شهد القطاع السمعي البصري العربي(خصوصا الفضائيات) نموا مطردا في السنوات الأخيرة؛ فحسب الأبحاث التي قامت بها مجموعة المرشدين العرب مؤخرا فإن عدد القنوات الفضائية المجانية في الوطن العربي التي تبث على أنظمة عربسات ونايل سات ونورسات نما بنسبة 28.1% بين أغسطس/آب 2007 ومارس/آذار 2009. وحسب “دانية نصير” المحللة الأولى في شركة المرشدين العرب فإن 82.7 بالمائة من القنوات تبث برامجها باللغة العربية بشكل حصري، أما بالنسبة للقنوات التي تبث برامجها باللغات الأخرى فنسبتها قليلة، حيث إن اللغة الانجليزية، والتي تأتي بالمرتبة الثانية، تشكل ما نسبته 7.2 بالمائة من مجموع القنوات العاملة. وقد تم إحصاء حوالي 474قناة فضائية عربية ،يستحوذ القطاع الخاص على 72.4% منها. على المستوي الكمي(العددي) جميل أن يعرف قطاعنا السمعي البصري الفضائي هذا الكم الهائل من الفضائيات، وتحريره للإفلات قليلا من قبضة القنوات العمومية للدولة،لكن السؤال الأساس والجوهري هو:ماذا عن الكيف؟ماذا يقدم هذا الأسطول الفضائي للعين والأذن العربية؟ هل يساهم في الرقي بأفرادنا،وفي الدفع بتقدم ونهضة مجتمعاتنا العربية؟ كل الأسئلة السالفة تتمركز حول نوع الخدمات المقدمة من طرف الفضائيات العربية للمتلقي/ المشاهد العربي،ونوع الوظائف التي تقوم بها. حسب الأدبيات الإعلامية،فإن الإعلام(بما فيه الفضائي) يقوم بعدة وظائف:الإخبار، التوعية، الترفيه، الإشهار... ومن خلال الملاحظات الأولية نلمس ان جل الفضائيات العربية تكاد تتمركز حول وظائف الإخبار( قنوات إخبارية متخصصة) والترفيه(قنوات الرياضة والأغاني والأفلام) والإشهار(قنوات التسويق)، أو قد نجد هذه الوظائف مجتمعة في قناة واحدة ،أما وظيفة التثقيف و مسألة الثقافة تكاد تكون ناذرة؛وهذا يعكس توجها وسياسة إعلامية سائدة،تتحدد أهم اختياراتها (بشكل عفوي او واع) في: - اهتمام القنوات العمومية المملوكة للدولة أوأشخاص موالين لها بأدْلجة المشاهد والتحكم في اتجاهاته وتوجهاته حسب الأهداف والغايات السياسية التي تخدم مصالحها العامة،من هنا تركيزها على وظيفة الإخبار،والبرامج السياسية التحليلية... - اهتمام القنوات الخاصة والعمومية أحيانا بالهاجس التجاري بالدرجة الأولى، وهذا يوضح تمركزها حول الإشهار،و حول برامج الترفيه والفرجة. كما أن ارتباطات بعضها المباشرة او الخفية بالدولة أو ببعض اللوبيات والمصالح الاقتصادية والسياسية،تجعلها تقوم ببعض الخدمات الإخبارية والتحليلية والتوثيقية ،والقيام بوظائف إعلامية سياسية لصالح جهات معينة داخلية او خارجية... إذن حسب نوع وأهداف الفاعلين المالكين والمتحكمين في المشهد الفضائي العربي(خواص،دولة) فإن وظائف إعلامنا الفضائي العربي تكاد تقتصر على الإخباروالأدلجة والترفيه والإشهار،أما وظيفة التثقيف والاهتمام بماهو ثقافي تكاد تكون منعدمة.فالأهداف التجارية والسياسية والإيديولوجية المهيمنة على طبيعة الفاعلين الأساسين في الإعلام الفضائي تجعل المسألة الثقافية مغيبة ولا تحظى بالأولوية في سلم الاختيارات الإعلامية العربية،رغم ماتتسم به مجتمعاتنا العربية من ظواهر وخصائص سلبية على المستوى الثقافي(الأمية،الجهل المعرفي و العلمي،العقلية الخرافية والسحرية،ضعف التكوين والتثقيف،ضعف وانحطاط الذوق الفني والجمالي...).ومن هنا تأتي أهمية وظيفة التثقيف والتكوين التي نحن في أمس الحاجة إليها في فضائياتنا العربية؛ذلك أن وسائل الإعلام،بالإضافة إلى وظائفها التقليدية، يمكن لها أن تلعب دورا رياديا وناجعا في تنشئة وتربية وتعليم وتكوين المشاهد العربي على المستوى الثقافي والمعرفي عامة( أدب،علم، ثقافةعامة،فن....) العرب الآن،وفي ظل التحديات المجتمعية والعالمية المحدقة بهم، ليسوا في حاجة إلى الفرجة والترفيه والرقص والغناء فقط،إنهم في حاجة إلى نهضة معرفية علمية وجمالية،تخرجهم من أشكال تخلفهم وجهلهم الفردي والجماعي،وتسمو بعقولهم وأذواقهم ومخيالهم نحو الأفضل والأنفع،ليكون لهم كذلك مكانهم اللائق تحت شمس الأمم المتقدمة.