عند تتبع مسار تطور الاشتغال التشكيلي لدى محمد قنيبو كثيرا ما استأثر انتباهي ذلك الحس والطقس التصويري الذي يحضر كخيط نظر ناظم لهذه الأعمال، والذي يتبدى وكأنه أفق رمزي يلاحقه الفنان، تارة يمسك ببعض ملامحه التي تبدو منفلتة، وتارة أخرى تحافظ تلك التشكلات الصباغية على "خاميتها" أو بساطتها التي تتقدم وكأنها تحاول الإفصاح عن ما وراء الظاهر والبسيط والواقع. أمام أعماله تنكشف رغبة الفنان في الحكي، لكن سرعان ما ينقلب الحكي تصويرا فترميزا، وهنا تبدأ إمكانيات قراءة تلك التشكلات والاختيارات الصباغية، سواء على مستوى الرسم والتركيب أو من حيث المعالجة اللونية، داخل الطقس الصباغي الذي يحاول نسجه وتعزيز جماليته عبر وميض الضوء والعتمة، وتضاد النور والسواد، وإيحاءات الجسد الذي فقد هويته المورفولوجية واندرج في دوائر رمزية وتعبيرية تتعدى الوجود المادي لتلامس أبعاد الرمزي والمتخيل. تموضعات الأجسام وإيحاءاتها المتغيرة في الأعمال الأخيرة تبدو محايثة للبحث عن توازنات في مجال متعدد، تفصح تارة عن دلالة إنسانية لا تخلو من إحساس بالاحتفاء وتارة بالألم والصراع، يحاول محمد قنيبو تأصيلها عبر إدراج بارز لنماذج زخرفية ورموز مستوحاة من أشكال الصناعات اليدوية والتشكيل التقليدي، أو بإحاطتها بمعالجة لونية يغلب عليها الرمادي الملون بلمح الأحمر الترابي والأزرق، مما يوحي بدلالة الانبثاق ومحاولة الخروج والتحرر من حدود ما.
لعلها امتدادات الجسد والذات في أفق متحول، تحاول تجربة قنيبو الصباغية القبض على مقوم تطورها الإبداعي لتندرج في عمق تصور خلاق يفضي بها إلى علو أكثر تحررا من قبضة التصوير والتعبيرية الجسدية، حيث ثمة وميض ما تلاحقه اختيارات النظر والمعالجة الصباغية.