لقد استبشر سكان وتجار مركز القصر الصغير بمشروع إعادة تهيئة المركز خيرا، وعلقوا عليه آمالهم واعتبروه خطوة إصلاحية مهمة تواكب جميع المشاريع التي شملت المنطقة ككل. وذلك باعتباره موقعا استراتيجيا مهما يطل على القارة الأوربية، ويرتبط بموقع أثري يعود إلى تاريخ مضى ، يعرف بعدة حضارات شهدتها المنطقة ، زيادة على وجود ميناء طنجة المتوسط الذي سيجعل منه مستقبلا محطة لعدد من المستثمرين المحليين والأجانب. الأمر الذي سينعكس إيجابا على ساكنة المنطقة وعلى الوطن ككل، ويعود عليهما بالنفع العميم في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ولكن والحالة هذه ، سرعان ما ذهبت الآمال أدراج الرياح بعد أن فوجئ السكان المعنيون بما لم يتوقعوه. فقد شابت المشروع عدة خروقات ابتداءا من الاستيلاء على أراضي الخواص ومحلاتهم التجارية التي كانت في ملكهم منذ سنين، سواء تلك التي ورثوها عن أبائهم وأجدادهم أو التي قاموا بشرائها مؤخرا بعد أن تجند المسؤولون للضغط على أصحاب الأملاك من أجل حثهم على قبول التراضي مقابل أثمان مجحفة لم يتسلموها لحد الآن رغم الوعود المقدمة من عدة جهات وازنة.
أما بالنسبة للأشغال فيصعب وصفها وتقييمها لإنها لاتخضع لمعايير دفاتر التحملات بالشكل المطلوب، فالمقاول لم يحترم التزاماته ، لأنه لم يكلف نفسه عناء رش المياه لتفادي إثارة الغبار الذي يغشي المحيط ، و يخنق الأنفاس، زيادة على البطء في إنجاز الأشغال التي تجاوزت المدة المخصصة لها رغم السرعة الفائقة التي اعتمدت في هدم المحلات التجارية والشرفات، وذلك في الوقت التي ظلت السلطات هي العنصر الغائب عن المشروع بسبب تخليها عن دورها الأساسي في المراقبة والتنسيق ، باستثناء قيامها بعض الزيارات الروتينية التي لاتسمن ولاتغني من جوع.
فكل من يعرف القصر الصغير في الماضي يتأسف عليه في صمت بسبب هاته الاشغال المشوهة التي لاترقى إلى المستوى المطلوب ، إذ لازال المقاول يشتغل بأدوات بدائية في غياب اليد العاملة المتخصصة. فلا جمالية ولا إتقان ولا هم يحزنون، وخير دليل على ذلك، هو الانهيار الذي حدث في مدخل المركز، والذي تسبب في عرقلة السير وتأخير في الإنجاز الذي لا يعلم نهايته الا الله، وقد حدث هذا والمشروع لازال في بدايته، ونسأل الله اللطف فيما سيأتي مستقبلا.
ورغم إلحاح الساكنة والتجار على المسؤولين للاجتماع بهم بهدف الإصغاء إلى اقتراحاتهم حول المشروع، فقد قوبل هذ المطلب بالامبالاة، وظل السائد هو سياسة التعتيم والغموض، فلا أحد يعرف التكلفة المالية للمشروع، ولا المدة الزمنية للإنجاز ، كما لم تتم الإشارة إلى ذلك في لوحة الإعلان المعرفة بالمشروع.
ونتيجة لهذا الغموض، بدأت تروج إشاعات بين الساكنة عن وجود بعض المستفيدين من المشروع، بدليل إعفاء بعض البنايات من قرار الهدم رغم أنها مشمولة بذلك في التصميم، بل حتى بعض القطع الأرضية التي كانت بدورها مدرجة في المشروع باعتبارها مواقف للسيارات قد تم غض الطرف عنها، ورخص لأصحابها باستغلالها على هواهم . فكل هاته العوامل جعلت الساكنة المتضررة والمتظلمة تتشبث بمطالبها المشروعة، وهي التي عانت لمدة سنة من ويلات الضجيج والغبار والظلام، زيادة على التشوه الذي لحق النوافذ والأبواب، وكذلك الهدم الذي تعرضت له الشرفات التي كانت تقي المحلات التجارية حر الشمس والرياح والأمطار. بل حتى الدكاكين التي تم نقلها لازالت بلا ماء صالح للشرب رغم أنها كانت تتوفر عليه فيما قبل ، ولما طالب أصحابها بالماء بدأ كل مسؤول يحيلهم إلى مسؤول آخر. هذا مع العلم أن النشاط الأساسي لأصحاب المحلات التجارية هو بيع المواد الغذائية وإعداد الأطعمة والوجبات الغذائية، كما أن هذه المنطقة المحادية للشاطئ تحتل موقعا مكشوفا معرضا لهبوب الرياح القوية المحملة بالرمال.
وفي المجمل، إنه يتعذر إحصاء الخروقات التي شابت المشروع من كل جوانبه التدبيرية بسبب غياب الإتقان والجودة في الأشغال، ولكن الأساسي هو أن لا يضيع حق السكان ويذهب سدى دون أن تحاسب الجهة التي تسببت في تبذير المال العام بسبب الإهمال في القيام بالواجب الذي يخوله القانون من مراقبة ومحافظة على أمن وسلامة وصحة المواطنين، ممايفرض فتح تحقيق في الموضوع من أجل إنصاف الساكنة ، والعمل على الحد من العشوائية والمحسوبية والغش وتبذير المال العام، وعدم إقصاء وتهميش السكان ، بل إشراكهم والأخذ بمقتراحاتهم وعدم التضييق على حرياتهم بهدف إنجاح هذا المشروع الواعد بتحقيق الخير للمنطقة خاصة وللمغرب عامة.