1 الظاهرة الإسلامية و المسجد . عجيب كيف وجد الإنسان نفسه مخاللا لهاتفه الخلوي ، تتجدد شخصيته الافتراضية حسب تعبئته لهاتفه أو حظه من صبيب الأنترنت و [ الواي في ] ليسبح في عالم المخلوقات ! و يغفل عن تجديد شخصيته الإيمانية باتخاذ خلة واقعية في الله تربطه بمحبة خالقه عز وجل ! هل يمكننا مقارنة العلاقات الاجتماعية الافتراضية المطبوعة بالهشاشة و السطحية ما دامت تبنى على نظرة افتراضية للآخر ، بمخاللة واقعية في الله و ما يبنى عليهامن حسن النية و امتداد للآخرة ؟ أصبحنا نعيش في كوكب المحطات الفضائية ، حيث تلاشت الحدود الجغرافية ، و تدفقت المعارف و المعلومات ، و تفاعلت ثقافات الشعوب مع بعضها ، مفرخة لنا إنسانا ذو صحبة مشتتة ، بنية شخصيته غير متماسكة تتلاعب بها رغباته و ذوقه و إرادته و مواقفه ،إنه منتوج عالم موار ، عالم لا يربط سكانه مشروع إنساني مشترك . 1 الظاهرة الإسلامية و المسجد : انتقل الخطاب الإسلامي من الانعتاق من التدين الرسمي المنقوص ، إلى تدين إلكتروني يجدد روح الدعوة بأساليب متطورة تنفذ إلى فطرة الشباب ، أو تستثمر فيه قوى السوق المهيمنة ، أو المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى . إن الظاهرة الإسلامية آية من آيات الله في هداية شباب ، يسعون للتوبة إلى الله ، وسط بيئة اختلط فيها الحق بالباطل ، فتانة عن الاستقامة ، يسأل الشباب عن دينهم و عن المصيرهم لما يعانونه من فراغ روحي ، و فشل الدعاة التقليديين في التواصل معهم لتمتين انتمائهم لأمتهم والقيام بمهمتهم التاريخية المنوطة بهم ، لا يرغب الشباب في تقديم ولائهم لدين و لا يسعى لإقامة عدالة اجتماعية في الأرض ! و لا يواكب تداعيات الثورة الرقمية ،و المنافسة الشرسة على مراكز القرار الاقتصادي و السياسي . كان المسجد للرعيل الأول من جيل الصحوة الإسلامية محضن تربيته و محور نشاطه "قبل نهج سياسة ترسيم الخطيب و الواعظ ليكون موظفا منفذا لما تملي عليه وزارته المشرفة على الشأن الديني ! " كان الشباب لا يترددون في اتخاذ الخطيب أو الواعظ الحر في المساجد الغير مدولة مرجعا دينيا لهم ، لما يلمسون في شخصه من برهان صدق ، و مواقف معارضة لإسلام سكوني متعايش مع نظامهم السياسي الفاسد ، و المشرعن لمركزية سلطته و استمراره . سابقا كان لهذا النوع من المساجد دور في صياغة شخصية أبناء الصحوة الإسلامية ، يعلل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله أسباب انجذاب شباب هذه المرحلة [ 1 ] " ما يجذب الشباب إلى المساجد هو التفسير الإسلامي لوضعية الشباب الاجتماعية، والدعوة الضمنية، أو المكتومة، تكاد تفصح، إلى التغيير الثوري " و هذا ما يستهوي الشباب بل يجدون فيه ضالتهم [ 2 ] " يخاطب الواعظ الحر الغاضب على المنكر إيمانا وتدينا نفوس الجماهير وعقولها من جانب الحق، من جانب الآخرة، مع نبضة ثورية تربط هموم الناس بأصول الإيمان، فتجد تجاوبا وحماسا. " لكن ، هل الخطاب الغير متجاوز لمحيط المسجد، و إن كان حرا، كفيل بمفرده بإيقاظ الأمة و بناء ما انتقض من عرى الإسلام ؟ هنا يدعو الأستاذ عبد السلام ياسين إلى تنهيج الدعوة لتشمل جميع مناحي حياة الإنسان . و يقصد بتنهيج الدعوة " أن نتدرج بالإنسان من موقعه الإنساني، من ظروفه المادية، من تعبه اليومي وكبده، من هم المأوى والرزق والأمن والضروريات، ليطمئن إلى أن الإسلام وعد بفك الرقاب، أي بتحرير الإنسان من كل عبودية تحقره ولا تكرمه، وعد بإطعام الجائع، بالقضاء على البؤس، بالإنصاف، بالقسمة العادلة للرزق" [3 ] و يحذر رحمه الله في لازمة جهاد قلمه ، من منزلق الانحراف عن الغاية المؤسسة للكيان الدعوي الحر في معمعان تدافعه السياسي حيث تسري دنيوية الصراع إلى مواقع الحافز الإيماني فينطمس أمر الآخرة . 