كانت تداعب بقدميها الكرة بمهارة وهي تراوغ زميلاتها بالفريق خلال حصة تدريبية بملعب القرب "11 يناير" بالحي الشعبي البرانص القديمة بمدينة طنجة، محاولة الانسلال ومواصلة الجري والمحافظة على كرة، مع الحرص على تنفيذ توجيهات مدرب النادي. إكرام جبلي، لاعبة في فريق جمعية "أجيال التضامن" أقل من 18 سنة، الفائز بدوري "طنجة الكبرى .. طنجة الأبطال" أسرت لوكالة المغرب العربي للأنباء بأن ملعب القرب المعشوشب فتح المجال لها وللعديد من قريناتها للعب كرة القدم، وإبراز مواهبهن في هذه الرياضة التي كانت إلى وقت قريب حكرا على الذكور. ملعب "11 يناير" هو مجرد نموذج لحوالي 95 ملعبا قرب تم إنجازها بكافة أحياء مدينة البوغاز، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج "طنجة الكبرى"، الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وهو ما فسح المجال أمام الآلاف من الأطفال واليافعين من الجنسين لتفجير مهاراتهم في العديد من الرياضات، من قبيل كرة القدم وكرة السلة. وقامت فلسفة ملاعب القرب بمدينة طنجة على توسيع قاعدة ممارسة الرياضة، مع العمل على فتح المجال أمام المولعين من مختلف الفئات العمرية والمنضوين في جمعيات أو مدارس رياضية لممارسة هوايتهم المفضلة، في أفق التميز والاحتراف في المستقبل. وبفضل هذه المنشآت الرياضية، استطاع أزيد من 11 ألف طفل وشاب، من الجنسين، المشاركة في دوري "طنجة الكبرى .. طنجة الأبطال" في نسخته الثانية، التي اختتمت في دجنبر الماضي، حيث جرت كل مباريات الدوري داخل ملاعب القرب المنجزة ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بمشاركة فرق الأحياء والجمعيات والنوادي المنضوية في عصبة الشمال. وبكلمات واضحة، أشارت إكرام إلى أن التداريب شبه اليومية بالملعب تحت إشراف أطر محترفة مكن فريقها من الفوز بالدوري بسهولة، وهو الأمر الذي أكدته زميلتها فاطمة الزهراء في فريق فئة أقل من 15 سنة حين قالت "الفوز بالدوري كان إحساسا غامرا، لكنه لم يكن مفاجئا، كنا نتدرب بانتظام بهذا الملعب". في حي ظهر أحجام الشعبي، الواقع بمقاطعة بني مكادة التي تعتبر الأعلى كثافة سكانيا بجهة الشمال، عشرات من الأطفال يتلقون تداريبهم تحت إشراف عدة أطر من جمعيات الأحياء التي أخذت على عاتقها مهمة التوجيه والتنقيب على المواهب في سن صغرى، في أفق تحضيرها لشق طريق الاحتراف. مراد ذو 6 سنوات، بقميصه الأحمر وخجله الطفولي عبر عن حلمه بأن يلعب يوما ما لفريق اتحاد طنجة، بعد أن يتدرج في مختلف فئات جمعية المنار الرياضي التي يمارس ضمنها بملعب "ظهر أحجام"، هذه المنشأة التي استضافت نهائي منافسات فرق العصبة والأحياء بدوري "طنجة الكبرى"، واستطاعت أن توفر الفرجة والمتعة لسكان الحي، وتفتح لهم نافذة للاندماج الرياضي، وفق ما أكد أحمد الزوين، عضو لجنة تسيير الملعب. أثر ملاعب القرب لا يتوقف عند التنقيب على المواهب فقط، إذ ساهمت هذه البنيات الرياضية بشكل كبير في تحول اجتماعي طال الأحياء المجاورة، كما ساهمت في دمقرطة ممارسة الرياضة بين مختلف شرائح المجتمع، وفتحت المجال أمام الإناث لاقتحام الميادين