تعودنا أن نرى الفنانين و هم يختلفون عن الناس في مظاهر كثيرة. كما تعودنا أن نسمع منهم كلاما نفهمه أحيانا، و نقابله بعلامات استفهام و تعجب و عقد الحاجبين أحيانا أخرى، و الأمر كله نُدخله في إطار الفن، الذي يحول صاحبه إلى أيقونة تختلف عن نظيراتها من الأيقونات الحية التي تمشي على قدمين أو ساقين، و نتفهم وضع الفنان الذي لا نُطبق عليه قاعدة خالف تعرف، باعتبار أنه لا يبالي بملاحظات من حوله في ما يخص تصرفاته، بما لديه من نظرة مختلفة للدنيا عن تلك التي عند عامة الناس ، و له فلسفة خاصة في الحياة، تجعله رافضا لكل العبارات المقيدة للحريات من قبيل " عيب" و "حشومة" و " ممنوع"، فيكون بذلك رمزا من رموز التمرد على كل ما يرتبط بالتقاليد و العادات، و يصير محط انتقاذ البعض ممن يوصفون بالمحافظين، في حين يعتبره عدد من المدافعين عن الحداثة و الحريات الفردية قدوة يحتدى بهه، لدفاعه المستميت عن حق حرية التصرف و احترامها من الطرف الآخر، من منطلق أن كل واحد حر في تصرفاته، و هذا أمر متفق عليه طبعاً ، رغم بعض الأحداث التي ربما تدخل في نطاق استفزاز مشاعر الآخر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدين أو الوطن، كمداخلة عبد الصمد الديالمي- أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط - في ندوة من ندوات جامعة المعتمد بن عباد الصيفية، و التي طالب فيها بالعمل على "إنتاج" إسلام حداثي يحقق أهداف المساوات بين الرجل و المرأة، و كأن الإسلام منتوج بشري بمواصفات معينة، تأخذ بعين الاعتبار عاملي الزمان و المكان، و توجهات المفكرين و متطلباتهم حسب العصر، وفق مقاييس خاصة، تناسب حال و أحوال عباقرة هذا الزمان، من المدافعين من فوق منابر العلم و المعرفة، على ضرب كل فكر يخالف رغبتهم في التحرر مما يعتبرونه قيدا لنزواتهم و رغباتهم اللا محدودة، في حين يراها الآخرون صونا لأمة اختارت أن تكون محافظة، دون أن يمنعها ذلك من مواكبة التطورات. معتبرا بعض النصوص القرآنية مجحفة في حق المرأة، كتلك التي تنص عل أن للرجل مثل حظ الأنثيين، و مشدداً على ضرورة تأويلها تأويلا يمكن معه تحقيق المساواة بين الجنسين. و هي التصريحات التي أحدثت نقاشات واسعة في صفوف المتتبعين، الذين فظل كثير منهم عدم متابعة المداخلة لما حملته بين كلماتها من استفزاز واضح لمشاعرهم، و هجوما متعمدا على نصوص مقدسة. وكتلك الوقائع التي حدثت و لا زالت تحدث، وكانت آخرها قضية الصحفي الغزيوي و رجل الدين النهاري، و التي فتحت نقاشات على مستويات عدة، تداخلت فيها كل المفاهيم، و تباينت الآراء، حتى وصل الأمر إلى اتهامات بالديوثية و التحريض على الفساد من لجهة، و بالتطرف و الإرهاب باسم الدين لجهة أخرى، في واقعة لم تكن لتصل إلى مستوى الانتشار الذي وصلته، لولا تدخل قطب من أقطاب الإعلام العمومي، و تسليطه الضوء من جانب دون غيره، في واحدة من أغرب التدخلات الإعلامية لتلفزة عمومية. و لا شك أن هذا الاختلاف الذي يحرص الفنانون و المبدعون على التميز به يخدم انتشارهم أحياناً، كما يؤثر و يقلل من لمعان نجوميتهم، و لا زال الشارع المغربي يتذكر الهجمة الإعلامية على الممثلة المغربية لطيفة أحرار من جانب، و على منتقديها أيضاً من جانب آخر، بعد المشهد الذي ظهرت فيه على خشبة المسرح و هي ترتدي لباس السباحة - حتى لا نُضخم الأمور