2 بين المسجد و الأنترنت : كانت المساجد الحرة الحاضن لأهل القرآن و العلم و الخطباء الأحرار في أحشاء رحمها نشأت الصحوة الإسلامية ، و كابدت من الاضطهاد و التعذيب و الاختفاء القسري و المحاكمات الصورية الكثير من أنظمة اتخذت سياسة تجفيف المنابع منهجا لمحاصرة المد الإسلامي ، بعد تدويل المساجد و صناعة الإسلام الأنسب لاستقرار النظام الحاكم ، شرعت التكتلات الاسلامية في التغيير من أساليب تفاعلها مع واقع زمن العولمة ، بواسطة الدعوة الرقمية عبر الأنترنت ، و التفاعل على الخط بين الداعية و المتواصلين معه بأقل جهد و تكلفة ، مع خرق المجال المحلي و القطري الضيق إلى فضاء تواصلي دولي أرحب ، و تيسير تحميل و توثيق المكتوبات و المسموعات و المرئيات لزوار المواقع الإلكترونية .. اتخذ الشباب الفضاء السايبيري مرجعا لفهم دينهم ، و دليلا لمنهاج حياتهم دون مناعة تحميهم من المتلاعبين بعاطفته الإيمانية ، المستثمرين في صدق نواياه . هل تؤتمن المساكن العنكبوتية الافتراضية على ترشيد هداية الشباب المقبلين على الله عز وجل ؟ سؤال يفرض علينا فتح كتاب العالم الافتراضي لنتحقق من مدى فاعليته في أنسنة الإنسان بتنهيج عودة الشباب إلى ربهم ليكونوا رحمة في العالمين لا نقمة مرهبة مفزعة . تأثر العاملون في حقل الحركات الإسلامية بالثورة التكنلوجية ، منهم من عجز عن مواكبة مستحدثات الزمن و اكتفى بالحوقلة و التأسف على زمن مضى و انقضى ، و منهم من أحدث تعديلات في معايير تفاعله مع الثقافة العالمية المعلوماتية ، فتشكلت دائرته الافتراضية و الواقعية من خيارات متعددة و متنوعة نذكر منهاخيارين : 1 الخيار الدعوي العلني السلمي بواسطة العمل الاجتماعي و السياسي و العمل التربوي و التعليمي إعدادا لأجيال تحب الخير للبشرية و تعمل عليه . 2 الخيار الدعوي السري العنيف و القتالي المسلح ، بإحياء النعرات الطائفية أو زرع الرعب في قلوب المسلمين و غيرهم ، بواسطة الهجومات الانفجارية و الاغتيالات السياسية . يبحث الشباب عمن يتفهم طموحاتهم و مشاكلهم و معاناتهم، يقتربون أكثر إلى من يحترم مشاعرهم و ينمي عاطفتهم الإيمانية بطريقة مخالفة لما ألفوه من الإسلام الوراثي ، و قد برع في هذا المجال كثير من الدعاة الشباب المبشرين الغير منفرين ، موظفين الوسائل الرقمية ذات جودة عالية في التصوير و الهندسة الصوتية و الإخراج .. ليبني علاقة إعجاب بالداعية النجم الذي يعيد ثقة الشباب بأنفسهم ،و يفتح لهم باب الأمل و دورهم في صناعة الحياة بالتفكير الإيجابي . إنه تدين عصري فردي لا يمكننا إنكار مساهمته في احتضان الشباب في المراحل الأولى من اكتشاف كنوز هويتهم الإسلامية . لكن الإقبال المكثف على هذا النوع من التواصل الديني ، جعل منهم سوقا استهلاكية لمنتوجات توفر جرعة من الوجبات الروحية السريعة و مهارات تقنية ذات فعالية في تدبير مشاريع الخيرية و عمل اجتماعي و جمعيات المجتمع المدني ، تحكمه مناهج التنمية البشرية لتثبيت قيم الثروة و النجاح المتحكم في دواليبها قيم السوق ! مما جعل بعض المفكرين المتابعين لمسار الخطاب الدعوي من انتقاد الإسلاميين السلميين بتبنيهم للرؤية التنمية البشرية الأمريكية المتمركزة حول القيم البروتستانية . و منهم مغامرون تستدرجهم الجماعات المكفراتية بما يعتبرونه جهادا إلكترونيا ، آخر أجياله المفزعة لأمن الناس في العالم ما يسمى بالجهاد الفردي الإلكتروني أو الخلية الفردية ، هويته غامضة و طبيعة معارك رواده من الشباب تتطور ، و تتغير حسب نتائجه الحربية الإلكترونية مع الأجهزة لاستخبراتية الدولية المتعقبة لمن يترددون على المواقع المؤطرة لمن يخطط لتنفيذ العمليات الانتحارية من شباب و شابات في زهرة العمر . إن الدخول في نفق العمل الإسلامي السري بعد تدويل المساجد ، و محاصرة العاملين في حقل الدعوة الإسلامية الحرة ذات الجناح السياسي المنتقد للمشروعية الدستورية و الدينية للأنظمة الحاكمة ، ساهم في إذكاء حيوية إسلام الدم و الانتقام بوتيرة أسرع، خصوصا بعد تعويض فضاءات المساجد الحرة ، و رموزها الدينية الثائرة بفضاء الأنترنت و المجتمعات الافتراضية أو ما يسمى بالجهاد الإلكتروني مع جيل يستند إلى فهم دينه و واقعه بطريقة إلكترونية تفتقد إلى منهاج ينير طرائق واقعية لتجديد إيمانهم و إحياء أمتهم . [ 1 ] الأستاذ عبد السلام ياسين ، الإسلام و تحدي الماركسية اللينينية ، ص، 17 [ 2 ]نفس المصدر ، ص: 17 [ 3 ] نفس المصدر ، ص ، 17