مررت قبل يومين بأحد الشوارع الصغيرة المستحدثة المتفرعة عن ساحة وادي المخازن بمدينة طنجة ، فوقفت أمد نظراتي إلى تلك العمارات المتلاصقة المشرئبة نحو السماء التي أصبحت اليوم تحتل جنبات ذلك الشارع ، فلمعت في ذاكرتي صورة ملعب "الشريف " الذي كان حتى التسعينيات من القرن المنصرم رابضا مكان ذلك الشارع قبل أن تلتهمه تلك المباني ، كما لاح في خاطري وميض من ذكريات رياضية كان ذلك الملعب مسرحا لها ، وهي ذكريات ما تزال حتى الآن عالقة في ذاكرتي تأبى التجاوز أو النسيان . كان ملعب "الشريف" أو بالأحرى (كامبو دالشريف) قبل أن يتحول إلى عمارات سكنية ذا مكانة وصيت لدى شباب طنجة ،إذ كان محجا أثيرا لهم يرتادونه من كل أزقة المدينة لتفجير طاقاتهم الفنية و إبراز مواهبهم الكروية من خلال مشاركتهم في بطولات كرة القدم لفرق الأحياء وإقصائيات كأس العرش التي كانت تنظم كل سنة والتي كانت تتسم في غالب الأحيان بالإثارة والتشويق . وأذكر أن أرضية ملعب "الشريف" لم تكن في حالة جيدة لممارسة لعبة كرة القدم ، ذلك أنها كانت في بعض جوانبها ترابية وحصوية و في جوانب أخرى رملية كما كانت مائلة إلى حد ما ، وفي بعض أطرافها مطبات وحفر فضلا عن ذلك فإنها لم تكن محاطة بأي سياج . لكن رغم كل ذلك فإن الملعب وبحكم موقعه في قلب المدينة ، فقد كان مقصدا لشباب المدينة المهووسين بالساحرة المستديرة ، كما كانت جنباته تستقطب على مدار اليوم جمهورا من مختلف الشرائح العمرية والفئات الإجتماعية خاصة يومي السبت والأحد . لكن الاستقطاب الأكبر كانت تسجله تلك الجنبات خلال شهر رمضان حيث جرت العادة أن يقام دوري لكرة القدم بمناسبة الشهر الفضيل ، كما جرت العادة أن يحتضن الملعب بموازاة ذلك مقابلات حبية في كرة القدم يشارك فيها تارة قدماء لاعبي المدينة وطورا منتخب الفرق المشاركة في بطولة فرق أحياء المدينة . وأذكر أن حشود المتفرجين كانت تحيط بالملعب إحاطة السوار بالمعصم بعد عصر كل يوم من أيام رمضان ، حتى أن البعض الذي لم يكن يجد لنفسه موطئ قدم ،كان يتسلق بعض الشجيرات أو يصعد فوق ظهر الشاحنات المركونة عند الرصيفين المقابلين للملعب ليتابع المباريات . لقد كان ملعب الشريف مدرسة كروية تخرجت منها العديد من الأسماء اللامعة التي عززت فيما بعد صفوف أندية وطنية وازنة ،كما كان فضاء تجسدت فيه بعض قيم التضامن والتكافل والتآزر بين اللاعبين والجمهور. وأذكر في هذا المجال أنه حينما كان أحد اللاعبين يتعرض لإصابة تتطلب إجراء عملية جراحية ، كان بعض أفراد اللجان المنظمة للبطولات الرياضية يطوفون على جنبات ملعب الشريف لجمع تبرعات الجمهور قصد التكفل بأداء مصاريف العملية. وفي التسعينات من القرن الماضي تربص المستثمرون العقاريون بذلك الملعب وانقضوا عليه ثم غيبوه بغير رجعة ، وبذلك انطوت أوراق حقبة زمنية رياضية متوهجة ، لكن ذكرياتها بقيت راسخة في الوجدان ، نستدعيها بالحنين تارة بالحسرة وطورا ، فنبوح ببعض تفاصيلها التي تخص لاعبين ومدربين ومسيرين أثثوا فضاء ملعب الشريف بعطاءاتهم وإبداعاتهم ، منهم من توارت عنا ذكرياتهم في زحمة الحياة ، ومنهم من ماتزال أسماؤهم وملامحهم تعشش في أذهاننا {tanja24}