الرياضية. وتقول فاطمة، لاعبة محجبة في فريق "أجيال التضامن" أكثر من 18 عاما، لقد "كان من الصعب على الفتيات احتراف كرة القدم، إنها لعبة رجالية بامتياز، لكن أصبحنا اليوم نرى لاعبات إناث بفضل فضاءات ملاعب القرب"، مبرزة أن "الجمعية بفضل هذا الملعب تمكنت من لم شمل الفريق، فهذا الفضاء الجيد والآمن يعطينا دفعة قوية لممارسة كرة القدم، كما يمنح لعائلاتنا مزيدا من الاطمئنان". من جانبه، يرى رشيد خليل، مسير بإحدى الجمعيات المستفيدة، أن "لملاعب القرب تأثير كبير على شخصية الأطفال والشباب، سواء نفسيا أو اجتماعيا أو دراسيا، لقد لمسنا تحسنا في المعدلات الدراسية، ورقيا في السلوك والأخلاق، بعدما صار اليافعون يتوفرون على فضاء لتصريف طاقاتهم في أنشطة تروقهم"، مبرزا أن "كبت طاقات المراهقين في السابق كان يتسبب في اضطرابات نفسية وسلوكية". بدوره، لا يخفي مصطفى الوهابي، المؤطر الرياضي بجمعية الحي بمرس أشناد الشعبي أنه بفضل "ملعب القرب، استرجعنا العديد من المراهقين الذين كانوا على شفى الانحراف"، موضحا أن كل الجمعيات تشتغل من أجل حماية الشباب وتوفير الظروف الملائمة لممارسة الرياضة. على ذات المنوال، قال شاهدي محمد، أب لطفلين بمدرسة اتحاد طنجة البالية لكرة القدم، إن "إدمان ابنيه على الرياضية خير من إدمان المخدرات"، معتبرا أنه بالتأطير الجيد، يمكن أن تساهم الرياضة في تكوين شخصية الطفل لكي يصبح إنسانا صالحا للمجتمع والوطن. بعد إنجاز العشرات من ملاعب القرب، تواصلت الجهود لتنشيط هذه البنيات الرياضية وتأطير الممارسين بشكل احترافي يمنح الموهوبين من بينهم فرصة البروز على المستويات المحلية والجهوية. وتوجت هذه الجهود خلال النسخة الثانية من دوري "طنجة الكبرى .. طنجة الأبطال" بمشاركة 11 ألفا و 662 مشاركا من 1057 فريقا يمثلون مختلف أحياء طنجة، يتوزعون على 74 فريقا نسويا و 944 فريق حي و 39 فرقة منضوية في عصبة الشمال لكرة القدم، وهو ما جسد نجاح التجربة وعكس مدى شغف الشباب الطنجاوي، ذكورا وإناثا، بممارسة الرياضة، بشكل عزز التلاحم والاندماج الاجتماعي. وقد لخص عزيز فخار، الإطار الرياضي بالمديرية الجهوية للشباب والرياضة والمنسق العام لدوري "طنجة الكبرى" وملاعب القرب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، هذه المبادرات ب "التجربة الفريدة في المغرب التي مكنت من إحداث طفرة رياضية بمدينة طنجة". وأعرب عن يقينه بأن هذه الجهود "ستخلق بالتأكيد جيلا من الأبطال، إذ كلما توفرت البنية التحتية الرياضية، كلما اتسعت قاعدة الممارسة"، مبرزا أن وزارة الشباب والرياضة لا تدخر جهدا من جانبها لتكوين المؤطرين الرياضيين وتوفير مواكبة احترافية للبراعم والفتيان المنخرطين في جمعيات وفرق الأحياء. بعد نجاح التجربة، وقعت اتفاقية متعدد الأطراف لتوسيع دوري "طنجة الكبرى" ليشمل في دورته الثالثة كافة عمالات وأقاليم جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، على أمل أن تشمل التجربة مستقبلا كل ربوع المغرب، البلد الذي يزخر بالطاقات والمواهب الرياضية، التي تحتاج إلى فرصة للبروز وتشريف راية المغرب.