لم يكن المرحوم الأستاذ محمد زريويل طيلة حياته مشتغلا بمهنة التعليم كموظف أجير، بل كان هاويا لها، ومؤمنا بالرسالة التربوية التي أخلص لها لأكثر من ثلاثة عقود كاملة، وإلى آخر أيامه... جند كل طاقاته، فأعطى كأستاذ أفضل ما لديه في تربية وتعليم أجيال من متعلميه... قدم لهم عصارة مجهوداته العملية في التدريس وفي التنشيط التربوي بفعالية واقتدار بدون كلل أو ملل، ولا هوان أبدا... إنها لعظيم القيم ولأجمل الذكريات المحفوظة له، في وعي تلامذته وزملائه وعدد من الفاعلين في مجال التربية والتعليم... كل هؤلاء لن ينسوا ما قدمه من خدمات تربوية جليلة، فطوبى له، ولذكراه الطيبة التي ستبقى مقرونة لدى الأحياء بهاته الأعمال الخيرة والمجهودات الجبارة... ولذلك وبعد أن غادرنا الصديق الغالي محمد زريويل إلى دار الخلود؛ فإننا سنبقى نذكره بمناقبه، ولن ننساه بخير الدعاء له بالرحمة والمغفرة... وستظل ذكراه قائمة بيننا بكتاباته الباقية، كنبتة يانعة لا ينقطع إزهارها... ففي هذا المقال الذي كتبه حول التعليم الأصيل بالمغرب إثر محاولة وزارة التربة الوطنية رد الاعتبار إليه، بتغطية عدد من المؤسسات العمومية بأقسام التعليم الأصيل بكيفية متخبطة؛ أثارت العديد من المشاكل والقضايا لدى المدرسين بالأساس، وآباء التلاميذ المعنيين وقتها بهذا النوع من الأقسام... التعليم الأصيل والمدرسة العمومية
يعتبر التعليم الأصيل أحد مكونات التعليم المغربي العمومي وذلك ما ينص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبتعاون مع جمعية العلماء، نظمت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي يوما دراسيا بثانوية القرويين بفاس يوم 09/05/2003، ومنذ هذا التاريخ بات التفكير في تغطية كل الأقاليم بأقسام التعليم الأصيل شيئا حاصلا متعثرا إلى حدود أفق 2006 في غياب توسيع الاستشارات وتوسيع إشراك الفاعلين والمعنيين المباشرين . نعم التعليم الأصيل يشد الأجيال إلى منابعها الروحية والدينية، وهو قلب هذه الأمة وصمام أمانها، والتعليم المغربي بصفة عامة نظام شامل لكل أصناف المعرفة دون استثناء بما في ذلك مواد قطب التربية الإسلامية المكون من القرآن الكريم والعقائد والعبادات والحديث والآداب الإسلامية ... أرادت الوزارة أن ترد الاعتبار للتعليم الأصيل من خلال اهتمامها الكبير، نظرا لعدة اعتبارات ومنها النظرة الدونية التي كان ينظر بها إلى هذا التعليم بدعوى أنه يستقطب غير الناجحين في نهاية الأسلاك التعليمية، وكذلك أصحاب المستويات الدنيا والمعدلات دون المتوسط . ورد كتقديم في كتاب التلميذ " طريق النجاح في المواد الإسلامية " السنة الأولى من التعليم الابتدائي الأصيل ست (06) مواصفات تعني متعلمي التعليم الأصيل لكنها في الحقيقة موجهة إلى جميع تلاميذ المدارس العمومية ، وهي تعتبر من مرامي وأهداف التعليم المغربي بصفة عامة وليس التعليم الأصيل بصفة خاصة ندرجها كما وردت في كتاب التلميذ الصفحة (2) : التشبع بالقيم الإسلامية و الوطنية . الحرص على التضامن والتسامح والنزاهة والمساواة . الاستمساك بمبادئ الوقاية الصحية ، والبيئة، و احترام الحقوق . القدرة على اكتشاف المفاهيم والنظم والتقنيات الأساسية . التحلي بالسلوك الإسلامي القويم في العلاقة بالله والنفس والمجتمع . الانفتاح على قيم الحضارة المعاصرة في أبعادها الإنسانية والاجتماعية والحقوقية . بالطبع كل الأهداف شريفة والمرامي نبيلة، ولكن هل يعقل أن يحفظ تلاميذ المستوى الأول أعمارهم ما بين 5 و6 سنوات ما يقارب عشرة أحزاب من سورة الشورى إلى سورة النمل ، أي من الحزب الثامن والثلاثين(38) إلى الحزب التاسع والأربعين(49)، وتلاميذ المستوى الثاني من سورة الشعراء إلى سورة الكهف، أي من الحزب الثلاثين (30) إلى الحزب الثامن والثلاثين (38) ، هذا مع العلم أن معظم تلاميذ المستوى الأول لم يتلقوا تعليما أوليا ولا يعرفون القراءة والكتابة، فأتى قطب التربية الإسلامية ( قرآن كريم حديث شريف فقه سيرة نبوية ) في 18 حصة بما يعادل 11 ساعة في الأسبوع، وذلك على حساب قطب اللغة العربية بمعدل 5 ساعات في الأسبوع، والكل يعلم ما للقراءة والكتابة والتعبير من أهمية في اكتساب المعرفة ما دامت هذه المواد هي الأساس في اكتساب التعلمات بالمستوى الأول من التعليم الابتدائي . وإذا أردنا أن نضع الطفل / المتعلم في قلب الاهتمام و التفكير والفعل التعلمي خلال العملية التعلمية / التعليمية والتكوينية التربوية – وهذا من واجبنا فعلينا كذلك تجب القراءة الرصينة لشخصيته بكل أبعادها الاجتماعية والنفسية، كما يجب التدقيق في مواصفاته بحيث ينبغي أن تكون الرغبة قد حصلت لديه بعد الحق في الاختيار وموافقة والديه و أولياء أمره، كما يجب أن تتوفر فيه ملكة الحفظ، لأن طبيعة التعليم الأصيل تتطلب ذلك انطلاقا من روافده الأولية مثل المدارس العتيقة، ودور القرآن الكريم، والكتاتيب القرآنية .
مكونة تكوينا ملائما ومؤهلة للتدريس به، ومن ضمن المواصفات التي يجب ان تتوفر في هذه الأطر ما يلي : التكوين الإسلامي المتعدد . التكوين التربوي والبيداغوجي في تدريس المواد الإسلامية . القدوة الحسنة عملا وسلوكا، حتى لا يكون هناك تناقض بين القول والفعل وينعكس ذلك على نفسية التلاميذ .
ولكل هذا كان من الواجب على الوزارة أن تنشئ أقساما خاصة بشعب الدراسات الإسلامية بمؤسسات تكوين الأطر التربوية لإعداد أساتذة التعليم الأصيل بسلك الابتدائي . وحسب ما يعرف عند الباحثين ب (اللاحتمية التبعية شديدة الحساسية للشروط الأولية)، فمن أراد أن يرد فشل التعليم الأصيل إلى سبب واحد فهو مخطئ، بل يمكن اعتماد وتوظيف عدة أسباب ومنها المنهاج المقرر والمعلم والمتعلم. إعداد وتقديم محمد الفشتالي و في ما يخص الأطر التربوية، على الوزارة أن تعمل جاهدة على تمكين التعليم الأصيل من أطر