ما كنت لأزور طنجة لولا وفاة والدتي تقول "كارمن" الكطالونية الأصل... سمعت الكثير عن طنجة، وشاهدت من البرامج عنها بالقنوات الاسبانية حتى لم أعد أذكر بالضبط كم شاهدت، ربما أكثر من ستة برامج أو زد على ذلك، بل قرأت عنها في الخبز الحافي لشكري، عرفت سوق الداخل وسوق البراني قبل أن أزور المدينة من خلال الشحرور الأبيض،وزاد تعلقي بالبوغاز....نطقتها بلغتها الأم الكطالونية قبل أن تموت والدتي، كنت أقرأ رواية شارع اللصوص باللغة الاسبانية للفرنسي متياسإينار، بدوره وظف طنجة في عمله ايضا، من خلاله عرفت أن هناك مقهى يوجد في كتف صخرة يدعى " الحافة" ومن جملة ماذكر في روايته الشيقة، قصة سلفي قتل شابا وهو يحتسي كأس شاي باسم الجهاد ومحاربة الكفار، فهل شرب شاي بالمقهى" الحافة" والتمتع بزرقة البحر والنظر للبواخر تمخر عباب البحرالمتوسطي هو من الكفر تتساءلكارمن؟ كل ما سمعت، شجعني للمجيء الى هنا، لعلني أنسى موت والدتي،باستثناء قصة الشاب السلفي التي حزت في نفسي، على كل أتمنى أن تنسيني أزقة طنجة ومقاهيها وتاريخها وبحرها المتوسط والأطلسي وما كتب عنها موت والدتي، وحتى قصة "السلفي" باختصار أتمنى ان أجد في طنجة عزائي الأول والأخير، بعدما لم يعد لي أحد من عائلتي بموت والدتي بينما "كارمن" تتجول بالسوق البراني، رمقت كلبا يتساقط جلده، كما تتساقط الأوراق من الأشجار في فصل الخريف، بين رجلي المتشردين " الشمكارة" يقدفونه مثل الكرة ويتنافسون بإلحاق الضرر به وهو يعوي كالصاروخ طارت على الكلب ، وضمته الى صدرها الممتلئ، انكمش الكلب بين نهديها فبدا كرضيع، وكالت السب والشتم لمن حولها من المتشردين أخدت طاكسي صغير صوب عيادة بيطرية خاصة، أنفقت مايقارب الفي درهم على الكلب، مقتطعة بذلك المبلغ من ميزانية سفرها، قبل أن تتوجه به للعيادة خاصة، رفضوا تطبيبه بالبيطرة العمومية لمنظره المقزز، حقنه البيطري بإبرة ضد السعار وأخرى خاصة بداء الكلاب. مباشرة بعد خروجها من العيادة البيطرية، اتجهت صوب محل لبيع ملابس الكلاب، اشترت له قميصا جديدا فبدا كأنه ولد لتوه، ومن جملة ما اشترت له أيضا ربطة عنق فضية اللون ممدودة بحبل لم تكتف " كارمن" بهذا الكرم الحاتمي مع الكلب المطرود من رحمة البشر، بل جهزت له أوراقا ثبوتية تحمل كل صغيرة وكبيرة بما فيها الفصيلة التي ينتمي إليها، إضافة لجواز سفر يحمل صورته وإسمه " روكي" وحملته معها إلى إسبانيا قبل سفرها، جاءت به للسوق البراني، تجره من حبله المعقود برقبته، تتفاخر به بين المتشردين، بأنه الكلب الذي أنساها موت والدتها......قائلة عندي بعد موت والدتي " الله " ثم " روكي" عندما سمع أحد الصباغيين ممن يفترشون سوق البراني ما قالته "كارمن" على مسامعه رد عليها قائلا: الله يرزقنا حظ الكلاب....الله يرزقنا حظ الروكي