حركت تدوينة الإعلامي المصري أحمد منصور الكثير من المياه الراكدة، سواء على المستوى الصحفي في المغرب أو السياسي، بل و حتى على المستوى الشعبي أيضا، فهي قد أوجعت بعض الصحفين وبعض السياسيين على حد سواء، لذلك كان الرد سريعا حيث نشرت العديد من المقالات التي كالت له السب والشتم ، وانقسم المغاربة بين مؤيد للتدوينة وبين معارض لها، المؤيدون رأووا بأن ما قاله أحمد منصور حقيقي وهناك صحافة تنطبق عليها تلك الأوصاف، والرافضون قالوا بأنه تجاوز الحدود و تكلم بلغة ساقطة و أنه بوق لقطر ووجه من وجوه التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. ولازالت آثار تدوينته تفعل مفعولها بين مرتادي المواقع التواصلية، حيث تدور معركة كتابية شديدة بين المؤيدين و الرافضين... لكن...بعيدا عن التخندق مع هؤلاء أو أولئك، وبكل تجرد ألا يحق لنا أن نتساءل و بكل موضوعية، هل ماقاله أحمد منصور في حق بعض الصحفيين في المغرب صحيح أم لا؟ وبنفس المنطق وبعيدا عن العاطفة، ألم يكن الخبر الذي تحدث عن ذلك الصحفي و زواجه العرفي المقصود به شخص آخر غير أحمد منصور؟ بمعنى أن الخبر جاء ليورط الشاهد على ذلك الزواج العرفي والذي لم يكن سوى حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي؟
بعد أن قدم أحمد منصور اعتذاره والذي قبله بعضهم ورفضه البعض الآخر، و بعد أن وضعت التدوينة أوزارها رغم تدعياتها، سنحاول أن نجيب على التساؤلات التي طرحنا، لكي نعرف ما السر وراء كل التشنج الذي عقب تدوينته الأولى.
سنعيد السؤال، هل لدينا في المغرب صحافة صفراء و غير مهنية ...؟ الجواب، نعم، لدينا صحافة تنشر الخبر الكاذب ولا تكذبه، و لا تحترم قدسية الخبر، بل تفصله على حسب هواها، تظل تكذب تكذب تكذب حتى تظن نفسها صادقة. و يكفي أن تسأل المغاربة عن تلك الصحف وعن أولئك الصحفيين حيث تجد أن أسماءهم لا يختلف عليها أحد. صحفيون باعوا أقلامهم أو لنقل أناملهم مادمنا في زمن الانترنيت، وباعو ضمائرهم مقابل لعب أدوار لا تمت للصحافة بصلة، أكتب هذا الكلام و أنا لا أنتمي لأي حزب كيفما كان، حتى لا يقول أحد بأنني أدافع عن جهة ما، لكني أكتب لأوضح لبعض القراء بعض الأشياء المهمة، وأوصل لأذهانهم شرح تلك المقولة الشهيرة، حرب التعليقات يقوم بها أشخاص لا يعرفون بعضهم من أجل أشخاص يعرفون بعضهم البعض.
المغرب ليس استثناء حتى لا تكون فيه صحافة صفراء، فهو مثله مثل جميع دول العالم، فيه الصالح والطالح، ويجب ألا نخجل من ذلك، لكن نحمد الله أننا لم نصل إلى تلك الدرجة التي وصلتها بعض الدول الشقيقة، كمصر مثلا بلد صاحبنا أحمد منصور، فلحد الآن ليس لدينا قنوات خاصة يطلع فيها بعض الصحفيين لأداء وصلتهم الدعائية لجهة مقابل جهة أخرى، وإن كانت هناك محاولة من أحدهم تقمص دور "الوان مان شو" حيث لديه قناة في دولة أوربية وحاول استنساخ الطريقة المصرية بأن يطلع كل مساء ويقول ما شاء ويكيل التهم لمن شاء دون حضور ضيوف أو أحد يجيبه على اتهاماته... لكنه في الأخير تلقى عرضا من قناتنا العمومية الأولى و أوكل له تقديم برنامج حواري وازن، وكأن تلك القناة لا تتوفر على أطر ووجوه شابة قادرة على تسيير برنامج حواري.
