عاشت طنجة لقرون طويلة داخل اسوارها المحيطة بها، ولم تعرف نموا ديموغرافيا وعمرانيا سوى داخل هذا المجال، ولم يتغير هذا الحال إلا بعد بداية توافد الاجانب الاوروبيين على المدينة، سواء التجار أو العاملين في الاسلاك الديبلوماسية، في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر. لكن رغم هذا التوافد الأجنبي الذي عرفته طنجة تدريجيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلا أن المد العمراني خارج أسوار المدينة بمظاهره الاوروبية العصرية لم يستفحل وينتشر حتى استهل القرن العشرون سنواته الاولى، حيث بدأت طنجة منذ ذلك الحين مرحلة جديدة في جغرافيتها وديموغرافيتها. في هذا الموضوع من سلسلة حديث الصورة، ندرج صورة نادرة من صنف الصور البانورامية التي تم التقاطها لمدينة طنجة من طرف المصور الفوتوغرافي "أنطونيو كافييا" الذي جاء ذكره وسيرته في الحلقة الرابعة، وهي الصورة التي يُعتقد أنها من أولى الصور البانورامية التي تم التقاطها لطنجة في أواخر القرن التاسع عشر. وفيما يخص تاريخ التقاط هذه الصورة فإنه من المرجح أن تكون في سنة في 1890، حيث بدأ أنطونيو كافييا في هذه الفترة بدء التقاط الصور وتركيبها على شكل بانورامي لمدينة طنجة، حيث أن التدقيق في هذه الصورة في المنتصف يظهر أنها صورتان تم تركيبهما لإعطاء منظر بانورامي يظهر طنجة من أقصاها الشرقي إلى اقصاها الغربي من جهة الساحل. وفي قراءة لهذه الصورة البانورامية، تظهر طنجة محاطة بأسوارها، وجل عمرانها يتواجد داخل هذه الاسوار، فيما المحيط الخارجي كان في غالبه الأعم مجرد مناطق خالية تكثر فيها الاشجار والنبات، خاصة في خليج طنجة من الجهة الشرقية. وكان المؤرخ والكاتب الفرنسي "ألبيرت كوازن" الذي زار طنجة بعد سنوات قليلة من تاريخ التقاط هذه الصورة، وبالضبط سنة 1898، تحدث في كتابه الذي أصدره بعد زيارته بعنوان "Tanger"، أن عدد سكان طنجة في أواخر القرن التاسع عشر كان لا يتعدى 40 ألفا، نصفهم مغاربة، و 10 ألف من اليهود وأزيد من 4 الاف اسباني والباقي يمثلون جنسيات أجنبية أخرى. وتعتبر هذه الصورة وثيقة تؤرخ لمدينة طنجة في سنواتها الاخيرة قبل انطلاق المد العمراني خارج أسوارها العتيقة، حيث بدأت مظاهر العصرنة العمرانية بعد سنوات قليلة في الظهور، مع بناء فندق سيسيل بخليج طنجة ابتداء من سنة 1895، ثم مباني "رتشاوسن" الشهيرة قرب سور الميناء من الجهة الشرقية، مع بداية القرن العشرين. ومرة أخرى يعود الفضل للمصور الفوتوغرافي أنطونيو كافييا الذي ترك أرشيفا هاما من الصور التاريخية تؤرخ لمدينة طنجة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ورصد مختلف التغيرات التي عرفتها المدينة. كما تجدر الاشارة إلى أن هذه ليست الصورة البانورامية الوحيدة التي أنجزها انطونيو كافيا لمدينة طنجة، حيث أنجز صورة بانورامية أخرى تظهر طنجة من جهة السوق البراني وكافة أسوارها الخلفية مركبة من أربع صور في بداية سنة 1890.