في وضح النهار أمام أعين الكبار والصغار، وقريبا من سيارة الأمن الوطني التي تحمي مبنى قنصلية فرنسا، ترى ما يخدش الحياء، جثث بعض الفتيات تتمايل بلباس بائعات الهوى بسبب الخمر و"القرقوبي" والحشيش بجانب ذلك المقهى المشبوه في قلب طنجة، أمام استغراب المارة وامتعاضهم وأمام السياح الأجانب واندهاشهم. واجهة طنجة تتعرض للتدنيس.لقد أضحى "سُور المَعْكازين" مرتعا للصوص والعاهرات والسكيرين وأصحاب المخدرات وكذا المتشردين وأطفال الشوارع الذين ينامون فوق عشب الحديقة ليل نهار. فبينما كانت مدينة طنجة مدينة دولية أصبحت للأسف مدينة العبور إلى الضفة الأخرى يتشرد فيها كل من ينوي الهجرة عبر بوابتها، ولم يعد أحد يهتم لحالها، ولم تعد إلا كمنطقة صناعية مليئة بالعمال لا يكترثون لنظافتها وسمعتها بقدر ما يبالون بالبحث فيها عن العمل، وحتى بعض أبنائها الذين ولدوا وتربوا على أراضيها وأصبحوا جزءا من تاريخها لم يعودوا يبالون بنظافتها وسمعتها من المخدرات والدعارة والفساد، لذا تراهم يفضلون الهرب إلى الخارج بحجة أنه لم يعد بإمكانهم العثور على العمل أمام الأعداد الهائلة التي تُوفد على المدينة من كل جهة من المغرب. ماذا قدمت لنا طنجة؟ هذا هو السؤال الذي يسأله الشباب "الطنجاوي" ويجيب على نفسه قائلا: "لا خدمة، لا سكن، لا قرَايَة، طنجة كتعطي هِنبَرّانِي" (بلا عنصرية طبعا). هذه هي الفكرة التي يتعامل بها بعض شبابنا مع مدينة طنجة، بسلبية وعدم مسؤولية، أما المجلس البلدي فلم يفلح بعد في حل أزمته الداخلية ليتوافق ويحصل على انسجام الأغلبية يكون في صالح المدينة وليس لصالح الحسابات الضيقة الشخصية والحزبية والانتخابية أيضا لبعض الأحزاب. أين هي الإرادة الحقيقية وأين هي الإدارة الجيدة؟ مدينة طنجة أصبحت اليوم بمثابة رهينة في أيدي أناس لا يعرفون قيمتها التاريخية ولا الحضارية ولا الاقتصادية ولا الثقافية ولا السياحية أيضا، مدينة طنجة في حاجة اليوم إلى أناس غيورين ينقذونها من حالتها المزرية التي تتخبط فيها منذ زمن، ولن تنهض من حالة الفوضى هذه إلا إذا تضافرت الجهود بين السلطة المحلية والمنتخبين و بين كل المكونات الاجتماعية لساكني مدينة طنجة، سواء أبنائها البارين أو الوافدين عليها من أجل العمل، لأن الفاعل السياسي لا معنى له بدون وجود فاعل اجتماعي إلى جانبه. وأمام هذا الاختلاط وهذا الاكتظاظ السكاني الهائل بالمدينة، يغيب الحرز الأمني، والسهر على سلامة المواطن أخلاقيا من الانحراف وجسديا من الضرب والجرح، فكم من أشخاص تعرضوا للسرقة وكانوا على وشك التعرض لعاهة مستديمة أيضا لولا ألطاف الله، فهذا صديق لي كان يرسل رسالة قصيرة عبر هاتفه الجوال جالسا فوق أحد الكراسي بسُور "المعكازين" وإذا باثنين من اللصوص يخطفون هاتفه النقال من يده ويلوذان بالفرار، ولم يكن صديقي من العاجزين فركض ورائهما وعندما لحق بأحدهما كاد اللص أن يشوه وجهه بالسكين، فما كان له إلا أن ركض فرارا، لذا نطالب بوجود في كل النقط السوداء وكل المواقع السياحية رجال أمن بصفة دائمة على مدار24ساعة تماما كما في المواقع الحساسة التي تخص الأجانب مثل القنصليات وغيرها، كما نريد حضورا علنيا للشرطة ليس بصفة سرية ولكن باللباس الرسمي للشرطة حتى يَهاب المنحرفين واللصوص، وليس هذا فقط، بل أن يتم التوقيف والتأكد من الهويات حتى نستبق وقوع الجرائم، فالوقاية خير من العلاج.