يصادف اليوم، ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة التي جسدت التلاحم القوي بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي في مواجهة الإستعمار سنة 1953. وها نحن اليوم نرى ثورة الملك والشعب بصورة جديدة متجددة في شتى المجالات في ظل العهد الجديد تحت القيادة الرشيدة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. منذ إعتلاء جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره عرش أسلافه المنعمين أطلق أوراشا كبرى جعلت المغرب في مصاف الدول المتقدمة وضمن القوى العالمية الكبرى، فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وسنحاول ذكر هذه الأوراش من خلال ما يلي : * "في المجال الإجتماعي" : تنزيلا للرؤية الملكية السديدة تم إحداث قفزة نوعية في المجال الإجتماعي لضمان العيش الكريم للمواطن عبر إطلاق مجموعة من البرامج والسياسات العمومية الإجتماعية، نذكر منها: + إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتاريخ 18 ماي 2005 عرفت ثلاثة نسخ (2005/2010-2011/2018-2019/2023) واستطاعت هذه المبادرة الملكية السامية بالنهوض بالأوضاع الإجتماعية وخلق فرص الشغل وتأهيل البنيات التحتية، بناء ملاعب القرب، والمكتبات، ودار الأمومة، تزويد العالم القروي بالماء والكهرباء… إلخ ؛ + إحداث صندوق التكافل العائلي، الذي يهدف لصون كرامة المرأة والطفولة ؛ + إطلاق برنامج مليون محفظة، وبرنامج تيسير، الهدف من كل هذا محاربة الهدر المدرسي، وضمان الحق في التعليم ؛ + إصلاح صندوق المقاصة بهدف ضمان القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين ؛ + إصلاح أنظمة التقاعد، والتي تهدف بالدرجة الأولى لضمان عيش كريم للمتقاعدين ؛ + إطلاق برامج إجتماعية في إطار الشراكة مع القطاع الخاص وتنزيلا للتعليمات الملكية السامية (خطابي افتتاح البرلمان 2019 و2022) من خلال دعم خلق المقاولات الصغرى والمتوسطة، كبرنامج فرصة، وانطلاقة ؛ + إطلاق برنامج أوراش الذي يخلق مناصب الشغل وما يميز هذا البرنامج أنه لا يقتصر فقط على المواطنين بل حتى الأجانب الذين يقيمون بالمغرب بطرق قانونية تنفيذا للتعليمات الملكية السامية وتماشيا مع نص الدستور الجديد وكذا الإتفاقيات الدولية ؛ + إطلاق ورش الحماية الإجتماعية تماشيا مع خطاب افتتاح البرلمان 2020 وتنزيلا للقانون الإطار 09.21 ؛ + برامج إجتماعية لمواجهة الظروف الصعبة كبرنامج دعم الفلاحين لمواجهة آثار الجفاف، وبرامج الدعم الموجهة لقطاع النقل لمواجهة تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات على إثر الحرب الروسية الأوكرانية، تخصيص ميزانية مهمة لضمان تزويد الأسواق بالمواد الأساسية وضخ ميزانية أكثر من 32 مليار درهم في صندوق المقاصة (حسب ما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2022) للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ولمواجهة غلاء الأسعار نتيجة الأزمة العالمية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الدولة المغربية دولة إجتماعية بإمتياز ؛ + إصلاح القطاع الصحي من خلال القانون الإطار 06.22 لتنزيل أحد مرتكزات ورش الحماية الإجتماعية (التأمين الإجباري الأساسي عن المرض AMO) ومن مرتكزات هذا الإصلاح: (تثمين الموارد البشرية، تأهيل العرض الصحي، الإعتماد على النظام المعلوماتي، الحكامة الجيدة) ؛ + إطلاق ورش مدن بدون صفيح لضمان السكن اللائق للمواطنات والمواطنين ؛ + إطلاق ورش مدن المهن والكفاءات لتطوير التكوين المهني وجعله يناسب متطلبات سوق الشغل. * "في المجال الإقتصادي" : نذكر ما يلي: + إحداث المراكز الجهوية للاستثمار تنزيلا للرسالة الملكية السامية سنة 2002 كما تم إصلاح هذه المراكز تنزيلا لخطاب العرش المجيد 2018 حيث صدر القانون 47.18، ساهمت هذه المراكز في جلب الإستثمار مما رفع من نسبة النمو الإقتصادي عن طريق خلق المقاولات، كما أن دورها لم يقتصر فقط على الجانب الإقتصادي بل شمل أيضا الجانب الإجتماعي من خلال خلق فرص الشغل ؛ + إطلاق برنامج الإقلاع الصناعي وبرنامج تسريع