و نقول: الملابس الداخلية-، ثم الظهور المتعمد أو الغير متعمد لها فوق البساط الذهبي لمهرجان السينما بمراكش، و قد كشفت أو اكتشف المتفرجون فخذيها و هي عارية حتى أعلى مستوى، و هي الحادثة التي أسالت مداداً كثيراً، و تطاير بسببها لعاب كثيف من أفواه المنددين بتصرفاتها، و المؤيدين لها من دعاة التحرر و الحريات الفردية على حدٍ سواء، لكن الذي لم ينتبه له العديدون، أن هذه الحادثة و الضجة الكبرى التي صاحبتها، خدمت لطيفة أحرار كثيراً من حيث أراد أصحابها الإساءة لها، و منحتها انتشارا و اهتماما إعلاميا داخل و خارج أرض الوطن، لم تكن لتحققة و لو صرفت عليه أموالا باهضة، و هذا هو الاختلاف الذي يخدم صاحبه و يميزه عن باقي خلق الله. و بالمقابل، يتمادى البعض في اعتماد هذا الاختلاف بشكل غريب و مرفوض، و إلى مستوى يصير به محط انتقادات عديدة، و لو كانت شخصيته محبوبة إلى أبعد حد، لأن تشبثه بمفهوم حرية التصرف، تجعله يرتكب حماقات يراها البعض مسيئة لهم، و مستفزة لمشاعرهم، و هذا بالضبط ما حصل منذ ايام، و في أحد أفخم فنادق المدينة، و خلال لقاء مفتوح مع مختلف الفعاليات بما فيها رجال الإعلام، من شخص كنا نكن له كل الاحترام و التقدير، للمستوى الفكري و الثقافي الذي كان يمتاز به، قبل أن يأخذ و أمام الملأ كوبا فارغا، و يتبول فيه – أعزكم الله- تحت الطاولة التي كان يتبوأ فيه مكانة المحتفى به، وسط حشد من الناس، ثم يضع الكوب مملوءاً بما جادت به مثانته من قاذورات فوق الطاولة، و على مرآى الجميع، قبل أن يحمله أبن له و يلقي به أو يفرغه في مكانه المفترض. هذه الواقعة التي لم أستطع لحد الآن تصنيفها لا في خانة حرية التصرف، و لا في خانة المضطر الذي خانته صحته، و لا في خانة العبقري الذي يصدر عنه من التصرفات ما لا يفهمه غيره من الناس، و رغم محاولة قرائتنا للحادث من أبواب مختلفة، رغبة منا في التخفيف من وقع الصدمة التي أحدثها هذا التصرف من ذاك العبقري المسرحي... إلا أنني و بكل صراحة، لم أتقبل أيا من تلك المبررات التي كانت تُلقَى على مسامعي، و لم أستسغ الأمر رغم اقتناعي بأن الشخص يعاني من علة، لا لشئ، سوى لأنني مقتنع تماما بما يقوله العامة من كون أولنا عيال، و آخرنا عيال، و إذا كنا في أولنا نحمي من حولنا من شر ما يلقيه جسمنا من نجاسات باستعمال الحفاظات، فلا باس أن نستعملهم في آخرنا ما دمنا غير قادرين على التحكم في رغباتنا الخبيثة. تذكرت و أنا أحاول استفهام الأمر عبارة قِيلت في مسرحية "المقامات" للفنان "الطيب الصديقي" المُكَرَّم والمُحتفَى به و بما جاد به على المُكرمين له، و على لسان الفنان المحبوب نور "الدين بكر" و التي تقول «اعطني لحم الكَتِفَ حتى أزور الكَنِيفَ» و يبدو أن ما يروج عن مدينة طنجة من غياب للكوانيف العمومية، و اضطرار البعض إلى التبول على الأشجار و الحيطان كالأغنام، أثرت كثيرا في شيخ المسرحيين المغاربة، و جعلته على اقتناع بعدم جدوى البحث عن مرحاض يفرغ فبه ما بأحشائه، و ربما نسي أنه في فندق مراحيضه أنقى من غرف النوم عند العديد من المختلفين عن الناس، أو ربما صارت طنجة في عهد هذا الاختلاف الغريب و الشاذ مرحاضا كبيرا يتبول فيه كل من هب و دب. هذا ليس بسؤال أترك لكم الإجابة عنه، بل هو فهمي المتواضع للأمر الذي لن أختلف فيه من نفسي، رغم الاختلاف المتوقع للبعض معي.