مثل الإنسان تماما تأتي القطط والكلاب والسلاحف إلى المصحة، قصد تلقي العلاج، والفرق الوحيد أنها تتوجه إلى مصحة خاصة بالطب البيطري لا تستقبل إلا الحيوانات. الحيوانات معظمها تعاني من أمراض لذلك تحضر إلى زنقة أكادير حيث تتواجد هذه المصحة لزيارة الطبيب ولإجراء الفحوصات الضرورية. هناك أيضا في هذه المصحة قسم للمستعجلات وغرفة لإجراء العمليات الجراحية وآلات طبية مختلفة ودقيقة وأقفاص خاصة بالقطط والكلاب التي تتطلب حالتها الصحية عناية وسهرا مستمرين. ومثل الإنسان تماما تدفع هذه الحيوانات ثمن زيارة الطبيب والفحوصات وتؤدي فاتورة وصفة الأدوية أملا في الشفاء. روميو مريض نفسيا مسكين الكلب روميو، منذ مدة وهو يعاني من حالة اكتئاب حادة ومجموعة مشاكل نفسية تجعل صاحبته بشرى حزينة من أجله. بشرى تحب كلبها روميو كثيرا وهي حريصة دوما على اصطحابه إلى المصحة البيطرية المتواجدة بزنقة أكادير، خاصة بعد أن تدهور وضعه الصحي، تجلس في قاعة الانتظار حتى يأتي دورها وروميو يجلس بجوارها منتظرا هو الآخر فحص الطبيب. يبلغ روميو من العمر ثماني سنوات، وهي سن متقدمة في عالم الكلاب، أي أنه الآن كلب كهل وناضج، العيب الوحيد الذي يمكن أن يجعل بقية الكلاب يشيرون إليه بالبنان هو فحولته الغائبة، إذ لا يمكنه أن يضاجع كلبة من بني جلدته، لأنه ببساطة لا يملك عضوه التناسلي. لقد نصح الطبيب البيطري بشرى بخصي روميو، بمبرر أن الكلب الذي يعيش مع الإنسان في بيت واحد يمكنه أن يتسبب للعائلة في مجموعة من المشاكل كلما اشتدت رغبته في أنثى، حيث يصير متبرما وكثير الاحتجاج والغضب بلا سبب يذكر، كما أنه يلجأ إلى تصرفات غريبة لا يقوم بها في الأوقات العادية، كإصراره على التبول فوق الوسادة وفي أماكن أخرى يعرف أنه «ممنوع البول هنا»، يقوم بذلك لمجرد رغبة في العناد بسبب شهيته الجنسية الكبيرة والتي لا يجد حلا لها. هكذا حرمت بشرى روميو من إقامة علاقات عاطفية عادية بدعم من الطبيب البيطري، كما جعلت الكلاب الآخرين يسخرون منه ويعيرونه لهذا السبب بالضبط، كذلك فإن إناث الكلاب لا ترحم ذكرا عديم «الرجولة» وتنفر منه، بحثا عن كلب حقيقي يصلح لعلاقة مستمرة وناجحة. لكن بشرى والطبيب البيطري لم يتفقا على هذا الأمر الخطير بنية الإساءة إلى الكلب والنيل من كرامته، كان هدفهما في الحقيقة نبيلا، ولكي يرتاح داخل البيت دون التفكير في أشياء لا يمكنه العثور عليها، أما روميو فلا أحد يعرف ما هو موقفه من خصيه، وهل هو مرتاح لهذا القرار أم لا. تقول بشرى إن كلبها روميو بدأ يسوء حاله نفسيا في الوقت الذي أخذته إلى شخص مختص في ترويض الكلاب، ومنذ ذلك الوقت لم يعد المسكين كما كان في السابق، وتدهورت صحته بشكل كبير. لقد حدثت رجة كبيرة في حياته بهذا التحول، إذ لم يتحمل روميو خروجه من بيت تعود على أصحابه وعلى وجبات الأكل داخله وعلى الدلال الذي كان يلقاه، حتى إنه وحين عاد صار يمتنع عن الأكل ويرفض كل ما يقدمونه له. في السابق كانت شهية روميو مفتوحة، ويلتهم الطعام مثل وحش، أو بالأحرى مثل أي فرد من أهل البيت، يتناول الكسكس يوم الجمعة، أما الفواكه فكان العنب أحبها إلى نفسه، وعندما يجلس أفراد أسرة بشرى