الساعة السابعة صباحا و خمس دقائق بتوقيت العاصمة أبوظبي. وكعادتي، كل صباح، أبدأ يومي في العملِ بقهوةٍ مرةٍ حادةٍ و متفرده. أرتشفها برويَّةٍ و مرونةٍ شديدتين، و كأني أريد أن أوقف بذلك لحظة اللَّحظةِ و أنا أتذوقُ طعمها المتطرفَ في مرورته. أستيقظ من تخدير الكافيين المنعش و أدرك أني، و مثل كل صباح، متأخر عن العمل. يبدأ سباقى الأسطوري مع الوقت..أسرع أجري..و أقفز..أنزع ملابسي كما ينزعها السوبرمان في لحظات الإنقاذ الحاسمة، و أرتدي زي العمل كما يرتديه الجندي المستيقظ من نومه على وقع صافرات الإنذار و أزيز الطائرات المرعب. أصعد السلالم مثنى و ثلاث، فأكتشف ما أكتشفه كل صباح وهو أنه ليس هناك ما يستحق الحضور في الوقت تماما، فنزلاء الفندق لا زال جلهم نيام، و المستيقظون منهم حتما سيتكلف بهم الموظفون المعتكفون في مكاتب الإستقبال. أتحرك مكملا مشوار الصباح، فلا صباح بلا قهوة، و لا قهوة بلا قراءة. هذا الصباح بحثت عن صديقي الباكستاني الذي يمدني كل يومٍ برزمة من الصحف الوطنية و الدولية لأتصفحها و أنهل سطورها، لكني علمت فيما بعد أن الرجل قد ألم به طارئ فلم يحظر للعمل هذه الليلة. عزمت أن أحظر الجرائد بنفسي، فأخذت أغني لها و أنا في طريقي إليها: "أيا صحُفُ قد جئت ببابك متواضعا فهلا ترجلت .. و أعطيتني من أخبارك و تكرمتِ...". في الضفة الأخرى وجدت معتكفا من الطراز الثقيل. رضى المراكشي. الفتى الشقي الذي لا تفارق النكت المراكشية لسانه. هناك وجدت ضالتي، فأخذت كل ما استطاعت يداي أن تحمله من صحف وطنية و أخرى دولية، و جلست في أحد المكاتب الخلفية ثم بدأت أتصفح الجرائد الإماراتية التي لا تأخذ مني الوقت الكثير لكي أصل إلى صفحاتها الأخيرة، فقد اعتدت على الإنتقال إلى الصفحات الثقافية و الرياضية دون المرور على الأخبار السياسية التي تختلف و بشكلٍ عميق عن الصحف المغربية. أخبارهم مليئة بالتغني بالنمو الإقتصادي الوطني و الرخاء الذي يعيشه سكان الإمارات، و كذا التغني بإنجازات "البطل" السيسي الذي يقود حملة شرسة على "الإرهابيين" في مصر... فتحت الملحق الثقافي لجريدة الإتحاد الأكثر شعبية في الخليج لأجد صورة أستاذي الدكتور خالد أمين و هي تتربع فوق عناوين الصفحة الأولى. هالني المنظر و بَعثَ فِيَّ قشعريرةً من الإفتخار. نعم، كنت أعرف أنه قد حل مسبقا بالإمارات العربية المتحدة لرئاسة مهرجان المسرح العربي بإمارة الشلرقة، و كنت قد وعدت بزيارته هناك، لكن ظروف العمل حالت دون ذلك. لكني لم أكن أنتظر أن أرى حوارا له في الصفحة الأولى للملحق الثقافي للصحيفة الأكثر انتشارا في الشرق الأوسط. و ما شد انتباهي أكثر هو اللمحة "البسيطة" عن سيرته الذاتية التي تحدثت عن ولادته في مدينة تطوان و عن تدريسه في جامعتها. قرأت الحوار الغني بالنقد و التحليل المشبع و الكافي لأحوال المسرح العربي بصفة خاصة و العالمي بصفة جامعة. كان المُحاور الأستاذ محمود عبد الله يستحضر و بشكلٍ مُرضي إنجازات و إصدارات الدكتور خالد أمين. ولم يترك الصحفي الفرصة تمر دون أن يؤكد أن الدكتور يعتبر من أنشط المتخصصين في الدراما و المسرح على الصعيد العالمي. إلتهمتُ الحوار و أنا أتلذذ بأسلوب الرجل الذي أعرفه جيدا و أعرف أسلوبه عبر كتابين له كنت قد قرأتهم أيام الدراسة بالجامعة رغم أنها كانت مفاجئة سارة بالنسبة لي و لصباحي الهادئ، إلا أن تفكيري الناقد المشاكس أبى إلا أن يعكر صفو السحابة البيضاء و يجعلها غيمة رماديةً قاتمة، و ذلك بأن ذكرني بحال المثقفين و المفكرين و العلماء في وطني، يعيشون الغربة في وطنهم و يتنفسون الحرية في بلاد غيرهم، يعيشون كغيرهم و ينسون بعد موتهم.. أتذكر عندما حدثني الدكتور خالد أمين يوما عن منتدياته و أنشطته الفرجوية بقوله أنه لطالما دفع من ماله الخاص لإنجاح بعض الأعراس و الإحتفاليات الفكرية.. دخل رضى ليوقف شرودي الكئيب و استطرد كعادته: أ باللاتي نعاودليك واحت النكتة يلاه جابتها الطيارة من المغرب...