيع العربي-
- عدم جدوى المنظمات الدولية والجهوية التي انتهت فعاليتها و مصداقيتها.
كما يجب أن نطرح، ضمن النزاعات القادمة، عدة قضايا أخرى يمكن أن تصبح شديدة الأهمية مستقبلا، وهي مسألة الإرهاب المرتبطة بالأصولية الإسلامية و تهريب المخدرات وملف حقوق الإنسان والديمقراطية لكن سنركز في هذه المداخلة على قضيتي الهجرة والبيئة :
-الهجرة :
تشكل معضلة الهجرة من عاملا مخيفا وهاجسا يؤرق السياسيين في كل البلدان الاروبية ويشكل أرضية تطاحن داخل دواليب الحياة السياسية و والاجتماعية الاروبية نتيجة عدد الأفواج المتصاعدة للمهاجرين من الشباب نحو أوروبا بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة من اجل تحسين ظروف العيش وتحقيق الحلم الأوروبي أو هروبا من الحروب والاستبداد وانعدام الحريات وتقلص الحقوق وغياب الديمقراطية بضفة الجنوب. وإذا كانت هذه الهجرة خلال الستينات والسبعينات عاملا ايجابيا للاقتصاد الأوروبي لتوفيرها ليد عاملة رخيصة وقابلة للاستغلال ، أما اليوم فقد أصبح الشمال المصنع في غير حاجة لليد العاملة القادمة من الجنوب جراء التطور التكنولوجي وارتفاع نسبة العاطلين، فأصبحت مشكلة الهجرة مشكلا حقيقيا للدول المستقبلة لصعوبة إدماج المهاجرين في الحياة الاجتماعية الاروبية لارتباطهم بعدة معضلات اقتصادية واجتماعية وسوسيولوجية. ومما زاد من تفاقم وضعية الهجرة والمهاجرين هو توحيد السياسة الاروبية حيال قضايا الهجرة في إطار اتفاقية شنغن، مما ترتب عنه نشوب عدة صراعات سياسية واجتماعية واقتصادية ودبلوماسية تزيد من اتساع الهوة بين الشمال والجنوب وتكريس الأزمة بالعالم الثالث.
البيئة :
قد يتبادر إلى الدهن أن مشكل البيئة لا يمكن أن يكون على نفس قدر من الأهمية من قضايا التنمية والديمقراطية. وعكس أقطار الجنوب، فإن بلدان شمل المتوسط تولي لهذا الموضوع أهمية أساسية في برامجها السياسية و وتفرض سياساتها البيئية في كل اتفاقياتها المبرمة مع الجنوب في إطار ما صار يسمى ب" الامبريالي الايكولوجية" . يؤكد الأخصائيون أن الحوض المتوسطي مهدد بتلوث كبير سيؤثر على مستقبل الحياة البيئية بالدول المحيطة ، خاصة بعد أن فشلت الندوة الولية للتعاون والبيئة سنة 1990 في وضع وتقديم تصور لحماية صحة البحر المتوسط.
وبالرغم من المحاولات التي تقوم بها اروبا لإشراك دول الجنوب في مسلسل مواجهة التلوث البيئي بالمتوسط، فان الوضع يزيد تأزما سواء في الشمال أو في الجنوب نتيجة ارتفاع وتيرة التصنيع والتدفق اليومي للنفايات السامة واصطدام ناقلات البترول بعرض المتوسط مما سيؤثر في نفس الوقت على قطاع الصيد البحري ومستقبل السياحة بالجنوب، هذا بالإضافة إلى الخصاص المائي الذي يسجل كل سنة وظاهرة التصحر وزحف الرمال التي تقتحم المناطق الخصبة وتهدد الحياة .علما أن دول العالم الثالث ليس في مقدورها مواكبة جهود مقاومة التلوث وتطبيق الأساليب التقنية الناهضة وتبني المنظومة الضريبية المفروضة على الشركات الصناعية بالشمال بسبب ضعفها الاقتصادي وعجزها الضريبي وتخلف الصناعة وشح الاستثمارات المهمة.
المحور الثاني التعاون المتوسطي ورهانات التكتلات الدولية :
رغم التقدم الصناعي والتطور الاقتصادي الذي حققته المجموعة الأوروبية كوحدة بشرية وقوة اقتصادية ، فإنها لم تجد بدا من الانفتاح على العالم الخارجي خاصة في إطار التعاون المتوسطي(1) وذلك لحماية مصالحها تحت غطاء مساعدة ودعم دول العالم الثالث السائرة في طريق النمو وتحقيق تحديات استراتيجية مهمة في سياق تظافر الجهود بين الشمال والجنوب وبناء تكتلات دولية من شانها تحقيق الرهانات المتوسطية(2).
