كثيرا ما ينسى الشباب -خاصة المهاجرين- المغاربة دينهم ويلقونه وراءهم ظهريا، غير أن هناك شبابا آخرين يزدادون حرصا على دينهم، بل ويرتقون في مراتب حياتهم العملية والدعوية... وإدريس أجمي واحد من هؤلاء الشباب الذي فرض نفسه خارج بلاده ! بخلقه وتدينه وثقافته وعطائه وعمله فأصبح في الناس واعظا وخطيبا ومشرفا على مجلة شهرية ... والتجديد إذ تلتقي بهذا الشاب في مهجره تصبو إلى التنبيه على أهمية اعتبار هذه الفئة، وإعطائها من الرعاية والتأهيل ما يساعدها على أن تكون خيرا لدينها ولوطنها، وأن تكون سفيرا يمحو تلك الصورة القاتمة؛ التي باتت تخنق جمال المغرب في أعين كثير من الشعوب العربية والإسلامية والغربية. هل يمكن أن نتعرف بداية على الأخ أجمي و مسيرته الدعوية والخطابية؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد : فأنا أخوكم إدريس أجمي، من مواليد مدينة القنيطرة، تربيت وترعرعت بحي لابيطا، واسمح لي أن أقف بعض الشيء عند هذا الإسم، فذكره يبعث في نفسي إحساسا ملؤه الحب والشوق إلى أهله وناسه وبيوته... ذلك أن الجار له أكثر من معنى في هذا الحي الذي كبر فيه أبناؤه وهم صغار حتى بلغ البعض منهم الثلاثين والأربعين والخمسين سنة، فمن على منبر هذه الجريدة الغراء يسعدني أن أبلغ تحياتي الحارة إلى كل ابن وكل شيخ وكل عجوز، وأخص بالتحية شباب الحي الذين أعتبرهم مني وسأبقى أحن إليهم، وإلى القنيطرة وإلى وطني عامة وكل شيء فيه، إلى مائه وسمائه وأرضه وشعبه، بل وإلى كل سائمة فيه، لأنهم جميعا جلدي الذي لا أستطيع سلخه عن لحمي وعروقي.. درست الثانوية في مدينة القنيطرة بعدها انتقلت إلى مدينة فاس فتطوان، حيث حصلت على الإجازة من كل من جامعة القرويين بفاس كلية الشريعة، وتطوان كلية أصول الدين وجامعة محمد بن عبد الله كلية الحقوق التي حصلت فيها على السنة الثانية حقوق باللغة الفرنسية. وأنا الآن أتابع دراسة الماجستير بجامعة أم درمان الإسلامية، كلية الشريعة والقانون شعبة القانون المقارن، عملت خطيبا رسميا لسنوات بجامع الغمامة بالقنيطرة، ووكيلا بجامع بدر عن فضيلة الشيخ درة مدينة القنيطرة اللامعة ونجمتها الساطعة شيخنا عبد العزيز السجاعي ألبسه الله تعالى منه رداء الصحة والعافية وبعد سنوات من التعطيل الذي أعتبره جناية في أعظم حق من حقوق الإنسان الذي هو حق الحياة، انتقلت إلى السعودية حيث عملت هناك مترجما وداعيا بمكتب الدعوة التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، كما عملت إماما بأحد مساجد مدينة منطقة عسير، ومطوفا ومترجما للغة الفرنسية بمكاتب الدعوة في مواسم الحج التابعة لوزارة الحج هناك. رحلتي هذه استمرت أربع سنوات كنت ولله الحمد والمنة أتقلب فيها من خير إلى خير، إلى أن انتقلت إلى قطر حيث أعمل فيها منسقا ثقافيا بمؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، وعضوا بهيئة تحرير مجلة الاستقامة الصادرة عن هذه المؤسسة، وخطيبا بجامع أم سلمة بنت هند رضي الله عنها بالدوحة التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، وكذلك واعظا بمساجد الدوحة التابعة لإدارة الدعوة بالوزارة ذاتها وسأسافر خلال الأيام المقبلة إلى السودان موفدا من المؤسسة إلى هناك، وتم الاتفاق معي على إلقاء خطبة جمعة في الخرطوم في جامع يضم أكثر من ثلاثة آلاف مصل. هذا إدريس المغربي وهناك من الإخوة المغاربة من لا تجوز المقارنة بيني وبينهم في مكانتهم وعطائهم ... أسأل الله تعالى أن يرزقنا منه الإخلاص في القول والعمل ويبعد عنا السوء أينما كان وتعين. - ما هي الدوافع والعوامل التي دفعتك للاهتمام بالوعظ والخطابة دون غيرهما؟ الفضل والهبة أولا من الله تعالى، ثم لاشك أن البيئة تلعب دورا مهما في صقل مواهب المرء وقدراته، فالجلسات التربوية واللقاءات والمحاضرات والندوات... كل هذا كان له الفضل بعد الله تعالى في كشف هذه الموهبة وتنميتها، وما أزال أعتبر نفسي في مرحلة التلقي والطلب في هذا العلم من العلوم الجليلة. كيف تعاملت مع الصورة التي يتصورها المشارقة عن المغاربة ؟ بحكم احتكاكي مع عدد من الجنسيات العربية والإسلامية، يمكنني القول إن المغرب والمغاربة عامة حقا وصدقا لهم مكانة رفيعة في قلوب المسلمين المشارقة عامة والعرب بصفة خاصة، فهم يحبون في المغرب خضرة أراضيه وخيراته التي وهبه الله عز وجل إياها دون سواه من البلدان، ويحبون في الشعب المغربي كرمه وجوده ونخوته وأنفته، لكن دعني أخي الكريم أوجه من خلالكم نداء حارا وصادقا وعاجلا إلى كل غيور على المغرب وشعبه وتاريخه لأقول : تنبهوا فإن الأمر لم يعد كما كان، والعالم أصبح قرية صغيرة بفعل القنوات الفضائية وشبكات المعلومات المتعددة والمتجددة، فإن الصورة الإجمالية بدأ يعتريها نوع من الاهتزاز لا يرضاه كل من يحمل صفة المغربي ودم المغربي ولو كان له مال قارون ونياشين فرعون ، ذلك أن الأمر يتعلق بالانتماء والهوية والتاريخ. وأوجه ندائي هذا إلى كل مسؤول بيده سلطة القرار لأقول له صادقا : المغرب يا سيدي له مكانة خاصة في قلوب كل المسلمين، فاتق الله في هذه المكانة وأوقف مسلسل التفقير والتعطيل والتجهيل والظلم الاجتماعي، فإنه ما حل الظلم في مكان إلا ونادت عليه جميع البلاوي أن اصحبني معك، اتق الله في شباب الوطن فقد بلغ أمرهم إلى الخاص والعام أنهم يرمون أنفسهم في البحار هربا من الفقر والضيق تأكلهم حيتان القرش، اتق الله في نخوة الوطن فإن نساءه لم تعد فنادق الخليج تتسع لهن ، ولم يعدن يأتين هنا بالواحدة أو الاثنين، وإنما بالعشرات وقد استقبل فندق واحد خلال الأشهر الماضية في الدوحة أربعين فتاة مغربية دفعة واحدة!؟ وأنا أتساءل لماذا جاءوا إلى هنا؟ ولماذا بالضبط في الفنادق؟ ولماذا يأتين بلباس لا أقول به عنهن كاسيات عاريات ، ولكن عاريات عاريات !! ماذا تقول أيها المسؤول أمام الله وأمام شعبك وأمام التاريخ كبرت مسؤوليتك أو صغرت عن نفسك وعن نخوتك لما تجد الحمامات أو المراحيض الآدمية أعزكم الله في كل مكان ومن إنتاج مغربي؟؟؟ ما الفرق بين فتياتنا وفتيات اليمن أو مصر أو ليبيا أو موريتانيا ،، لعل مستويات الفقر متقاربة بينهن جميعا لكن الأمر هو أكبر من مجرد العوز المادي إنه عوز الهوية والانتماء ، إني والله لا أحترم شخصا مهما كثرت نياشينه لا يحترم شعبه ولا يكرم شعبه بل يهينه ويرميه رمي الجيفة للذئاب لينهشوها حتى إذا أنهت مآربها سخرت من الضحية وراميها على حد سواء ، إنني أطالب بوقف سفر المرأة خارج الوطن دون محرم كما هو حال نساء كثير من الأقطار العربية والإسلامية ، اتق الله في مغرب التاريخ والأصالة وشعبه المؤمن الأبي التقي النقي ، وأوقف قوافل السحرة والمشعوذين الذين يأتون إلى بلاد الخليج وغيرها ليفسدوا سمعة المغرب والمغاربة ، ولكم أحرجت وأنا أريد حجز تذكرة لرحلة داخلية في السعودية فيسألني الموظف بعد أن عرف جنسيتي و طبيعة عملي قائلا لي : يا شيخ إنني أحب المغرب والمغاربة وأغار عليه ولي أصدقاء مغاربة محترمون ، لذا فأنا لا أرضى لأهله المهانة بأن يوصفوا بالسحرة والمشعوذين ، فقلت وما أدراك بما تقول ؟ فأخذني إلى مكتبه الخاص وفتح درجا أخرج منه مائة وعشرين خرقة وجلد الحيوانات بكتابات غير مفهومة وقال : هذه التعويذات الشركية والتمائم السحرية حجزناها من سبعة مغاربة أتوا في طائرة واحدة من المغرب ، وهم الآن في السجن وينتظرون طردهم من البلد بعد أن يبث في أمرهم المسؤولون ، فما استطعت حينها إلا أن أصحح جاهدا له النظرة حتى لا يعمم حكمه هذا ، لكن لما اختليت بنفسي قلت : كم من مسؤول هناك وفي دول الخليج عامة يتداولون موضوع السحر القادم من بلادي ؟؟ ويعلم الله الأسى الذي شعرت به وأنا أقرأ في جريدة مصرية صفحة كاملة عن السحر والشعوذة في المغرب ، فاتق الله أيها المسؤول وأوقف الأمر فقد تجاوز حد الحالات الناذرة إلى وصمة عار في جبين كل مغربي غيور . الكلام طويل والشكوى إلى الله تعالى ، لكن أجمل الأمر في قولي : اتق الله أيها المسؤول في المغرب والمغاربة فإنهم لا يستحقون منك كل هذا الإهمال والضيم ، اتق الله في لقمة عيشهم ومستقبل أبنائهم فإنهم لا ينقصون شيئا عن أبنائك ، إن الناس ينحنون إجلالا لكل مسؤول يحترم شعبه ويخدم وطنه ، فاجعلهم ينحنوا لك بعد أن ينحنوا لشعبك من قبلك . من خلال تجربتك ما تقييمك للدروس الوعظية والخطب المنبرية المغربية بنظيرتيهما المشرقية سواء من حيث المحاور أو الإلقاء وغيرهما؟ الخطابة في المغرب قديما كانت مجرد شعيرة يؤديها الناس ثم ينفضوا منها أيديهم بعد ذلك ، إلا بعض الاستثناءات القليلة جدا ، لكن مع السنوات القليلة الماضية وبروز مشايخ لهم مكانتهم العلمية والاجتماعية وقبل ذلك الإيمانية كذلك نحسبهم انتقلت الخطابة من مجرد طقوس فارغة إلى رسالة تربوية واجتماعية لها أثرها الواضح على عموم الناس ، وهذا من فضل الله تعالى أولا ثم مرده إلى الوعي العلمي والثقافي والاجتماعي لكثير من المشايخ فرسان المنابر ، ويمكن أن أصف الخطبة في المغرب بأنها ذات بعد مقاصدي بالدرجة الأولى ، لذا تجد العناية فائقة لدى الخطيب في المغرب بفقه الأولويات وتقديم الأهم على المهم ، وترتيب المصالح والمفاسد عند تزاحمها، وهكذا، وقد أثمر الفكر المقاصدي المنضبط بضوابطه الشرعية ثمارا طيبة تمثلت في تحبيب المساجد إلى شباب الأمة وإقبالهم الشديد عليها، وتبكيرهم في حضورها، وتفاعلهم مع مواضيعها، وتجاوبهم السريع لما اشتملت عليه من توجيهات وإرشادات، بل هناك أحياء كثيرة التزمت فتياتها الحجاب الإسلامي العظيم بفضل الله ثم بجهود الخطيب فارس المنبر صاحب الكلمة الطيبة الهادفة، وأذكر نموذجا هنا وهو الشيخ عبد العزيز السجاعي حفظه الله، فقد كان خطيبا في جامع بدر ما يزيد على ثماني سنوات لا تشعر معه في أي خطبة بالرتابة أو الملل، بل كل خطبة كأنها خطبته الأولى، وقس عليه عددا كبيرا من مشايخنا الفضلاء وأئمتنا العلماء الحكماء، أسأل الله تعالى أن يبارك أيامهم وأعمالهم . وهذا على خلاف المساجد في المشرق عامة والخليج خاصة باستثناء مصر فالمنهج الظاهري فقها و دعوة هو الغالب على كثير من خطبائه إلا القليل ، وهذا القليل لم يجد الحرية للكلام والتوجيه كأمثال الشيخ الدكتور عايض القرني والشيخ الدكتور سفر الحوالي والشيخ الدكتور سلمان العودة وغيرهم كثير ، وقد اشتد الخناق عليهم بعد أحداث سبتمبر من السنة الماضية، وأنا حقيقة أرى وهو كلام سمعته من الشيخ صفي الرحمن المباركفوري أن من الخطأ أن يتصدى للدعوة والخطابة من لا يفقه مراتب المصالح والمفاسد، ولا يعرف كيف يتعامل معها عند التزاحم، فربما أنكر منكرا بطريقة تؤدي إلى منكر أكبر، وربما والى وعادى على مسألة فترتب على ذلك