تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في تخفيف عزلة المهاجرين العرب المقيمين في ألمانيا، عبر خلق جسور التواصل بينهم وتسهيل اندماجهم بين الألمان، و لكنها قد تلعب دورا معاكسا في بعض الأحيان. محمد، طالب مغربي يعيش في ألمانيا منذ سنتين، و هو من المواظبين على تتبع إحدى الصفحات المهتمة بشؤون الطلبة المغاربة في ألمانيا، هنا يستطيع محمد أن يستفسر عن أي شيء يهم دراسته أو حتى إقامته في ألمانيا، من متطلبات مكتب المهاجرين إلى شروط الدخول للجامعات الألمانية، إلى التخصصات التي تتلاءم مع مؤهلاته العلمية...« لا يمكننا إنكار دور وفوائد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بالنسبة لنا نحن الطلبة، فبعضنا يأتي إلى هنا و هو لا يملك أدنى فكرة عن البلد، و لا عن النظام التعليمي هنا الذي يختلف كثيرا عن النظام التعليمي في بلداننا». ويعاني المهاجرون العرب في ألمانيا من عدة مشكلات تتمثل أساسا في صعوبات الاندماج واللغة والتمييز والشعور بالغربة الذي يتعزز كلما تعززت العوامل السابقة، بعضهم يبقى في عزلته عن الناس والمجتمع أو يبحث عن إمكانية خلق مجتمع مصغر يكتفي فيه بأسرته والمقربين منه من أبناء بلده، والبعض الآخر يجتهد في خلق صداقات خارج محيطه الضيق ويسعى للاحتكاك بالألمان و باقي الجنسيات العربية المقيمة في ألمانيا، أو يسعى على الأقل إلى التواصل مع أبناء بلده المقيمين في مدن أخرى من ألمانيا. وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في تحقيق ذلك، خاصة مع انتشار صفحات خاصة بالمهاجرين والطلبة الأجانب تقدم نصائح و مساعدات لهم و تفتح إمكانية التواصل وتبادل التجارب فيم بينهم. على موقع الفيسبوك مثلا، تم خلق صفحات خاصة بالمهاجرين التونسيين وكذلك المغاربة و المصريين... وتلقى هذه المجموعات إقبالا ملحوظا من فئات مختلفة من هؤلاء المهاجرين، كما أن النقاشات على هذه الصفحات تتيح خلق صداقات أخرى افتراضية قد تتحول إلى علاقات في الواقع. ويستفيد بعض المهاجرين العرب من جو «الحرية» الذي توفره هذه الفضاءات لمناقشة القضايا السياسية و الاجتماعية، والتعليق على الأحداث التي تجري في بلدانهم. صفحة «فيسبوك» أخرى تسدي خدمات للطلبة المغاربة، وتعلن عبر الفيسبوك عن أنشطتها لصالح الطلبة المغاربة في ألمانيا، وآخرها فطور تم تنظيمه في جامعة بوخوم لتقديم الدعم للطلبة المغاربة الجدد الذين يستعدون لاجتياز امتحان القبول في الجامعة. يوسف طالب يعيش في ألمانيا، يقول إنه يستخدم الفيسبوك في ربط الاتصال بأصدقاء مغاربة و عرب و ألمان، و هذه الوسيلة تسهل إقامته هنا، لكنها لا تسهل بالضرورة الاندماج. في هذا السياق يقول ل«دوتشي فيلي» الاندماج يتحقق بالاحتكاك مع الألمان و المجتمع الألماني في العالم الواقعي و ليس افتراضيا». لكن هذه الوسيلة التي يفترض أنها تسهل التواصل بين المهاجرين قد تدفع ببعضهم إلى الانعزال و الاكتفاء بما يقدمه هذا العالم الافتراضي من خدمات، دون محاولة ربط علاقات في الواقع أو حتى محاولة ربط شبكة صداقات مع ألمان أو أجانب ولو افتراضيا. ما يعزز هذا المعطى هو «الخوف من الغريب» كما تسميه لينا، الطالبة المصرية في جامعة لايبزيغ، و هو شعور كما تقول خلال حوار لها مع «دوتشي فيلي»، حاضر بشكل كبير لدى المهاجرين العرب بالذات و خصوصا النساء. وتضيف «أنا مثلا أتفادى الدخول في محادثات مطولة أو ربط علاقات افتراضية قوية مع الغرباء سواء أكانوا ألمانا أو حتى عربا لأني أسمع يوميا قصصا عن مآسي تحدث بسبب الانترنت خصوصا أن العنصريين يعيشون بيننا و لا نعلم متى قد نتحول إلى هدف لأحدهم». لكن تخوفات لينا لا تمنعها من الاستفادة مما تقدمه الصفحات الخاصة بالمهاجرين و الطلبة العرب على موقع فيسبوك، خصوصا فيما يتعلق بدراستها. كما أنها تستخدم مثلا موقع تويتر للتواصل مع صديقات مصريات يعشن في ألمانيا أو مصر «إنها وسائل للتخفيف من الغربة و الانتقال ولو لوقت قصير إلى بلداننا و أجوائنا العائلية». والخبيرة الإعلامية الألمانية، الدكتورة زابينه شيفر، قالت خلال حوار مع «دوتشي فيلي» علاقة المهاجرين مع وسائل التواصل الاجتماعي و المدونات الإلكترونية هو قيد الدراسة و البحث في ألمانيا، حيث تجرى بحوث حول الموضوع في بعض الجامعات الألمانية. وعن رأيها الشخصي تقول شيفر» أعتقد أن هذه الوسائل التواصلية تلعب دورا مهما في حياة المهاجرين هنا وإن كنت أعتبر أن موضوع التواصل عبر الانترنت لطالما تمت المبالغة فيه، فهو بالنسبة لي مجرد غرفة أو وسيلة من وسائل الخطاب الكثيرة في المجتمع، لا تستقل عن باقي الوسائل الممكنة للتواصل و إن كانت إمكانية الظهور المتخفي أو بأسماء مستعارة في العالم الافتراضي تطرح تعقيدات أكثر في هذا النوع من التواصل».