إلى الطاولة لارتشاف فنجان قهوة، كان هو الآخر يطلبها بالحليب، وكم كان يجدها لذيذة. كان كلبا ذواقا لكنه الآن مريض وبشرى قلقة جدا عليه. هو الآن يخضع لريجيم قاس وعليه أن يطبقه بصرامة، وكل خروج عنه قد يؤدي به إلى ما لا يحمد عقباه، فالطبيب البيطري الدكتور كريم اليعقوبي يحذر بشرى بهذا الخصوص ويطلب منها أن تحرص على نظامه الغذائي. ممنوع إذن على روميو في الوقت الحالي أن يأكل اللحوم الحمراء، البقر والخرفان هما الآن من المحرمات، حتى الخنزير لا يصلح. وحده لحم الديك الرومي الأبيض أو الدجاج مسموح به. يسمح الطبيب من جهة أخرى لروميو بأكل الرز لا غير. لقد صار ضحية من هذه الناحية، وكل إخلال بوصفة الطبيب اليعقوبي ستترتب عنه عواقب وخيمة، كظهور بثور ودمامل في جلده. حاليا توجد إكزيما في أقدام روميو وتحت أظلافه، والسبب هو معاناته من حساسية مرتبطة بتلك المشاكل النفسية التي يعاني منها، حتى إن الطبيب البيطري استفسر بشرى عن مدى حرصها على تطبيق تعليماته والمحاذير التي قدمها لها، كنوع مواد التنظيف التي تستعملها في أرضية البيت، وهل الأمر يتعلق بماء جافيل أو سانيكروا، كما سألها عن النباتات الموجودة في البيت، وهل هناك حديقة صغيرة أم مجرد أصص، لأنه وفي حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بحديقة يصل إليها روميو ويتمرغ فوق أغراسها، فإن ذلك سيؤثر كثيرا على حالته الصحية ويفاقم من حساسيته، إضافة إلى استفساره عن وجود الزرابي من عدمها في البيت. سأل الدكتور اليعقوبي بشرى أيضا عن الشامبوان الذي تستعمله لغسل شعر روميو، وقد فعل ذلك بنبرة حادة متخوفا من أن تكون قد غيرته، لكنها نفت أن تكون فعلت ذلك جازمة بأنها مازالت تحتفظ بالنوع الذي وصفه لها، كما عبر عن غضبه عن تأخرها عن موعد محدد للزيارة والذي ساهم بشكل سلبي في تدهور وضعه الصحي. نصف ملعقة في الصباح ونصف في المساء سأل الدكتور اليعقوبي الكلب روميو عن أحواله، مربتا على شعره الكثيف، إذ يبدو أنهما يعرفان بعضهما جيدا، وهذ ما تؤكده بشرى التي تقول إن روميو كان في زياراته الأولى للمصحة يبدي تخوفا كبيرا، لكنه مع الوقت أخذ يتعود، فمشكلة الكلاب أنها تخاف من بعضها البعض ويمكن أن تترتب عن تواجدها في مكان واحد معارك حامية الوطيس ونباح يبلغ صداه إلى أبلغ مدى. أصبح روميو مع الوقت يأخذ مكانه في قاعة الانتظار وينتظر دوره بين الكلاب والقطط، مطمئنا إلى تواجده في المصحة وغير متخوف مما ينتظره. بعد كثير أسئلة رفع الطبيب البيطري الكلب روميو إلى محفة توجد بالقرب من مكتبه، وشك حقنتين في ظهره جهة البطن. بعد ذلك كتب وصفة لمجموعة أدوية يجب على بشرى أن تذهب إلى الصيدلية لاقتنائها وتتضمن تفصيلا للجرعات التي يجب أن يتناولها الكلب وهي نصف ملعقة في الصباح ونصف آخر في المساء من «السيرو» إضافة إلى حبة واحدة كل يوم ولمدة أسبوع من أحد العقاقير، مع ضرورة العودة لزيارته بعد عشرين يوما. علاقة بشرى بكلبها قوية، ولا فرق عندها بين الارتباط بإنسان أو بكلب، فقد عاشا برفقة بعضهما البعض مدة طويلة، وهو معها منذ أن كان جروا لم يستقم نباحه بعد، فالحيوان الأليف حسب بشرى يشبه الإنسان، هو أيضا يحب ويتألم ويحزن