استقطبت مدينة طنجة طوال تاريخها كتابا ورسامين وفنانين من مختلف المجالات، وعندما تم اختراع الكاميرا في بدايات القرن التاسع عشر، لم تمضي إلا سنوات قليلة حتى بدأت أفواج المصورين تفد على طنجة لإلتقاط بوضوح أكثر، ما لم تستطع الكتب وصفه ولا الريشة رسمه. وفي بحث قامت به "طنجة 24" على الانترنت، لتتبع أثر أولى الصور النادرة والقيمة التي التقطت لطنجة في اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تم العثور على عدد من الصور الهامة التي تعد بحق وثائق تاريخية يتوجب إعطائها اهتماما خاصا عند كل بحث تاريخي يتعلق بالمدينة. وفي أول صورة من هذه السلسلة، نبدأ بهذه الصورة المرفوقة مع النص، التي يُرجح بشكل قوي أنها هي أول صورة فوتوغرافية اُلتقطت لطنجة بعد اختراع ألة التصوير "الكاميرا"، حيث لم نعثر على أي صورة اخرى تسبقها في الزمن خلال بحث مطول على الانترنت، مع الإشارة أن البحث طال المصادر الموجودة على الانترنت فقط. التقط هذه الصورة مصور فرنسي يدعى "جون بابتيست ألاري" (Jean-Baptiste Alary) سنة 1859م، وقد ظهرت نسخة منها مرسومة على صفحات جريدة فرنسية تدعى "Le monde Illustré" في 24 شتنبر 1859 مرفوقة بتعريف جاء فيه " منظر طنجة من جانب أرضي ليوم السوق العربي وفق صورة مرسلة من طرف السيد ألاري، مصور في الجزائر". وحسب السيرة الذاتية لمصور هذه الصورة، فهو فرنسي انتقل للعيش في الجزائر العاصمة سنة 1847 ابان الاستعمار الفرنسي للجزائر، وقد ظل هناك إلى أن توفي سنة 1889، وهو من أوائل المصورين الفرنسيين الذين تركوا أرشيفا هاما من الصور عن الجزائر والجزائريين في أواخر القرن التاسع عشر. وتقول سيرة هذا المصور، أنه في سنة 1859، قام بعدد من الرحلات في شمال افريقيا، نحو تونس والمغرب، ويُرجح هنا، أنه خلال هذه الفترة دخل طنجة، وألتقط بها هذه الصورة النادرة سنة 1859، قبل أن يعمل على ارسالها إلى جريدة "لو موند إلوستري" بعد عودته إلى الجزائر. وفي قراءة لهذه الصورة النادرة، فإن المنظر يُظهر تجمعا للناس في السوق البراني، وهو ما يعني أن اليوم كان يوم السوق وفق ما أكده التعريف فوق، حيث يظهر عدد من الدواب والمواشي قرب أبواب طنجة وبجوار ضريح سيدي بوعراقية، بالاضافة إلى خيم صغيرة كان ينصبها الباعة لعرض منتوجاتهم. ويبدو واضحا من الصورة، قلة البنايات السكنية حيث تطغى على المشهد الاسوار التي تحيط بالمدينة ومسجد الجامع الكبير، ما يشير إلى أن طنجة كانت لا تزال في هذه الفترة مجرد بلدة صغيرة، وهذا ما يفسر انتشار مصطلح "البلدة" في مختلف المؤلفات التاريخية لكتاب ومؤرخين أجانب زاروا طنجة في هذه الفترة وبعدها. كما تظهر بعض الاسوار في حالة متآكلة قد تكون من الاثر الباقية للقصف الفرنسي العنيف لطنجة في غشت 1844. وهو نفس التهديد الذي كان يتهدد طنجة في هذه الفترة (1859) من طرف الاسطول الاسباني بعد توتر العلاقات المغربية الاسبانية التي أدت إلى نشوب حرب تطوان في أكتوبر 1859، وتهديد اسبانيا بقصف طنجة. وفي المجمل، فإن هذه الصورة تعد وثيقة تاريخية هامة تظهر جانبا من المدينة وحالتها المعمارية قبل التحولات الكثيرة التي ستعرفها بعد سنوات قليلة، خاصة في هذه المنطقة المتعلقة بالسواقي البراني والاسوار الخلفية وباب الفحص.