يقدم متحف بنك المغرب بالرباط، لأول مرة، صور الفنان الفوتوغرافي غبريال فيير والتي اختار لها عنوان "في حميمية المغرب". المعرض يقدم لزواره مجموعة من الصور التي تؤرخ لحقبة زمنية عن مغرب بدايات القرن الماضي والتي أضحت اليوم ذاكرة موثقة بصريا لذاك النوع من الفوتوغرافية الكولونيالية، فسواء تعلق الأمر بصور بالأبيض والأسود أو صور ملونة يبقى الخيط الناظم هو رصد مشاهد من المعيش اليومي لأشخاص في علاقتهم بالمحيط والمكان0 غابرييل الذي جاء إلى المغرب سنة 1901 لتعليم الفوتوغرافية والسينما للسلطان مولاي عبد العزيز تعلق بالمغرب فمكث بها طوال حياته حتى وافته المنية سنة 1936. فخلال 35 سنة من حياته أنتج فيير صورا لمشاهد يومية عبر السفر لعدة مدن كالدار البيضاء، طنجة، الجديدة، الرباط، وجدة، مكناس، مراكش وآسفي مرتكزا على تقنيات كالمجسد ب"الستيريوسكوبي". إنها التقنية التي كانت رائجة في نهاية القرن التاسع عشر وذلك عن طريق التقاط صورتين في آن واحد بواسطة عدستين متباعدتين بعد المسافة التي تفرق العينين، فالرائي لمعرض فيير يرى بشكل جلي أن أغلبية الصور للسلطان المولى عبد العزيز أخذت بهذه الطريقة 0 من جانب آخر نجد التصوير بالألوان أو ما يعرف بالأطوكروم، ويعود الفضل في ذلك إلى فيير الذي تمكن من تثبيت الألوان المغربية على لوحة الأطوكروم سنة 1908. قوة صور فيير لا تنحصر فقط في جمالية الهندسة أو في شفافية الألوان بل تبرز أساسا في صدق النظرة المتبادلة مع البلد المضيف عبر تسخيرعدسة آلته لتوثيق جزء من الذاكرة الفردية والجماعية للمغرب الذي كان آنذاك من أهم الثغور الاستراتيجية في فضاء متعدد الثقافات. فكل صورة فوتوغرافية هي من حيث طبيعتها تاريخ" كما يقول ميشيل فريزو0. بعرض هذه الصور بالمغرب تكون أمنية فيير قد تحققت أخيرا وعادت صوره الفوتوغرافية لمكانها الأم، فالتساؤل حول النظرة التي يحملها كل واحد عن مغرب بدايات القرن الماضي هاهي اليوم مجسدة بعدسة فيير فالذاكرة لا تنسى00 تجدر الإشارة إلى أن غبريال المزداد سنة 1895 بفرنسا حصل على ديبلوم في مجال الصيدلة من جامعة ليون سنة 1895، واشتغل بعد ذلك مديرا للتصوير للأخوين لوميير وكان أول مصور وسينمائي لسلطان المغرب مولاي عبد العزيز ليحصل على وسام من درجة ضابط سنة 1932، وبعد حياة حافلة بالمغرب سينجز روبرطاجا فوتوغرافيا بالألوان سنة 1934، وبعد سنتين ستوافيه المنية سنة 1936 بالدار البيضاء ليترك إرثا فوتوغرافيا عنوانه قصة شغف فن التصوير للمغرب: نبش في ذاكرة الماضي. هذا الماضي الذي لم يكن بالكاد أن يغدو اليوم حاضرا لولا فيير الذي قضى جل حياته متنقلا بين المدن المغربية باحثا في مكنونات كل مدينة على حدة ما بين أسوار بعضها وأبوابها الشامخة التي تحكي تاريخ ذلك الزمن إبان الفترة الاستعمارية، فالصورة الفوتوغرافية تختزل جزء امن تاريخ تحمل في ثناياها زمنا لحظيا كان من الماضي.