[COLOR=darkblue]رحيل الجابري: خطف المنون منا من أوقف حياته على زرع الحياة في عقلنا العربي. [/COLOR] كتب بيراعه واصفا حياته الحافلة في سيرته الذاتية قائلا :"...نهر يمتد منبعه بعيدا إلى منتصف الثلاثينات من هذا القرن حيث يتصل بروافد آتية من مسافات أبعد ،تنفل إليه ابتسامات و انطباعات و توضيحات اندمجت بصورة أو بأخرى في مجراه الخاص ، الذي يتسع حينا و يضيق حينا ، يفيض ماؤه تارة و يجف أخرى ، وهو يشق طريقه عبر معارج و التواءات و لف و دوران ، حتى إذا مضى عليه ربع قرن أخذ في الانقسام تيارين متوازيين ، متداخلين و منفصلين في الوقت نفسه : تغمر أحدهما تجربة السياسة ،و تغمر الآخر اهتمامات و هموم ثقافية و لازال التياران يغتنيان ...و يتنافسان في تكامل ،أو قل يتكاملان في تنافس " (1) وشاءت الأقدار أن توقف مياه النهر الآنية ، لكن الأنهار الفكرية العظيمة لا تمحي آثار مجاريها مهما طال الأمد و مهما انصرم من عقود و سنون ،و ستظل على الدوام مشرعة لاحتضان مياه التجديد و التنوير في الأمة ،لأن آثارها تنطبع في عمق العقول و شغاف الأفئدة بأدوات يرقى فعلها و يسمو على صروف الدهر و تقلباته ، أدوات تخاطب في الإنسان ما به هو ؛عقله وفكره ،و تنطلق مما يضنيه من إشكالات، باحثة عما يقويه على الخروج من مآزق الحيرة و التخبط التي يولدها التخلف و التأخر ،ومتطلعة لأفق ترممه اتصالية المناطق المضيئة بتراثه ،في تفاعلها مع شروط المتاح و الواجب امتلاكه في الراهن و الحاضر الذي يعيشه ،"لأن «سؤال الحداثة» سؤال متعدد الأبعاد سؤال موجه إلى التراث و سؤال موجه إلى الحداثة بكل معطياتها و طموحاتها ...إنه سؤال جيل بل أجيال ...سؤال متجدد بتجدد الحياة " (2). ذاك أقل وصف يمكنه الانطباق على حياة محمد عابد الجابري الفكرية الثراء و المعطاءة ، فقد استطاع بعصامية منقطعة النظير أن يشق مساره الحياتي و الفكري ،رغم الصعاب و العراقيل ،التي لا تقوى على تدليلها إلا إرادة صلبة ،لا تعرف الكلل ،و تنفر من التراجع و الاندحار ، فمن المغرب القصي المنسي جاء ، و في حضن واحات فكيك شهد النور ،ليشرع في صنع مصيره ،و التأمل في مصير أمته ، مصيران استبدت بهما ، بشكل من الأشكال ، ثنائية" خشونة البدواة ورقة الحضارة "،تلك الثنائية التي دفعته إلى ولوج البحث العلمي عبر إعداده لأطروحته التي دافع عنها سنة 1970 و التي نشرت تحت عنوان "العصبية و الدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي" ،و ربما أمكننا التأكيد بأن هذه الثنائية وما ينجم عنها ، هي التي أسهمت في ارتسام ملامح المشروع الفكري للجابري بوضوح من خلال كتابه :"نحن و التراث :قراءة معاصرة في تراثنا الفسلفي" سنة 1980 ، والتي سيأتي " نقد العقل العربي" بأجزائه الأربعة و غيره من المؤلفات تجسيدا و توضيحا لهذا المشروع وتفصيلا لمنطلقاته. لقد استطاع هذا المفكر الفذ، طيلة مساره الفكري ،أن يجمع في انسجام خلاق بين أكثر من واجهة في نضاله الفكري ، خصوصا فعل التجسير الذي مارسه فيما بين الثقافة و السياسة ؛ و قد كان محقا في "أن يغبط نفسه عليه "،لأنه ليس في مكنة أي كان، مادام مسارا ظل في منأى عن الوقوع ضحية للتحزب الضيق ، محافظا ،في الوقت نفسه، على دور المثقف الملتزم ،ليولد بذلك مساحة فكرية تنويرية تجمع بين أكثر من جبهة و فضاء اشتغال: "فضاء التراث (نقد العقل العربي )و فضاء الفكر العربي المعاصر (نقد الخطاب العربي ،و مقالات ينتظمها الطموح إلى تدشين عصر تدوين جديد ..)