ويشتاق. من جهة أخرى، ترى بشرى أن تربية كلب ليست مجرد ترف، أو مسألة مرتبطة بميسور الحال، فالعملية لا علاقة لها إطلاقا بالواقع الاجتماعي للشخص الذي يقدم على تبني كلب، لأن الفقر أو الغنى لا علاقة لهما بهذا السلوك. أما ما له علاقة بهذا السلوك فهو القدرة على أخذ كلب إلى عيادة طبيب بيطري مع ثمن زيارة الطبيب المرتفع وشراء الأدوية، فليس متاحا للجميع القيام بذلك، ولا يمكن لأي شخص كيفما كان أن يفكر في صحة كلبه أو علاجه. بشرى تقدر هذا الأمر جيدا، لكنها في نفس الوقت، ترفض تلك الأفكار التي تربط بين الإنسان والحيوان، وذلك الخطاب البؤسوي الذي يقول من بين ما يقول: «ماداوينا حتى بنادم عاد نداويو الحيوان». إنها ضد هذه التبريرات «فقد قالوا لي تخلي عن كلبك حين أصابه المرض، لكني متشبثة به وسأعمل على مساعدته والوقوف إلى جانبه حتى يشفى ويعود إلى سابق عهده»، مضيفة أن الكلب لا ينسى صاحبه وهو مختلف تماما في هذا الأمر عن القطط، إذ من أخلاقه الوفاء والدليل على ذلك تأثره الكبير إذا غاب الشخص الذي يربيه، كما أنه يمرض إن سافر أو غاب مدة عن المنزل. في قسم المستعجلات تتوفر مصحة الحيوانات الواقعة في زنقة أكادير بالدار البيضاء على عدة أجنحة أو بالأولى عدة غرف، واحدة خاصة بالعمليات الجراحية وثانية خاصة بقص وحلاقة شعر الكلاب، إضافة إلى حمام تغتسل فيه الحيوانات، ويتكلف بإدارة العيادة طبيبان وممرضات وممرضون إضافة إلى مساعدين آخرين. من ناحية أخرى، هناك جناح كبير نسبيا خاص بالحيوانات التي تضطر إلى البقاء في المصحة لوضعيتها الصحية الحرجة، أو لغرض تسريحة شعر طبية، لا علاقة لها بالحلاقة عند الكوافور، فالحيوانات تتوفر على محلات حلاقة في أماكن مخصصة لذلك، لكن الذين يزاولون هذه المهنة لا ارتباط لهم بالطب البيطري، وإنما وظيفتهم تجميل الكلاب بتسريحات تتماشى مع الموضة، أما في هذه المصحة فقص الشعر يدخل في إطار العلاج ويتم باستشارة مع الطبيب المختص. هناك أيضا حصة مستقلة خاصة بالقضاء على البراغيث ولها أجرها الخاص بها وأدوية ومراهم للجلد، إضافة إلى آلات طبية أخرى وحده الطبيب يعرف لماذا تصلح وماهي المناسبات التي تستعمل فيها. يقول الدكتور اليعقوبي إنه في حالات الإنجاب وعندما تشعر الكلبات والقطط بآلام المخاض يستحسن أن تلد هذه الحيوانات في البيت، لأنه مكان مناسب كي تتم عملية الولادة بسلام، نظرا لتعود الكلبة أو القطة على الفضاء، ولوجود أشخاص مألوفين محيطين بها، لكنه يؤكد من ناحية أخرى أنه وفي الحالات المعقدة يفضل اللجوء إلى المصحة لإجراء عملية قيصرية أو توليد اصطناعي أو سابق لأوانه، حينها يتم الذهاب لإحضار الحيوان في سيارة تابعة للمصحة، أو يقوم صاحبه بإحضاره، لا فرق. على ذكر السيارة تتوفر المصحة أيضا على قسم المستعجلات وعلى أرقام خاصة يمكن الاتصال بها كلما شعر أي حيوان بمرض مفاجىء أو تعرض لحادثة سير أو كسر أو سقط من مكان عال، وللأسف فإن الحيوانات عجماء ولا يمكنها الحديث في التلفون، بل تنتظر أن يقوم الإنسان بدلها بهذا الدور. أثناء ذلك تحضر سيارة الإسعاف الحيوانية إلى المكان المحدد على وجه السرعة، إلا أنها وخلافا لسيارات الإسعاف التي