1- التعاون المتوسطي
منذ معاهدة روما في 1956 والمجموعة الاروبية تبحث عن الصيغ المناسبة لتطوير اقتصادها وتجارتها الدولية بحوض المتوسط عبر آلية التخفيف من العوائق الجمركية، لكن غالبا ما تلزم دول الجنوب بمعايير ومقاييس تحديد الحصص والكميات وتشديد الحواجز الجمركية على المواد القادمة من الضفة الجنوبية. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن التعاون المتوسطي على مستويين اثنين .الأول عمودي يربط الشمال بالجنوب(ا) والثاني أفقي يعكس ضعف التكتل جنوب –جنوب(ب).
ا-المستوى الأول : شمل –جنوب :
هاجسان اثنان يقودان المجموعة الاروبية إلى تكثيف صيغ تعاونها مع دول البحر الأبيض المتوسط، أولها ضرورة إقامة علاقات متميزة مع الجيران المباشرين الاروبيين وتسجيل حضورها التنافسي بالمنطقة والثاني هو ارتباطها بدول الجنوب استجابة لحاجيات ومصالح اروبا في إطار العلاقات شمال –جنوب غير المتكافئة. فهكذا نجد أن المجموعة الاروبية ترتبط بدول منطقة المتوسط بأكثر من 12 اتفاقية شراكة وتعاون خاصة مع تركيا قبرص ومالطا وإسرائيل +دول جنوب الصحراء وفق اتفاقية لومي الموقعة من طرف 69 دولة التي تخول للبلدان الأعضاء تمرير سلعها وبضائعها نحو اروبا دون أي أداء جمركي أو تحديد حصصي، في حين أن المجموعة العربية لا تستفيد من نفس هذه الامتيازات التفصيلية. فنجد أن إسرائيل مثلا توجه 80/ من صادراتها إلى أسواق المجال الاروبي بينما يسوق 25/ فقط من مواده الغذائية والفلاحية إلى اروبا وسط منافسة شرسة وشديدة من طرف عدة دول منتجة لنفس المواد التصديرية. فيلاحظ أن اروبا تبقى المستفيد الأكبر من علاقات التبادل التجاري التي تقيمها مع الدول المتوسطية بما فيها الدول العربية السبع ( المغرب تونس الجزائر مصر الأردن سوريا ولبنان) التي غالبا ما تكون نتائج اتفاقياتها مخيبة للآمال خاصة بعد توسيع دائرة السوق إلى الأطراف الاروبية المتوسطية كاليونان واسبانيا والبرتغال التي تنافس صادراتها الفلاحية منتوجات دول شمال افريقيا، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الحوار المتوسطي على أسس متكافئة بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الشركاء الأوروبيين في ربط أواصر التعاون الفعلي القائم على العدالة والمساواة في معالجة قضايا التعاون المتوسطي.
ب-المستوى الثاني : جنوب -جنوب :
في ظل التكتلات الدولية القائمة اليوم، أصبح من الضروري استراتيجيا تحقيق نوع من التآلف والتعاون بين دول الجنوب نفسها في أفق الوصول إلى استقلال جماعي-l'autonomie collective- لفائدة بلدان العالم الثالث من اجل توحيد سياساتها تجاه المجموعة الأوروبية على وجه التحديد. نعم لقد أضحى التعاون الاقتصادي العربي ضرورة ملحة تمليها تحديات النظام العالمي الجديد المبني على تحرير المبادلات التجارية وتشكيل التكتلات الإقليمية وتنمية التجارة البينية العربية . لكن للأسف لم يكتب بعد لهذه الأهداف أن تحقق وتبلور على أرضية الواقع العربي في ظل مجموعة من المعيقات ومقدمتها عدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية الكفيلة بتجاوز المشاكل الاقتصادية والخلافات السياسية القائمة بين الدول العربية.
وهكذا تم في ماي 2001 توقيع إعلان اكادير لإنشاء منطقة للتبادل الحر بين البلدان العربية المتوسطية من طرف المغرب تونس مصر الأردن في انتظار انخراط الدول العربية الأخرى وبالتالي تأسيس سوق عربية موحدة تضاهي وتقابل وتحاور نظيرتها الأوروبية رغم الاختلافات الجوهرية بين المجموعتين.
