تتمة لما نشرته بجريدة الأخبار (ص11) الصادر يوم الإثنين 13 ماي الجاري للدكتور عيد أبلال الباحث في علم الاجتماع و الأنثربولوجيا الثقافية حول علاقة الوزاراء و السياسيين بمواقع التواصل الإجتماعي و الظروف الموضوعية و الذاتية المتحكمة فيه و كذا تمفصلات الخطاب السياسي المغربي بين الواقعي و الافتراضي، يعيد موقع "تازاسيتي" نشر النص الكامل للحوار *: * هل فتح بعض الوزراء المغاربة لحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي رغبة منهم في التواصل المباشر مع المواطنين ام مجرد بروبغاندا اعلامية تسبق الانتخابية؟ ** يجب التحلي بالكثير من الموضوعية و الحياد في تناول قضايا ذات اشكالات سياسية-اجتماعية، و إلا سقطنا في الحس المشترك، ففتح وزراء و سياسيين مغاربة لحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي (تويتر –فايس بوك) أملته ظروف موضوعية و أخرى ذاتية، و لذلك من الصعب القول أن هذا الانتقال هو انتقال قسري نتيجة بروبكندا اعلامية ذات صلة مباشرة بالانتخابات فقط.
إذ أن الخطاب السياسي المغربي على مستوى قنوات التواصل قد ولج بشكل انتقالي إلى الافتراضي، و بقي الواقعي رهين محطات سياسية بعينها تأتي على رأسها الانتخابات، نظراً لما أصبح لهذه القنوات الافتراضية من أهمية قصوى في بلورة الوعي السياسي النقدي، و اعتقد جازماً أن البدايات الأولى للربيع العربي، جعلت أهم الشخصيات السياسية تفتح حسابات شخصية لها على الفايس و تويتر، حيث تبت مدى أهمية هذه القنوات /الشبكات الاجتماعية من بعد سياسي توعوي كبير، بالنسبة إلينا في المغرب شكلت الانتخابات السابقة مرحلة مهمة لولوج وزارء و سياسيين شبكات التواصل الافتراضي، كانت بعض الحسابات الشخصية تدار من طرف أصحابها، و بالفعل دخلوا في صداقات افتراضية و تواصل ايجابي، و ايجابي هنا يعني تجاوب في الرسائل و التعليقات، عكس ما يقع بعد الاستوزار يصبح التواصل سلبي على شاكلة الحب من طرف واحد.
لكنها حالات ناذرة. كما أصبحت هذه الصفحات تدار من طرف أناس آخرين بتكليف من أصحابها. بمعنى أن الهدف ليس التواصل و انما تلميع صورة السياسي و تثمين رأسماله الرمزي في السوق السياسية.
* كيف يتعامل المغاربة مستعملو الفيسبوك مع هذه الحسابات؟
تعامل المغاربة يمكن تصنيفه وفق صنافة ذات بعد أنثربو ثقافي و سياسي، ففي البداية و من خلال تصفح صفحات العديد من السياسيين تجد أن مساحة الاعجاب و التقدير تكاد تكون مهيمنة على التعليقات، خاصة إذا كان هناك تجاوب ايجابي، لكن فيما بعد بدأت تتقلص هذه المساحة الملونة لتصبح مساحة ذات لون أحادي يميل إلى الرمادي أو الاسود، مما جعل العديد من الوزراء يغلقون حساباتهم، خاصة بعد أن انتفى الهدف من فتح الحساب/الصفحة، و هنا انا متفق معك بأن سبب البروبغندا الاعلامية سبب مباشر احياناً لولوج الخطاب السياسي البوابة الافتراضية عبر مسلك الشبكات الاجتماعية، فالمفروض هو استدامة الحوار و الرد على التعليقات التي لا تعجب السياسي و ليس واجهة سياسية لعرض رأسمال السياسي/الوزير و تميزه الافتراضي طبعاً.
و الفئة الثانية من المغاربة من لهم حساسية تجاه عينة الساسيين المغاربة لكونهم مجرد حرفيين سياسيين، بعدما تحولت السياسية من فعل جماهيري ذات أهداف نبيلة إلى فعل استرزاقي- مهني و تكسبي. نتيجة الخطاطة العامة للنظام السياسي باعتباره الناظم المركزي للحياة الاجتماعية. و لذلك فجزء كبير من المغاربة (نحيل عليهم من خلال نسب العازفين عن التصويت في الانتخابات) لا يعتبرون الوجود الافتراضي للسياسي المغربي سواء كان وزيرا او أميناً عاما سوى آلية من آاليات تلميع الصورة و اعادة العذرية السياسية بعد كل افتضاض انتخابي-حكومي.(و الجملة الاخيرة من تعبير أحد المستجوبين عن النسق الانتخابي المغربي).و بالتالي لا يمكن التعميم لان المغرب متعدد بصيغة المفرد. و يخضع بالضرورة للمواضعات الاجتماعية و الشروط الموضوعية التي تختلف من فئة اجتماعية إلى اخرى، و من جنس الى آخر و من سن إلى آخر و هكذا ....