تنقل المرضى من بني البشر لا تتوفر على صفارة تعلم أصحاب الشاحنات والسيارات كي يخلوا لها الطريق، وكما يقول الطبيب البيطري اليعقوبي فإنها ليست سيارات إسعاف بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنها تفي بالغرض، وهذا هو الأهم، مهمتها إنقاذ القطط والكلاب وباقي الحيوانات الأليفة وتقديم يد المساعدة لها لإيصالها إلى المصحة لتلقي العلاجات الضرورية وإجراء عمليات مستعجلة في الحالات الحرجة كي تبقى على قيد الحياة. نقاش بين الكلاب حوالي الساعة الحادية عشرة وصل الكلب الأسود «لا يكي» إلى المصحة يصحبه شاب مكلف بمهمة رعايته، وجلس بالقرب من مقعد ينتظر دوره. لا يبدو على الشاب أنه صاحب «لايكي» الحقيقي، إنه يشتغل فقط عند مالك هذا الحيوان، وهو الذي أرسله لمرافقة الكلب المريض. يقول ذلك الشاب إن «لايكي» ليس مريضا، لكنه يعاني من أعراض الشيخوخة، فعمره تجاوز الاثنتي عشرة سنة، ومن الطبيعي أن يعاني كلب في أرذل العمر من مجموعة من الأمراض، كلما شفي من داء أصابه آخر. كان الكلب يجلس بتثاقل ويبدو مرتاحا أكثر من الشخص الذي كان يرافقه، كما كان يقوم بحركات بطيئة ويميل رأسه بخيلاء، وهي تصرفات تؤكد بالملموس أنه من أصول أرستقراطية وأنه عاش طوال عمره في نعيم وراحة تامين. هناك نسبة كبيرة من الحيوانات التي تزور المصحة تعاني من أمراض الشيخوخة، وهي مرحلة صعبة من العمر بالنسبة إلى الإنسان والحيوان كذلك، حيث يعمل أصحاب الكلاب على الحضور معها ودعمها في هذه الفترة العصيبة من العمر، والتي يتخلى عنك فيها أولادك وأقرباؤك، بعد أن تكون ربيتهم وأرضعتهم وأطعمتهم حينما كانوا مجرد جراء لا تقوى على الحركة. طبعا ليست الكلاب مثل الإنسان، حيث لم يحضر الأولاد برفقة آبائهم كما لم يحضر الأحفاد، ولم يأت أي حيوان بالورود لمعايدة قريب له، لقد تركوا هذه المهمة للبشر، الذين التزموا بالبقاء إلى جانب كلابهم التي تعاني من الوحدة ومن تأثير السن. يقول الدكتور كريم اليعقوبي إن المصحة تلجأ في بعض الحالات المستعصية من العلاج إلى تطبيق الموت الرحيم بموافقة مالكي الحيوان، وذلك في ظروف مناسبة لا تسبب آلاما للكلب أو القط أو غيرهما من الحيوانات، إذ يتم وقف تنفس هذه الكائنات التي لم يعد ينفع معها علاج في وقت قصير، كي لا يتعذب الحيوان ولا يبقى أسير مرض لن يشفى منه، بل إنه يحول حياته المتبقية إلى جحيم، والأفضل هو وضع حد لها. مشكلة الكلاب أنها لا تتكلم ولا تتوفر على جمعيات مناهضة للموت الرحيم ومدافعة عن الحياة، كما أنها لم تعبر مرة عن إيمانها بأي دين يعتبر الحياة والموت مسألة مرتبطة بالخالق عز وجل، وليس من حق أحد التدخل في أمرهما، هذا النقاش غاب تماما عند الحيوانات، لذلك يكون لمالك الكلب والطبيب كامل الحق في اتخاذ قرار يحمل ما يحمل من الخطورة. وعادة ما يتم ذلك أثناء تعرض الحيوانات لحوادث سير أو لإصابتها بمرض خطير لا شفاء منه أو سقوطها من مكان عال وغير ذلك من الحالات التي يعجز الطب البيطري عن إيجاد حل لها. ثعبان في المصحة في أحد الأيام فوجئ العاملون بالمصحة بشخص يدخل من الباب حاملا معه ثعبانا مريضا. كانت مفاجأة للجميع، إذ لم تتعود هذه المصحة البيطرية