وقبيل ذلك، في سنة 1989 تم توقيع معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي والتي تنص في مادتها الثالثة على الأهداف التالية
- تمتين أواصر الأخوة بين الدول الأعضاء وشعوب المنطقة
- تحقيق تقدم المجتمعات المغاربية والدفاع عن حقوقها
- المساهمة في صيانة السلام
- نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين
- العمل على تحقيق حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء
- تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية لشعوب المنطقة
- التعاون الثقافي وتنمية التعليم وصيانة الهوية والقومي العربية.
هذا بالإضافة إلى التعاون العربي الإفريقي الذي لم يحقق في الحقيقة المطامح المشروعة في إفريقيا بالرغم من توفر الفضاء الإفريقي عن مواد معدنية هامة كالنحاس والألماس و الذهب والحديد والفوسفاط والبترول….لكنها لا تنعكس ايجابيا عن تنمية اقتصاديات المنطقة بسبب الاستغلال والاستنزاف الخارجي وسوء تدبير هذه الموارد في ظل التبعية الاقتصادية والسياسية التي لازالت تشكو منها المستعمرات الافريقية القديمة، والتي تؤثر سلبا على ضعف مؤشرات التنمية البشرية ببلدان الجنوب.
مؤشرات التنمية البشرية هي نسبة أمد الحياة+نسبة التعليم والتمدرس+ مستوى العيش/3= IDH.
ومما يزيد في مأساة الدول النامية ضغط الثقل السلبي للعولمة ، بحيث توصد الدول الصناعية الكبرى أبوابها أمام المنتجات الزراعية والنسيجية القادمة من دول الجنوب وتفرض رسوم جمركية ثقيلة على صادراتها في إطار تعامل غير متكافئ بين الدول. تشير الإحصائيات أن 15/ 100فقط من سكان العالم يستأثرون وينفردون ب 85/100 من الاقتصاد العالمي و85/ من سكان العالم يحصلون على اقل من 15/من الدخل.فهذه الاختلالات في الموازين تؤثر سلبا على توازن العلاقات الدولية مما ينتج عنه عدم الاستقرار ويغيب الأمن والسلام بين سكان الشمال المتخمين وسكان الجنوب المعدمين حسب تعبير مجلة المحرر عدد147/2001.
إن بالرغم من الجهود التنموية المسجلة على الخريطة العربية، فن بلدانها تصنف ضمن الدول النامية التي تعاني من التخلف والتبعية والآثار السلبية للعولمة المحررة للتجارة العالمية التي لا يمكن أن يستفيد منها اقتصاد الجنوب. وحسب تقرير الأمم المتحدة فان نصيب الدول العربية من الاقتصاد العالمي لا يوازي مستوى القوة النفطية والبشرية العربية . فالسكان العرب يمثلون 4.8/ من سكان العالم وحصتهم من الناتج المحلي تبلغ 2.3 فقط.
ختاما ، إن الجنوب لا وجود له كحقيقة ايجابية وإنما هو مجال جغرافي واقتصادي يمثل مجموعة من البلدان التي تشترك في نفس المشاكل وهذا في حد ذاته نقطة سلبية ، كما أنها لا تتوحد في شيء ، وبالتالي من الصعب أن تجمعها نفس المصالح ونفس السياسات، علما أنها مجبرة على التنافس في إطار النظام العالمي الجديد المعولم لضمان الحد الأدنى من الاستقرار كدول قائمة بذاتها.
وفي الأخير ، يتعين على المجموعة العربية بالخصوص مواكبة التحديات المقبلة القيام بما يلي :
- السعي نحو إقامة تكتلات اقتصادية إقليمية عربية متوسطية (التجارة العربية لا تتجاوز 8/100)
- تركيز الرأسمال العربي في البلاد العربية وتوفير المناخ المناسب للاستثمار.
- تنويع الشراكات الدولية مع أمريكا آسيا أوروبا وإفريقيا السوداء عوض الولايات المتحدة الأمريكية فقط.
- التركيز على المواطن العربي وتنمية العنصر البشري كرهان حقيقي.
-2 رهانات التكتلات المتوسطية :
- الرهان الاقتصادي والديمغرافي.
- الرهان التكنولوجي والأمني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.