خلال شهر رمضان المبارك، تعيد جريدة طنجة 24 الإلكترونية، إعادة نشر فصول العمل الروائي المتميز، للكاتب الطنجاوي يوسف شبعة حضري. للحياة في المدينة القديمة سحر خاص، ونعم شتى ونقم بنفس الحجم. من نعم العيش في المدينة القديمة أن تجد نفسك أحيانا في مجلس مع أمهر الذاكرين والمبتهلين والمادحين هذا في المساء، أما في الصباح فتجد نفسك في حلقة من عتاة المجرمين واللصوص . والغريب في أمر المجرمين، أن معظمهم دخلوا الحرفة بدون نية مسبقة. وإنما قادتهم إليها دروب ومتاهات هذه المدينة. لذا تجد من هؤلاء من هو سليل أسفل العائلات وأسفهها في السلم الاجتماعي، ومنهم من هو سليل أعيان القوم وعليته. كانت لهؤلاء المجرمين حيل ومهارات لجمع المال. فمن بين الحيل المتوارثة بين المجرمين أبا عن جد، السعي إلى تكوين فريق الحي لكرة القدم والدفع بالمنخرطين إلى دروب التسول الشريف "عونا في الكيبو". حيث كان يعمد " الرامبو" كما كنا نسميه في الحومة آنذاك إلى حشد مجموعة من الأطفال وأنا منهم طبعا، لاستمالة المارة على مساعدتنا كل حسب أريحيته، بدرهم أو نصف درهم لشراء أقمصة رياضية وكرة، بحجة تنظيم دوري لكرة القدم. كان "الرامبو" رغم سلوكه الإجرامي يخصص جزءا من المداخل المتحصل عليها من عملية التسول الرياضي لنزواته الشخصية: حشيش وتبغ ، ورق للف التبغ وقنينات "سربيسا"، الجعة. أما الجزء المتبقي من مداخيل التسول: "عونا في اْلكيبو" فكان يستثمره في الدوري، حيث يتم توزيع المصاريف حسب مكانة الفرد وحجم أدواره في هذه العصابة الصغيرة. فللحكم الذي يسهر على سير المقابلات طوال الدوري نصيب كبير، وللمسؤول عن البقعة الأرضية التي تتحول إلى ملعب نصيب أقل منه، وغالبا ما كان إما "جانكيا" أو مسخوط الوالدين أو شيئا من هذا القبيل، ونصيب آخر لشراء الكأس الفضية التي في غالب الظن ما كانت تسرق من جوطية سيدي بوعبيد. كان الحكم من أقرب المقربين إلى "الرامبو" ويده اليمنى في السرقة الموصوفة وغير الموصوفة. ومن المفارقات أن الدوري كان يطلق عليه دائما اسم "دوري الصداقة". فحتى أعتى المجرمين أحيانا ترق قلوبهم ويتحلون بأنبل القيم الإنسانية. وبما أنني كنت يتيما فقد كانت لدي عند الرامبو حظوة خاصة. فدائما ما كنت أخرج من الدوري بجائزة أحسن لاعب أو أحسن هداف. لكن الرامبو بطبعه الجشع كان لا يمل من البحث عن كل الوسائل لجمع المال في كل حركاته وسكناته. ومن مهارات جمع المال لدى الرامبو أيضا تكليف الحكم بتوزيع البطاقات الصفراء والحمراء على اللاعبين بكرم حاتمي، أثناء أطوار الدوري. بحيث كان يفوق عدد البطاقات عدد الأهداف في كل دوري. وفي حال وجه الحكم للاعب بطاقة حمراء، فهذا يعني أنه محروم من المشاركة في المقابلة المقبلة. ولا سبيل إلى تراجع الحكم عن قرار الطرد والمنع من اللعب إلا بالتفاوض مع "الرامبو"، الذي كان لا يسمح برفع العقوبة من أجل المشاركة في المقابلة المقبلة إلا بعشرة دراهم، تدس في جيبه خفية من أعين صديقه الحكم. وكثيرا ما كان الدوري لا ينتهي بسبب الرامبو الذي كان يكبر كرشه ليبتلع صديقه "عمو" الحكم، فينقطع حبل الود بينهما وينفض الجمع.