على علاج الأفاعي والزواحف الأخرى، لأنها كائنات شريرة وتنفث السم، ولا أحد يصدق أنها جاءت لتتداوى. قال لهم الشخص الذي جاء بالثعبان إنه من مدينة مراكش، وقد أحضره من جامع الفنا حيث كان يشتغل لسنوات يسلي السياح ويلتقطون صورا برفقته، وهو الآن يعاني من مرض جلدي يجعله في وضع صحي حرج. تملكت الحيرة الطبيب أمام هذه الحالة الغريبة، وربما زادت حيرته حين سمع بالمشكلة الحية للثعبان، فهذه الكائنات معروف عنها أنها تغير جلدها مثلما يغير الناس ملابسهم، وإنه لأمر غريب ومدهش أن يصاب جلدها بداء. الجديد في هذه الحالة أن الثعبان يتوفر على عمل وليس مثل الكلاب والقطط التي تعتمد على الشخص الذي يربيها، وهو الذي يطعمها ويعتني بها، أما الثعبان المريض بخلاف ذلك فقد جمع ثروة من اشتغاله صباح مساء في جامع الفنا يجمع الدراهم من الناس ومن السياح الذي ينفحونه مبالغ مالية محترمة نفعته وقت الشدة وساعدته على المجيء إلى البيضاء لزيارة الطبيب في مصحة الطب البيطري بزنقة أكادير. ليس الثعبان وحده من زار هذه المصحة، حيوانات أخرى كالأرانب والطيور والقردة والسلاحف سبق لها أن نامت في «أسرة» المستشفى، لكنها قليلة بالمقارنة مع الكلاب والقطط التي تملأ أجنحة المصحة أكثر من غيرها. هناك من الناس من يحضر أحيانا وبرفقته جرذ الهامستر، هذا الحيوان الصغير الذي غزا بشكل فظيع بيوت المغاربة وسرق عقول الصغار وقلوبهم، يأتي إلى المصحة لإصابته بالإسهال أو بمشاكل جلدية تنجم عن عضه لطفل من بني البشر، ففي هذه الحالة الوضع مقلوب وليس الآدمي هو من يصاب بمرض جراء العضة بل العكس هو الصحيح، حيث الضحية هو الهامستر المسكين الذي ارتكب جريمة العض. يبقى الهامستر في المصحة مدة أربعة عشر يوما، وهي فترة ضرورية لتلقي العلاج والعناية وإجراء الفحوصات الضرورية حتى يعود إلى سابق عهده سليما معافى ، ثم يغادر بعد ذلك كي يعود إلى بيت الطفل الذي يربيه، أو بالأحرى يعود إلى قفصه في المنزل. وغير ما مرة حضر أشخاص يصحبون معهم سلاحف سقطت من طوابق عالية وتكسرت قوقعتها، فتدخل في الحين إلى قسم المستعجلات لترميم كسورها، وكم من واحدة تم إنقاذها من موت محقق، كما أن هناك سلاحف تعرضت لحادث مماثل أو دهس بسيارة أو اعتداء من الأطفال تذهب سيارة الإسعاف التابعة للمصحة لإحضارها على وجه السرعة، بعد أن يتم الاتصال بهاتف المستعجلات. ومن بين أغرب العمليات الجراحية التي تمت في المصحة واحدة تتعلق بإخراج كرة فأرة كومبيوتر من أمعاء كلب، وبعد فتح بطنه وإزالة ما ابتلعه تماثل الكلب للشفاء كأن شيئا لم يكن. قطط مصابة بفقدان المناعة يجب ألا يسيء أحد الظن بالقطط حين يسمع أن عددا منها مصاب بداء السيدا الخطير، فهذا لا يعني أنها قطط تلعب بذيلها وتذهب إلى دور الدعارة وتمارس الفحشاء والمنكر، كما أن هذا لا يعني أنها تربط علاقات جنسية خارج مؤسسة الزواج. الحقيقي في الأمر أن مصحة الطب البيطري بزنقة أكادير تأتيها حالات كثيرة لسيدا القطط، لكن ليست للمسألة علاقة باستعمال العازل الطبي من عدمه، وإنما بفقدان مناعة سببه الرئيس فيروس يهاجم الكريات البيضاء، وبمجرد الإصابة به يختل نظام المناعة لدى هذا الحيوان الأليف ويعجز