خلاصة السؤال الأول، نعم لدينا صحافة غير مهنية و تضرب تحت الحزام و تسيء لهذه المهنة النبيلة، وكلام منصور أو غيره تحصيل حاصل ولن يغير من قناعة معظم المغاربة بأن صحافتنا فيها أورام و علل يجب مداواتها، فلحد الآن الصحف التي نشرت خبر زواج احمد منصور لم تأت بأدلة على كلامها، وحتى لو افترضنا بأن كلامها صحيح فهذا لا يدل بأن الجسم الصحفي في المغرب كله صحيح.
السؤال الثاني، هل الخبر الذي نشر و الذي يقول بأن صحفي الجزيرة تزوج زواجا عرفيا بمساعدة قيادي بارز في حزب العدالة والتنمية المغربي كان المقصود به هو أحمد منصور، أم هو حامي الدين؟ بصيغة أخرى، هل كان ذاك الخبر بريئا أم كانت وراءه أشياء لا يعرفها إلا الراسخون في الاختلاف السياسي والأيدلوجي؟ فلو أن الخبر جاء فيه بأن أحمد منصور تزوج زواجا عرفيا من مغربية لكان الخبر عاديا، فلقد سبق لنفس الجريدة التي نشرت هذا الخبر أن كتبت في أحد أعدادها منذ سنين خلت خبر زواج الشيخ القرضاوي من فتاة صغيرة ولم يخلق ذلك الخبر أي مشكل داخل الأوساط المغربية ولم يحصل هذا الاستقطاب الحاصل الآن، رغم أن وزن الشيخ القرضاوي ليس هو وزن أحمد منصور، و لكن الجديد في الخبر أن إسم قيادي في حزب المصباح زج به في هذه الفترة بالذات، و نحن على أبواب الانتخابات الجماعية التي سيعرفها المغرب، و مثل هذا الخبر لديه انعكاس سلبي على الشخص المذكور و على حزبه. إذن الخبر لم يكن بريئا وكان المستهدف به هو القيادي في حزب العدالة والتنمية خصوصا وأن لهذا الأخير أعداء كثر.
و حتى تتضح الصورة أكثر فقد أجرت جريدة مغربية حوارا مع والد السيدة التي قيل بأن أحمد منصور تزوجها عرفيا وسافر معها حيث نفى أن يكون الصحفي المصري تزوجها، كل ما في الأمر أنه تقدم لخطبتها و بوجود والدها وأخوها ولم يتوسط أي أحد في هذه الخطوبة لا من بعيد ولا من قريب، فهل ستكون لتلك الصحف التي سارعت ونشرت ذلك الخبر الجرأة والشجاعة بأن تعتذر للصحفي المصري وللمغاربة عن الخبر الكاذب الذي أوردته؟ أم أنها سترفض و تتجاهل كل ذلك كما تفعل دائما؟ هل ستنفي عنها الأوصاف التي وصفها بها أحمد منصور و تؤكد لقرائها بأنها صحافة مهنية و تنشر الخبر الصحيح و تعتذر؟ أم أن اللعبة لم تكتمل بعد، وما هذا الخبر إلا حلقة من مسلسل طويل لم تحن نهايته؟
في الأخير سنرى هل الصحفيين الذين لم يستسيغوا كلام أحمد منصور رغم أنه كلام جارح ولا ينبغي لشخص مثله أن يتلفظ به هل سيطالبون الجريدة بالاعتذار كما اعتذر الصحفي؟ أم أن العزة بالإثم ستركب بعضهم ويبقى موقفهم رغم تبين خطأ الجريدة هو هو؟