فساد أعظم، وربما تشدد في مسألة وتهاون فيما هو أعظم، وأمثال ذلك من الأمور التي يفتقد البعض حيالها العلم والعدل والتقوى وفقه خير الخيرين وشر الشرين . أما على مستوى الشكل وطريقة الإلقاء وبالتالي الإقناع و الإشباع فلا شك أن للمشارقة عامة والخليجيين والمصريين خاصة السبق في هذا المجال ، فقوة الفكرة مع سلاسة التعبير وإيراد نوادر الأدلة والشواهد عليها مع الاستئناس بالشعر العربي والحكم والقصص الداعمة لها ، كل هذا يعطي للخطبة أو الدرس ميزة خاصة . وأغتنم الفرصة هنا لأوجه نداء خاصا وقويا إلى مشايخي أصحاب الفضيلة العلماء والوعاظ وغيرهم المغاربة لأوجه انتباههم إلى الاهتمام أكثر بما أعتبره علما قائما بذاته وهو ما يمكنني أن أسميه "المأثيرات الصوتية والوجدانية" ،فالعناية بمخارج الحروف مع عدم السرعة في الكلام ومراعاة مقتضى حال الخطيب مع حال الكلام ثم التفاعل النفسي والوجداني مع الطرح كل عوامل تزيد الخطبة أو الدرس بهاء وجمالا يؤديان في الأخير إلى إقناع المستمع ،أقول هذا الكلام لأنني أحب لعلمائنا ومشايخنا أن يخرجوا من دائرة القطرية المغربية إلى ساحة العالم الإسلامي الرحبة الواسعة ، وما ذلك على المدرسة المغربية وأبنائها بعزيز . أنت واحد من أبناء الصحوة الإسلامية المغربية كما أنك عايشت شباب هذه الصحوة في المشرق خاصة في السعودية وقطر، السؤال أين وجوه التقصير والنقص خاصة في المجال الدعوي لدى أبناء الصحوة المغربية؟ أنا أرى أن المغاربة خارج الوطن كلهم إخوة أو هكذا ينبغي وأنهم جسد واحد ، وهذه سنة الله في الخلق ( وكذلك جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) فتشوق المرء إلى أبناء شعبه ووطنه وحنينه للقائهم والجلوس معهم أمر جبلي لا ينكره إلا مريض مرضا نفسيا أو عقليا . وعليه فإنني أرى أن الجهات الرسمية المسؤولة ومنها السفارات التي ما وجدت إلا لتسهر على مصالح الشعب أينما كان تحمل النصيب الأوفر في تحقيق التواصل بين أبناء الشعب الواحد على جميع المستويات والأصعدة ومنها الجانب الاجتماعي و الثقافي والدعوي ، وهنا أتساءل : أين هي الملحقات الثقافية في سفارات البلد المختلفة ، هل أريد للسفارة أن تكون ممثلة لجميع الوزارات ذات الصلة الوثيقة بالمواطن المتغرب بما فيها وزارة الثقافة ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها أم أن السفارة هي مندوب وزارة الداخلية بالمفهوم المخزني للمصطلح ؟؟ أين نحن المغاربة من العمل الاجتماعي والثقافي والدعوي والترفيهي الهادف ؟؟! لا أرى من ذلك إلا جهودا فردية من هنا وهناك لشباب غيورين على بلادهم وشعبهم يحبون الخير لوطنهم ، فهناك من يستدعي من يعرف من المغاربة على مائدة الإفطار مثلا في رمضان ، وهناك من يرتب دوريا لكرة القدم يتم التعارف من خلاله بين أبناء الوطن الواحد وإن اختلفت مدنهم ، ثم في المناسبات الدينية تجد من هؤلاء من يصر على لباسه المغربي التقليدي ويخرج في زيارات لعلماء البلد المضيف ومشايخه وأئمته ووجهائه بصحبة إخوانه المغاربة ،، وهكذا ،، وهذا فيه خير كثير وينبغي تشجيع هؤلاء ودعمهم والتعاون معهم لا تركهم وصرف الملايين فيما لا نعلم! . كلمة للشباب؟ حافظوا على نخوتكم وأنفتكم التي أرضعتكم إياها أمهاتكم وأنتم في المهد ، أقبلوا على إصلاح أنفسكم بالإيمان ، وتكميل تربيتكم على الحب والعدل والرحمة واللين والحكمة ، وأقول للشباب المغترب : كونوا مسلمين مغاربة ، وأقول للمسؤولين عن البلاد والعباد : ارحموا أنفسكم وارحموا المغاربة .! الدوحة - عبد الحكيم أحيمن