عن التخلص منه، ومن بين الأمراض التي يصاب بها الأنيميا. يشار إلى أن الإصابة بسيدا القطط لا تعني فقدان المناعة الفوري، إذ تبدأ المرحلة الأولى التي تكون فيها القطة حاملة للفيروس فقط وليست مريضة، وفي هذه الفترة يكون الفيروس نائما، ويستيقظ بعد أشهر أو سنة، حسب كل حالة على حدة. ولكي لا يشك أحد في أخلاق القطط وعفتها، فالسبب الذي يؤدي إلى الإصابة بهذا الداء اللعين لا علاقة له بالجنس إطلاقا، وإنما بالشجار الذي ينشب بين القطط ويجعلها تكشر عن أنيابها ومخالبها وتعض بعضها البعض. لكن دعاة الأخلاق والدفاع عن القيم يقولون إنه يكمن خلف العض وتلك المعارك التي يتطاير فيها الزغب صراع جنسي بين القطط حول من يفوز بالأنثى التي تكون محل تنافس بين الذكور. رأي آخر محايد لا ينفي أهمية هذه النقطة، لكنه يضيف أن هذا المرض تتعرض له القطط ذكورا وإناثا، وأكثر من يصيبه هي تلك القطط التي تخرج من المنزل كثيرا وتتسكع في الأسطح، حيث تلتقي بقطط الجيران أو بقطط أخرى مشردة، وفي السطوح التي تشكل ساحة وغى تنشب حروب ضارية ينجم عنها هذا المرض الخطير، نافية أن تكون للأمر علاقة بقطط ساقطة. إلى حد الساعة لا توجد وقاية كافية من هذا المرض فالدواء الشافي غير متوفر، كما أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى لقاح يضع حدا لانتشار سيدا القطط، وهناك من يجد الحل الأمثل والمؤقت في خصي القطط وتعقيمها باعتبار أن ما يحرك المعارك التي تنشب بين الذكور هو التنافس على من سيفوز بالقطة الجميلة، وهناك من يدافع عن فكرة عدم إعطاء الفرصة للقطط بمغادرة البيت، فخير حماية له من وجهة النظر هذه هي عدم تركه يبرح المنزل وعدم ترك قطط غريبة تزوره. ابن البط عوام يسهر على إدارة مصحة الطب البيطري الكائنة بزنقة أكادير طبيبان هما الدكتور كريم اليعقوبي والدكتور جليل اليعقوبي، ومن اللقب تظهر علاقة القرابة بين الشخصين، فكريم هو الشقيق الأكبر لجليل. والمذهل أن الاثنين ورثا أسرار هذه المهنة عن الوالد الذي يعتبر حسب شهادة الابنين أول طبيب بيطري مغربي فتح عيادة خاصة في هذا المجال، وكان ذلك عام 1965، ولم يكن وحده الذي يزاول هذه المهنة، بل كان هناك مغاربة آخرون، لكنهم اكتفوا بالعمل في القطاع العام. تخرج الأخ الأكبر كريم اليعقوبي من كلية الطب ومن المدرسة الوطنية للطب البيطري بمدينة تولوز الفرنسية تخصص طب عيون، وهو عضو في الجمعية الفرنسية لطب العيون الحيواني، في حين تخصص الأخ الأصغر في الجراحة وهو طبيب خاص بالحيوانات الأليفة التي تعيش مع الإنسان في المنزل. يعمل هذان الطبيبان البيطريان رفقة مجموعة من العاملين في مصحة تأتيها حيوانات مختلفة، ويشكل الجميع فريقا متكاملا يحترم الحيوانات المريضة ويقدم لها كل الإسعافات الضرورية، كما أن هذه المصحة تتميز كثيرا عن تلك المصحات الخاصة بالبشر، فالممرضات هنا والموظفون لا يتلقون رشاوى من الكلاب والقطط والسلاحف والأرانب، بل يعتنون بهذه المخلوقات الجميلة التي تمرض وتصح هي الأخرى مثل الإنسان تماما، وحين يحين أجلها تسلم روحها إلى الباري عز وجل، حيث لا ينفع طب بيطري أو غيره، وحيث يلقى كل حيوان جزاء ما قام به في الحياة الدنيا.