التنمية الصناعية، كما نلاحظ احتضان الدولة ودعمها لجميع الصناعات المغربية وهذا ما رأيناه هذه السنة، حيث استقبل جلالة الملك حفظه الله ورعاه شابين مغربيين وذكرهما في خطاب العرش المجيد 2023 ؛ + إطلاق مخطط المغرب الأخضر ؛ + الإهتمام بالطاقات المتجددة من خلال إطلاق مخطط المغرب الأصفر من خلال الإهتمام بالطاقة الشمسية والريحية، وها نحن اليوم نرى الإهتمام بالهيدروجين الأخضر كما جاء في خطاب العرش 2023، فالمغرب ينفذ أهداف التنمية المستدامة، ويجعل المحافظة على البيئة في صلب أولوياته ؛ + إطلاق مخطط المغرب الأزرق، وها نحن اليوم نرى السياحة المغربية أصبحت تحتل مكانة عالمية، وذات إشعاع قاري ودولي؛ + إصدار قانون الإطار 03.22 المتعلق بميثاق الإستثمار الذي يشجع المقاولات المغربية ويخلق جو محفز وجذاب للإستثمار الأجنبي بالمغرب، كما يشجع علامة "صنع بالمغرب"، ونحن اليوم نرى أن الصناعة المغربية أصبحت عالمية كصناعة السيارات والنسيج والمواد الكهربائية والإلكترونية وصناعة الطائرات، بل أكثر من ذلك نرى أن المغرب تنفيذا للتعليمات الملكية السامية دخل في مجال التصنيع العسكري ؛ + إطلاق قطار فائق السرعة TGV. * "في المجال الدستوري" : عرف العهد الجديد دستورا جديدا سنة 2011 وأُطلق عليه بإسم دستور الحقوق والحريات نظرا لما تضمنه من مستجدات على المستوى الحقوقي، وتخصيصه بابا كاملا للحديث عنها وهو الباب الثاني، فالمغرب يعرف مسارا حقوقيا متميزا، ويشكل محطة ثقة دولية ونحن نرى انتخابه السنة الماضية بالأغلبية المطلقة في الدور الأول بمجلس حقوق الإنسان الأممي، كما أن الدستور الجديد كرس لمفهوم الدولة الإجتماعية ؛ * "في المجال السياسي" : تنفيذا للتعليمات الملكية السامية تم إصلاح الأحزاب السياسية وجعلها قوة فاعلة في صناعة السياسات العمومية من خلال القانون التنظيمي 29.11، وتماشيا مع خطاب العرش المجيد 2018 وكذا خطاب افتتاح البرلمان 2018، كما أنه في إطار المقاربة التشاركية التي اعتمدها المغرب تنفيذا للخطاب الملكي السامي بتاريخ 12 أكتوبر 1999 المتعلق بالمفهوم الجديد للسلطة، تم إعطاء صلاحيات واسعة للمجتمع المدني وجعله قوة اقتراحية في صناعة السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، كما تم إصدار القانون التنظيمي 44.14 والقانون التنظيمي 64.14 تماشيا مع الفصلين 14 و15 من دستور 2011. إن ثورة الملك والشعب في العهد الجديد لم تقتصر على الأوراش الداخلية بل شملت أيضا الجانب الخارجي من خلال ما يلي: *" الجانب الديبلوماسي" : يمكن القول أن الديبلوماسية المغربية الناعمة حققت إنجازات تاريخية وانتصارات متتالية في قضية وحدتنا الترابية، حيث أن العديد من الدول العربية والإفريقية(شكلت عودة المغرب للإتحاد الإفريقي سنة 2017 ضربة قاضية لأعداء وحدتنا الترابية حيث تم القضاء على الأطروحة الإنفصالية) والأوروبية(إسبانيا، ألمانيا، هولندا… إلخ) والأمريكية اللاتينية(أمريكا الجنوبية) تعترف بمبادرة الحكم الذاتي وفتحت قنصلياتها بمدينتي الداخلة والعيون المغربيتين، دون أن ننسى الإعتراف التاريخي للولايات المتحدةالأمريكية بمغربية الصحراء سنة 2020 وقرارها بفتح القنصلية ، وما شاهدناه هذه السنة الإعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء وقرار دولة إسرائيل بفتح القنصلية بمدينة الداخلة المغربية. وختاما، إن المغرب ظل متمسكا بروح ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة من خلال إطلاق أوراش داخلية مهمة همت جميع الميادين الإقتصادية والإجتماعية والبيئية والثقافية ،كما اعتمد على ديبلوماسية قوية في الدفاع عن الوحدة الترابية، ديبلوماسية العمل الجاد والفعالية والنجاعة، كل هذا جعل منه قوة إقليمية ودولية وسنختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة سنة 2021 حيث قال جلالة الملك نصره الله وأيده :" إذا كانت ثورة الملك والشعب، قد شكلت منعطفا تاريخيا، في طريق حرية المغرب واستقلاله؛ فإننا اليوم، أمام مرحلة جديدة، تتطلب الالتزام بروح الوطنية الحقة، لرفع التحديات الداخلية والخارجية."