سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يحيى اليحاوي: الفعل السياسي سيظل متمحورا حول الاتصال المباشر قال إن المدونات قد تضمن للسياسي الشيوع والانتشار لكنها لا تضمن له بالضرورة أصواتا يوم الاقتراع
يرى يحيى اليحياوي أن «الفايس بوك» يعطي للسياسي صورة عصرية عن شخصه، على الأقل من زاوية الظهور بمظهر من يتقن توظيف التقنيات الجديدة في الإعلام والاتصال، ناهيك عن السبل المتاحة له لأن يصبح «صديقا» للملايين من المرتبطين. وأكد أنه لم يثبت تاريخيا أن قوض مستجد تكنولوجي ما، مستجدا آخر سابقا له. فالإذاعة لم تقتل الجريدة، والتلفزة لم تقتل الإذاعة، والأنترنيت لم يلغ دور الجريدة أو المحطة الإذاعية أو التلفزة. - يلاحظ إقبال للسياسيين على إنشاء مدونات خاصة، أو الولوج إلى مجموعات ب«الفايس بوك»، كيف تفسرون هذه الظاهرة؟ < لست متأكدا من أن ذلك بات ظاهرة بالمعنى السوسيولوجي للكلمة، ليس فقط لأن الأمر لا يزال محدودا، محدودية تطبيقات الويب الثاني الذي يضمن التفاعلية، ولكن أيضا لأن السياسيين غالبا ما يفضلون الاتصال المباشر، أو عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، وعبر التلفزيون على وجه التحديد. ولما كان الحيز الزمني المتاح بالتلفزيون، مثلا، محدودا ومقننا، ولا يمكن النفاذ إليه بيسر، فإن إنشاء المدونات من لدن الفاعلين السياسيين يمكن قراءته من باب التجاوز على هذا الإكراه، وتوسيع مجال التواصل مع القاعدة الانتخابية، أو لنقل الشريحة الاجتماعية المراد مطاولتها. ميزة المدونات الخاصة، كما مجموعات «الفايس بوك» و«الماي سبايس» و«الدايلي موشيون» أو «اليوتوب» حتى، ميزتها أنها تضمن ما يسمى برجع الصدى، أي أنها تمكن المتلقي، ولا سيما فئة الشباب والشرائح الواعية العليا، من التفاعل مع صاحب المدونة، تتحاور معه، تسائله، وتتقصى رأيه بهذه الزاوية أو تلك. وهو ما ليس ممكنا، مثلا، مع الوسائل الإعلامية التقليدية، ذات البث العمودي، الآتي من فوق دونما تفاعلية تذكر، والمكلف ماديا فضلا عن ذلك. المفارقة أن المدونات والمجموعات قد تضمن للسياسي الشيوع والانتشار، وقد تضمن له كسب «أصدقاء» جدد بلغة الشبكة، لكنها لا تضمن له بالضرورة أصواتا يوم الاقتراع، لسبب بسيط وهو ضرورة إقناع هؤلاء، وهو ما ليس سهلا دائما. ومع ذلك فأنا أتصور أنها إذا لم تدرك ذلك عمليا، فإنها ستكون لا محالة أداة قياس لرد فعل الجهة المتلقية. - يبرر العديد من السياسيين لجوءهم إلى عالم التدوين و«الفايس بوك» بكونه يعطي فرصة أكثر للتواصل مع فئة من الشباب، ما تعليقكم؟ < هذا صحيح، لأن فئة الشباب هي التي غالبا ما تلج مواقع المدونات، وتؤثث فضاء المجموعات، إلى درجة يعتبر البعض معها أن الحاسوب بات لدى هؤلاء لغتهم الأم. وصحيح أيضا على اعتبار أن هذه الفئة هي التي غالبا ما تكون مترددة في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وتعزف في العديد من الحالات عن السياسة. بالتالي، فشعورها ب«قرب» السياسي منها عبر المدونة أو المجموعة، وتواصله معها من خلال الرد المباشر والمشخصن أيضا، هذا الشعور يخلق لديها نوعا من الألفة مع السياسي، ويزيح نسبيا جانب التعالي الذي لطالما يسلكه السياسيون. من جهة أخرى، فإن اللجوء للمدونات وللمجموعات من لدن السياسيين، لا يمكنهم فقط من التواصل مع هذه الشريحة بغرض الإقناع، بل ويمكنهم أيضا من تنقيح برامجهم، بالبناء على الملاحظات والتدخلات والمطالب التي قد يكون هؤلاء السياسيون أغفلوها، أو صنفوها ضمن العناصر الثانوية، أو لم ينتبهوا إليها كثيرا. وقد لاحظنا ذلك بقوة في حملة باراك أوباما وهيلاري كلنتون وحملات الديمقراطيين ببريطانيا أيضا. - قام عدد من الشباب المنتمين إلى أحزاب سياسية مغربية مختلفة، بتشكيل مجموعات للنقاش على موقع «الفايس بوك»، ألا ترى أن موعد الانتخابات سيجعل هذه الفئة تقوم بحملة انتخابية قبل الأوان؟ < ليس لدي أدنى تحفظ على لجوء هذا الحزب أو ذاك إلى تلميع صورته بالأنترنيت، من خلال هذه التقنية أو تلك، فهذا حقه. وأتصور أن لا مؤاخذة عليه بالمرة على خلفية القول بأنه يقوم بحملة انتخابية سابقة لأوانها. وإلا فإن القول بذلك، هو كمن يؤاخذ حزبا يروج لخطابه ومنظومته في العادي من الأيام، أي دون أن تكون هناك إرهاصات انتخابية. من جهة أخرى، فشبكة الأنترنيت تخضع لحكامة خاصة، والقوانين الوطنية لا تصلح لتأطيرها. وبالتالي، فاللجوء إليها والتجاوز على وظائفها قد لا يسقط المرء أوتوماتيكيا في المحظور، اللهم بالقياس، كما هو حال سجن بعض المدونين المغاربة دونما وجود نص يقنن «مهنة» التدوين. إن شبكة الأنترنيت شبكة مفتوحة، غير ممركزة، ومنسوب الرقابة من بين ظهرانيها ضعيف، بل ومرفوض بمقياس حرية التعبير والتفكير. ولما كانت كذلك، فإن ركوب ناصيتها بات متاحا ومباحا للأفراد كما للجماعات كما للأحزاب، لتمرير آرائها أو الترويج لمنظومتها أو إشاعة الإيديولوجيا التي تتبناها. بالتالي، فليست لدي مؤاخذة على لجوء هذه المجموعة إلى «الفايس بوك» أو إلى غيره، لتلميع صورة هذا الحزب أو ذاك، وإلا فسيكون المرء بإزاء مصادرة حق لا يمكن المزايدة عليه، اللهم إذا كانت ثمة وسيلة لمنع الآخرين من سلك نفس السبيل. من جهة أخرى، فأنا أتصور أن توظيف الأنترنيت، وتطبيقات «الفايس بوك» بداخلها، لا يمكن أن يؤتي أكله إلا بسياق محدد. فمستوى ارتباط الأمريكيين مثلا بالأنترنيت، ومنسوب تجهيز المنازل والإدارات والمؤسسات الخاصة بالحواسيب، وآليات تشفير الرسائل، ومستوى وعي الجماهير وغيرها، كلها مداخل تضمن فاعلية الشبكة ونجاعتها. بالمجتمعات المتخلفة، والمغرب ضمنها بالتأكيد، يبدو لي أن محدودية الارتباط بالشبكة، وارتفاع مستويات الأمية، وتبرم الجماهير من السياسة عموما، ومن الانتخابات بوجه عام، كلها عوامل تحد من فعل ركوب ناصية هذه الشبكة أو تطبيقاتها العملية. قد يكون من الممكن إدراك النخب المرتبطة بالشبكة، والمحتكمة إلى حس سياسي عال، والمدركة لرهانات السياسة، ومفعولها على واقع حال الناس ومستقبلهم، قد يكون لهذه الأداة بعض