ثم فضاء المستجدات في الفكر العالمي (قضايا الساعة من قبيل العولمة و "صراع الحضارات "و" حقوق الإنسان " إلخ )،و أخيرا و ليس آخرا فضاء الشأن المغربي الخاص منظورا إليه هذه المرة من زاوية الفكر النظري المتحرر بقدر الإمكان من الطابع السياسي الظرفي ."(3) بذلك استطاع الجابري ،إلى جانب مفكرين آخرين ،أن يدشن في المغرب ،والعالم العربي الإسلامي عموما ، يقظة فكرية و أن يجعل شمس الفكر العربي تشرق هذه المرة من غربه، لتصبح النخبة المشرقية مدعوة إلى التعامل بنوع من الجدية و الاشتغال الموسوم بالعناء في علاقتها بما ينتجه الفكر المغربي ،بعدما كان ما يرتبط بالإنتاج الثقافي المغربي لا يثير لديها إلا غض الطرف و النزعة الاستعلائية المرددة للقول المأثور :"بضاعتنا ردت إلينا ". و ما كان فكر الجابري أن يعيد ترتيب هذه العلاقة ، لولا تميزه عن كل الاتجاهات الفكرية السائدة ؛فقد رفض القناعة التي انطلق منها غيره و المتمثلة في أن رباطنا قد انقطع بالتراث نهائيا ،و أن قراءتنا للمؤلفين القدامى و تأليفنا فيهم ،إنما هو سراب ، فمثل هذه العلاقة مع التراث الداعية إلى القطع النهائي و "طي الصفحة " ، تحفظ الجابري بشأنها ، بل انتقدها و عمل على تفنيد سندها المتمثل في التعلق بكونية موهومة في مقابل الخصوصية ، ليؤكد على أهمية محاورة التراث وتملكه و جعله معاصرا لنا ، وذلك عن طريق النظر إليه نظرة تاريخية ، و عدم الانحباس بين قضبانه ،بل إضفاء المعقولية عليه ، و البحث فيه عن الجوانب المضيئة ، التي بإمكانها المساعدة في النهوض من كبوتنا الحاضرة و تخلفنا الذي طال أمده !و الوسيلة التي يقترحها لذلك ،هي "الانفصال عن التراث عن طريق الاتصال به "، أو ما يمكن تسميته باستراتجية الفصل عن طريق الوصل ،لأن الموقف الأصح هو الوقوف أمام الذات "لا الهروب إلى الأمام " ،وبالتالي تسليط أضواء التحليل الكاشفة عليها ،بقصد فهم دقائقها و استخراج ما يساعدنا على نهضتنا المتجددة ، و يقوينا على المساهمة في الإنتاج الكوني من منطلق الخصوصية ، لا من منطلق كونية موهومة نستعيض بنماذجها عن انتاجات الذات ، من دون أن يرادف ذلك إقصاء الانفتاح على الآخر و الحوار معه و الإفادة منه ، إذ الذات التي تحفر في تراثها ، قصد استخراج و إبراز المضيء فيه هي نفسها القادرة على الانفتاح على الآخر بأفق تبيئي ،يهدف إلى الاستفادة من نماذجه ، دون السقوط استيرادها معلبة ، عبر تبيئتها و ملاءمتها مع خصوصية الذات العربية و تأصيلها في إنتاجها ،حتى لا تبقى مجرد نشاز يشوش عليها أكثر مما يفيدها في نهضتها المنشودة . إن ملامح هذه الرؤية هي التي نحتت آليات القراءة الجابرية للتراث مثلما أفصحت عن ذاتها في كتابه " نحن و التراث " لتزداد عمقا في ما تلاه من مؤلفات ، كقراءة متفردة ، صنعت تميزها من خلال إبرازها لأضافتها النوعية مقارنة بالقراءات السابقة ، سواء منها السلفية أو الليبرالية أو الماركسية ،و التي انبت في مجملها على ثابت " قياس الغائب على الشاهد "، فالقراءة الأولى "فهم تراثي للتراث "أو هي "التراث يكرر نفسه " و الثانية "قراءة أورباوية النزعة للتراث ،أما الثالثة فمحاولة لتطبيق طريقة تطبيق السلف الماركسي للمنهج الجدلي و كأن الهدف هو "البرهنة على "صحة " المنهج المطبق" لا تطبيق المنهج". (4) إن ثابت " قياس الغائب على الشاهد "، في توظيفاته الاستسهالية ، كثابت ناظم للقراءات السابقة ،هو ما يشكل معضلة العقل العربي كبنية ،اعتبارا لكونه الثابت اللامتغير في نشاط هذه البنية ، لذا فأي محاولة لتجديد العقل العربي و تحديثه، عليها أن تولي كامل العناية النقدية لتكسير هذا الثابت البنيوي ، و هنا يأتي التميز الجابري في نقده للتراث من خلال دعوته إلى القطيعة الابستمولوجية معه ،لكن بمعنى خاص ؛أي تلك القطيعة التي تجعلنا ممتلكين للتراث و متملكين له بدل أن يكون هو مطوقا لنا ، فهي الأداة التي ستحولنا ، كما يقول الجابري من "كائنات تراثية "إلى "كائنات لها تراث"(5) و تلك هي دلالة الفصل بالوصل التي لا يمكن تحقيقها إلا إذا تم إنجاز ثلاث عمليات مترابطة :المعالجة البنيوية /التحليل التاريخي /الطرح الإيديولوجي . وهذه العمليات فرضها كون المخزون التراثي للذات العربية "يشكل في معظمه مادة معرفية ميتة غير قابلة للحياة من جديد ،أما بالنسبة للمضمون الإيديولوجي فالأمر يختلف ،إن له بشكل من الأشكال "حياة أخرى"يظل يحياها على مر الزمن في صور مختلفة " "لذلك نجدنا نتجاوب الآن نحن أبناء القرن العشرين ،مع التطلعات الإيديولوجية للفلاسفة الذين عاشوا قبلنا و لا نتجاوب مع المادة المعرفية التي استعملوها في فلسفاتهم "(6) و هذا الطابع الذي يكتسيه التراث و علاقتنا به هو الذي جعل نقد الجابري له و للعقل الذي أنتجه و ساهم في هيكلة بنيته، يلبس طابعا خاصا يميزه و يمنحه بعده التهديفي ،فهو ليس نقدا من أجل النقد بل نقدا يقصد " التحرر مما هو ميت و متخشب في كياننا العقلي ،و إرثنا الثقافي ، و الهدف ،فسح المجال للحياة كي تستأنف دورتها فينا و تعيد فينا زرعها ...و لعلها تفعل ذلك فريبا "(7) و هو ما لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استعاد و استوعب الفكر العربي المعاصر " الجوانب العقلانية (و الليبرالية )في تراثه ليوظفها توظيفا جديدا في نفس الاتجاه الذي وظفت فيه أول مرة ،اتجاه محاربة الإقطاعية و الغنوصية و التواكلية و تشييد (مدينة )العقل و العدل ،مدينة العرب المحررة الديمقراطية و الاشتراكية "(8) لكن على الرغم من عظمة مشروع كهذا كما و كيفا ،فإنه لم يسلم من انتقادات ركزت على الفرق بين الوعود أو المنطلقات و بين ما تم تجسيده في الأجزاء الأربعة لنقد العقل العربي ، لكن ما تناساه أصحاب هذه الانتقادات هو أن مهمة أي صاحب مشروع فكري ، إنما هو و ضع اللبنات و التسليح بالأدوات المنهجية و المفاهمية و إبراز السبل و مواطن الفعل ، لتبقى المهمة ملاقاة ،بعد ذلك ،على الباحثين من أجل الذهاب إلى أقصى الحدود بكل ما قدم صاحب المشروع . كما سارع البعض كذلك إلى وصف الجابري بتعصبه للمغرب في مقابل المشرق ،لقوله ب"عقلانية "الأول و "لاعقلانية" الثاني ،إلا أن انتقادات من هذا الصنف ،تعزى إلى سوء فهم المراد من كتاباته ،وهو ما حاول تصحيحه في مقدمات الطبعات التي تلت الطبعة الأولى من كتابه " نحن و التراث "، كما يمكن أن نعزيها إلى نوع من النزوع النوستالجي لبعض المثقفين