* يتعدي عدد المنخرطين المغاربة في الفيسبوك الخمسة ملايين فيما لا يتعددي عدد المعجبين بالصفحات الوزراء الاربعين الف كيف ما السبب في هاته الهوة؟
** أعتقد أن الجواب السابق يشرح نسبياً هذا السؤال، كما قلت لك المغاربة وفق الفئتين السابقتين في تعاملهم مع صفحات الوزراء خلصوا إلىى أن حب الشعب للسياسي و الوزير هو حب من طرف واحد،و توصلوا إلى أن هذا الوجود الافتراضي هو قناع آخر ،آضف إلى ذلك أن اخفاقات الواقع السياسي اليومي في البرلمان و في الحكومة و في الشارع العام لا يمكن للإفتراضي أن يجملع و يحسنه،بل من هذا المنطلق يصبح الافتراضي وسيلة من وسائل التواصل و الاحتجاج،ولذلك تجد بعد التعليقات على صفحات بعض الوزراء صادمة وجارحة،مما حدا بالبعض إلى منع التعليق على صفحته،أو حولها إلى صفحة لشخصية عمومية للإعراب عن الاعجاب فقط . لذلك فبالرغم من انتقال الخطاب السياسي من الواقعي الى الافتراضي لتمرير الرسائل و تغيير صور الوزراء و السياسيين بشكل عام،مادام هذا الخطاب يعيش خللا وظيفياً و مؤسساتياً.
فإن السياسي المغربي لم يصل بعد إلى قناعة تامة بكونه مجرد فاعل افتراضي كباقي الاخرين،فهو يحضر في صفحته كوزير أو كأمين عام من منطق فوقي،و لا شعوريا هو غير مهيأ لتقبل النقد و التعليق الذي يمس سلطته المتخيلة. بمعنى أنثربو ثقافي، انتقال الوزراء الى الافتراضي هو انتقال من ثقافة البصر بوعي ثقافة الأذن.أو بعبارة أخرى هو ولوج عالم التكنولوجيا و العالم التواصلي –الرقمي بثقافة سياسية-تقليدانية شفهية في الأساس. لكن تجب الإشارة إلى أن وزراء العدالة والتنمية و سياسيييها و على رأسهم عبد الاله بن كيران أكثر ترددا على الفايس و اكثر مشاركة و اكثر تواصلية ايجابية و خاصة بعد الاصطدام السياسي بين الحزب الحاكم و القناة الثانية،و لهذا يمكن القول أنهم استفادوا من خبرة تواصلية تفاعلية أساسية، منذ بدايات الربيع العربي إلى الآن.و إن كنت أجد بشكل موضوعي أن حضور الوزراء الافتراضي يطبعه الشعبوي و النفاق السياسي،اذ المرغوب فيه او استدرار عطف و اعجاب المحكومين و تلميع صورتهم الانتخابية-السياسية.و لو أن التواصل الايجابي مع الوزراء لا يتم آلياً عبر ردهم شخصيا على التعليقات و الحوارات، بل هناك من يتكلفون بتدبير حساباتهم.
* قلة قليلة من الوزراء المغاربة فقط لها حسابات على الفيسبوك على عكس مجموعة من الدول العربية و الغربية كمصر و فرنسا لماذا هذا العزوف؟
** بالتأكيد، و لو أن البعض منهم كان له حساب عل الفايس قبل الانتخابات و الربيع العربي و خاصة منهم الشباب و الاساتذة الجامعيون و الجمعويون،و لكن بشكل عام هذا الانتقال الى الافتراضي هو تقليد حديث العهد لم يتجاوز سنتين، و كما قلت لكم هو انتقال املته الضرورة التاريخية بفعل انتقال المغرب ذاته الى العهد الرقمي-التفاعلي، فتجاوز عدد المغاربة اربعة ملايين مقيم بالفايس عجل بهذا الانتقال، بطبيعة الحال ليس الهدف هو كسب صداقات و تواصل و حوار فكري و ثقافي مع الناس، بل تلميع صورة السياسي في السوق الافتراضية. و جس نبض فئات الشعب عبر جس نبض شعبيته. و لكن بالرغم من ذلك فهذا الانتقال له العديد من الايجابيات فيما يخص تحولات المشهد السياسي المغربي،أوضحها بعمق في كتابي القادم (الملك و الرعية).
* ملحوظة: نشر كاملاً على "تازاسيتي" باتفاق مع الباحث.