من النجاعة. إلا أن الغالبية العظمى تبقى بمنأى عن تأثيراتها. أقول هذا مع التسليم بفرضية أن الأحزاب بالمغرب تراهن على هذه الأداة، وهو ما ليس ثابتا بالمرة، بل لربما غير قائم في ذهنية نخبنا السياسية. من جهة أخرى، فإذا لم تكن ثمة ثقة في المرشح، وعدم ارتياح الجماهير لمنطوق خطابه، وهشاشة مشروعه، وانفصامه عن واقع الناس، فإن ذلك لا يمكن أن يعالج بالخطاب، سواء كان هذا الأخير مباشرا، أم عبر الملصقات، أم ممتطيا لبنية الشبكة وأدواتها، كائنة ما تكون نجاعتها. وهذا واقعنا بالمغرب بكل المقاييس، أعني واقع انفصام السياسة عن واقع الناس، وانفصام خطاب الوعود مع ممارسات واقع الحال. - هل استطاع السياسيون عبر المدونات ومجموعة النقاش «الفايس بوك» أن يرقوا بمستوى النقاش السياسي من خلال الاستغلال الجيد للوسائط الجديدة للاتصال؟ < أنا لا أتوفر على المعطيات الدقيقة للجواب مباشرة على السؤال. لكن الثابت أن مجموعة «الفايس بوك» وغيرها توفر العديد من التطبيقات. إنها تمكن من استثمار البريد الإلكتروني والبلوغات والرسائل الآنية والمنتديات، والعديد من التطبيقات التي بالإمكان إضافتها بنقرة بسيطة. من هنا فعنصر القوة لديه كامن في قدرته على إشاعة المعلومة على نطاق غير مسبوق. ب«الفايس بوك»، إذا أردت الترويج لخبر يكفي الضغط على زر، في حين أن المدونة تستوجب صياغة نص. المدونة هنا نخبوية، في حين أن «الفايس بوك» جماهيري، بمقدوره مطاولة الملايين من «الأصدقاء». من ناحية ثانية، ف«الفايس بوك» يعطي السياسي صورة عصرية عن شخصه، على الأقل من زاوية الظهور بمظهر من يتقن توظيف التقنيات الجديدة في الإعلام والاتصال، ناهيك عن السبل المتاحة له لأن يصبح «صديقا» للملايين من المرتبطين. وهذا بحد ذاته مهم، على الأقل كمدخل لفتح النقاش، والتداول في قضايا الشأن العام بصلب ذلك. إن السياسيين عندما يخلقون شبكاتهم فإنهم يجمعون من حولهم الملايين من المتعاطفين معهم، في أفق خلق ما يسمى بشبكات المرتبطين. - هل تتوقعون في السنوات القادمة أن تصبح الحملة الانتخابية عبر الشبكة العنكبوتية، ويتم الاستغناء عن التواصل المباشر، أو على الأقل أن تساهم بشكل كبير في الحملة؟ < لست متأكدا من ذلك حقا والسر في ذلك أنه لم يثبت تاريخيا أن قوض مستجد تكنولوجي ما، مستجدا آخر سابقا له. فالإذاعة لم تقتل الجريدة، والتلفزة لم تقتل الإذاعة، والأنترنيت لم يلغ دور الجريدة أو المحطة الإذاعية أو التلفزة. أتصور أن الشبكة ستعيد ترتيب فضاءات كل وسائل الإعلام، وستقضم لا محالة من وظائف الوسائل الإعلامية التقليدية، لكنها لن تركنها على الجانب بالمرة. بالتالي، فسيبقى الفعل السياسي متمحورا حول المباشر والمسموع والمرئي، لكن جزءا منه سينتقل حتما لفائدة الشبكات الرقمية، وضمنها تحديدا شبكة الأنترنيت. بمعنى أننا سنكون بإزاء ما يمكن تسميته بتجزيء العملية، والتحول التدريجي بجهة شخصنة الاتصال عبر الوسائط الجديدة، في صيرورة لن تتنافر فيها بين ظهرانيها هذه الوسائط، بل ستتكامل.