المشارقة إلى العهد الذي كان فيه المغرب يردد أصداء المشرق، بعدما أحسوا بأنهم ليسوا الوحيدين القادرين على التصدي لمشاكل نهضتنا . أما صاحب مشروع "نقد نقد العقل العربي " بأجزائه التي تقايس عدديا، لا قيمة، أجزاء "نقد العقل العربي"، فلا يمكن تفسير حركة الردة التي عصفت به و بموقفه من محمد عابد الجابري ،إلا بعوامل لا يمكن أن تخفى على القراء ،إذ ما الأكثر سهولة و يسرا من امتطاء مجهود الغير ، و إيجاد مادة جاهزة لتكتب حولها، و تحقق لما تكتب نفس ما يمتاز به ما كتبت حوله من انتشار ، دون أن تكلف نفسك نفس العناء الذي بذله صاحبها(المادة الفكرية ) في صياغة الرؤية الحاكمة لها وفي إنتاجها ، ولذلك فالفرق بين نقد العقل العربي و "نقده " هو ذات الفرق بين الفعل و رد الفعل ، يضاف إلى ذلك أن ما يكتبه صاحب "نقد النقد " ليس جديرا بحمل هذا الاسم ، لأنه لا ينتقد المنطلقات و الركائز التي شيد عليها الجابري مشروعه النقدي للعقل العربي ، و لا يقترب منها بقد رما نجده يحلق فوق الإحالات و الهوامش، ليؤكد ثقافتة الموسوعية و سعة إطلاعه ، لكن ما فائدة عقل مملوء تعوزه الرؤية التركيبية ! هكذا فانتقاده للجابري جاء متماديا في إبرازه لأشياء هي أبعد ما تكون عن العمل الفكري ، كاستمراره في نعت الرجل بالشوفينية ، أو الوقوف عند هوامش النصوص ، من دون أن يمتلك القدرة على منازعة منقوده في ركائز مشروعه و رؤيته ، التي كان أول المهللين لها ،عند ارتسام بشائرها الأولى . و إلى هذا تضاف انتقادات أخرى تنبني على انغلاق هوياتي محولة إياه إلى قضية ،وهي الانتقادات التي تجتزئ فكر الجابري و لا يروق لها ،لأن ذنب الرجل الوحيد أنه ظل منسجما مع منطلقاته . في خضم هذه لانتقادات التي لا تروم أي شيء سوى الانتقاد ، و الجعجعة التي تطول دون أن تخلف طحينا ، في خضم كل هذا ما كان من الجابري سوى الركون إلى عدم الرد و الخلود إلى العمل الحقيقي في هدوء ،بدلا من هدر وقته فيما لا يعود بطائل ،ليس ايمانا منه ب "أن خير الرد هو عدم الرد "،رغم أن الكثير من الانتقادات يصدق في حقها هذا القول ،و لكن لأنه يرى " أن الموقف العقلاني يقتضي منه أن يقضي وقته في كتابة كتاب من عنده بدل الانخراط في عملية "دخان بلا نار "،و لو أنه انزلق منذ 1980 إلى الرد على ما كتب على كتابه "نحن و التراث "و انشغل في "معارك "تسر المتفرجين لكان مارس عملا لا عقلا نيا."(9) رحمك الله محمد عابد الجابري ،فقد أدليت برأيك دون مواربة و لاتهيب و اقتحمتك بفكرك الجريء القضايا الشائكة و الإشكالات المستعصية ،كما بقيت منفتحا على الانتقادات ،راغبا في الحوار و ساعيا إليه، و سعة انتشار كتاباتك و تزايد الطلب عليها ،أوضح دليل على أن الكثيرين تحقق فيهم حسن الفهم لما كتبت ، و هو ما كان يشكل لك أعز مطلب و خير ثواب مثلما كتبت، لأنه "دليل على أن الصيحة لم تكن في واد ، و أن الآذان سليمة و العقول متوقدة و النفوس متوثبة طموحة ،إن المستقبل الزاهر للثقافة العربية على الأبواب ،فالجيل الصاعد يتحرك و يشرئب ...."(10) و قد أحسنت صنعا عندما سكتت على الآراء و الانتقادات المحكومة بما يؤسس مذهبها و لا شيء غيره ، لأن أحسن موقف "يمكن أن تقفه إزاءها هو أن تسكت عنها لأن الكلام ،في هذه الحالة ،سيكون غير ذي موضوع ما لم يبدأ صاحبها أولا بنقد مسلماته "(11) رحمك الله،فقد فقدنا فيك القدوة التي لم يجد بها تاريخنا المعاصر إلا مع أمثالك ، إذ كنت أسوة في العصامية ، مانحا لأبناء المغرب المنسي سعة إضافية لأفق أحلامهم ، معلما إياهم أن الإرادة حين تكون صلبة ، تقوى لوحدها على حفر السبيل، إلى أبعد ما يكون الإمكان، و لو في الصخر و أيا ما كان حجم العقبات و ثقل الصعاب . كنت أستاذا لأجيال و خير مثال لما يمكن أن تبلغه الذات اعتمادا على إمكاناتها ؛فكنت من أوائل من تخرجوا من شعبة الفلسفة ،و هي تخطو خطواتها الأولى بالجامعة المغربية ،لتصبح أستاذا لها ،و مفكرا اجترح للفكر العربي المستنير آلياته المنهجية التي لقيت و لازالت تحصد ما استحقت من شهرة ،و هي تؤدي و وظيفتها و تثبت فائدتها خارج حدود الوطن ، فجسدت بذلك المسار واحدا من مبادىء فكرك ألا وهي ضرورة الثقة في الإمكانات الكامنة للذات و عدم إطمارها جريا وراء ما لدى الآخر . لقد كانت الفجيعة كبرى بفقدانك، لكن ،مع غيابك، ستظل منارا هاديا ،بما جسدته من مثال في الرفعة و السمو ، منه نستمد بعض العزاء ،و نحن نحدق في مشهد ثقافي متشردم ،فيه يطغى العرضي على الجوهري ،و على "حراكه "يغلب نقع الخلافات الشخصية و التناحرات بين "الإخوانيات " و الجري وراء المطالب التافهة .فعلى الفاعلين في مثل هذا التردي ،أن يمعنوا التأمل في سيرتك ،كي يستخلصوا العبر ، بدل أن يتفرغوا لتدبيج الشكوى تلوى الشكوى من عدم الانتشار و التهميش و محدودية المقروئية ، و الجري وراء احتضان تناسل الإطارات "الثقافية " العقيمة ،فقد كنت رحمك الله ،فردا ،و الإبداع و التجديد الثقافي يحققه الفرد لا الفريق كما قلت ، ومع ذلك انتشرت كتاباتك ليسر أسلوبك و بساطة لغتك ،و بيداغوجيتك التي لا تضاهى ،حتى عندما يتعرض فكرك المتوقد لأعوص القضايا و أعقد الإشكالات ،لتتربع مضامين مؤلفاتك على عقول القراء و أفئدتهم ، و لتنفذ طبعاتها المتلاحقة ، فحققت كفرد ما لم تقو على تحقيقه الكثير من هذه الإطارات الخاوية ، رحمك الله وليعتبر من سيرتك أصحاب الأفهام من ذوي الأقلام . [COLOR=red]سبق نشره بجريدة العرب الأسبوعي ع251 بتاريخ 8ماي 2010[/COLOR] [COLOR=darkblue]الهوامش :[/COLOR] (1) الدكتور محمد عابد الجابري : حفريات في الذاكرة ،من بعيد ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،"ط1 ،أغسطس 1997 ص 8. (2) الدكتور محمد عابد الجابري:التراث و الحداثة :دراسات و منا قشات ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ، يوليوز 1991 ص 11. (3) الدكتور محمد عابد الجابري :مواقف :إضاءات و شهادات ،الكتاب 11،يناير 2003،ص15. (4) الدكتور محمد عابد الجابري:نحن و التراث ،قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي، المركز الثقافي العربي ،بيرروت ،ط6 ،1993. من ص11 إلى ص 16 (5) نفسه ،ص 48 (6) نفسه (7) الدكتور محمد عابد الجابري: تكوين العقل العربي، المركزالثقافي العربي ،طبعة خاصة بالمغرب ط4،أيلول 1991، ص7،ص8 (8) الدكتور محمد عابد الجابري : نحن و التراث ،مذكور سابقا،ص 53. (9) من مقابلة أجراها مع الجابري علي بلحاج ،مراسل المستقلة و نشرت بمجلة المستقبل العربي ع220يونيو 1997. (10) د/ محمد عابد الجابري ،التراث و الحداثة (مرجع مذكور )ص123.