هشام المساوي: تواصل جهة طنجة – تطوان – الحسيمة التقدم بخطى حثيثة لتعزيز موقعها ضمن خارطة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة، حيث ولجت حقبة جديدة من التنمية على كافة الأصعدة، لتفرز نموذجا مغربيا خالصا في التنمية المحلية المندمجة. هي مجموعة من المشاريع المهيكلة والاستثمارات العمومية والخاصة التي وطدت مكانة الجهة كقاطرة للتنمية المنشودة، مشاريع شملت قطاعات الاقتصاد والصناعة والثقافة والبنيات التحتية والطب والتعليم والتكوين، وجعلت من الإنسان محورا وغاية. فقد حظيت الجهة بعناية مولية سامية على جميع الأصعدة، مكنت في فترة وجيزة من تدارك الخصاص وتحقيق إقلاع تنموي حقيقي في مختلف المجالات، وهو ما تعكسه الدينامية الهامة التي شهدها النسيج المقاولاتي خلال السنوات الأخيرة، بحيث تضاعف بثلاث مرات عدد المقاولات المحدثة، لينتقل من 6.403 مقاولة سنة 2010 إلى حوالي 20 ألف مقاولة سنة 2018. وتعتبر الدينامية التي شهدتها الجهة العام الحالي نتيجة طبيعية لسيرورة تنموية انطلقت منذ سنوات عدة، والتي مكنت، حسب تقرير للمندوبية السامية للتخطيط حول الحسابات الجهوية صدر في شتنبر الماضي، من تحقيق نمو صافي بالجهة بمعدل 5,8 في المائة عام 2017، أي أعلى من متوسط النمو الوطني (4,2 في المائة). وبفضل هذه الدينامية، فقد ساهمت جهة الشمال، حسب التقرير ب 0,6 في المائة في نمو الناتج الداخلي الخام للمغرب، لتصبح ثالث أهم جهة مدرة للثروة على الصعيد الوطني بعد الدارالبيضاء – سطات (1,3 في المائة) والرباط – سلا – القنيطرة (0,8 في المائة). وجاءت هذه الدينامية بفضل المجهودات المبذولة في مجال الاستثمار العمومي على مدى سنوات، فعلى سبيل المثال فقط، استقبلت مختلف عمالات وأقاليم الجهة خلال عام 2018 استثمارات عمومية تفوق 31 مليار درهم، والتي ساهمت في خلق بنيات اقتصادية مهمة وتوفير المناخ الملائم لنمو نسيج مقاولاتي متنوع، بإمكانه تحسين مؤشرات التشغيل وخلق المقاولات ورفع نسبة التشغيل. وكرس القطاع الصناعي مكانته في مقدمة الأنشطة الاقتصادية القادرة على جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية في قطاعات متعددة من قبيل السيارات والطيارات والنسيج والألبسة والخدمات واللوجستيك، فالمناطق الصناعية التابعة لطنجة المتوسط تستقبل اليوم 912 شركة في مختلف التخصصات، تحقق رقم معاملات سنوي يفوق 7 مليارات أورو. ومنذ بداية عام 2019، تواصلت الاستثمارات الأجنبية الصناعية في التوافد على الجهة، التي توفر مناخ الأعمال الملائم للشركات العالمية لتطوير أنشطتها بالقارة الإفريقية وتموين عملائها بالعالم انطلاقا من المغرب، حيث افتتحت المجموعة الهندية “فاروك لايتينغ سيستمز”، المتخصصة في صناعة أنظمة كهرباء السيارات، الشطر الأول من وحدة صناعية بطنجة باستثمار يصل إلى 45 مليون أورو، بينما شرع مصنع الفاعل الألماني “بريطل” باستثمار يصل إلى 130 مليون درهم في إنتاج كابلات وأنظمة الضخ بالسيارات. ومن اليابان، اختارت مجموعة “ميتسوي كينزوكو آكت” استثمار 12,5 مليون أورو في مرحلة أولى لأنشاء مصنع فريد بالقارة الإفريقية على مساحة 20 ألف متر لإنتاج أقفال أبواب السيارات، بينما ضخت المجموعة الفرنسية “فاليو” 130 مليون أورو لإطلاق منظومة لصناعة أجزاء السيارات، مدعمة بمركز للبحث والتطوير. كما استعاد قطاع النسيج عافيته وشرعت عدد من الوحدات في تعزيز استثماراتها بالمنطقة الحرة للتصدير، ومن بينها “فيتا كوتير – دي برانت”، اللذين استثمرا 220 مليون درهم لافتتاح وحدة لصناعة وصباغة النسيج وإنتاج الألبسة الجاهزة. فيما واصل قطاع ترحيل الخدمات استقطابه للفاعلين الدوليين بافتتاح وحدة جديدة للمجموعة الفرنسية “مايوبلا” باستثمار يناهز 20 مليون درهم وتشغيل 500 شخص. ولا تنحصر أوجه الاقلاع على المستوى الاقتصادي فقط، فجهة الشمال، التي تستقبل أزيد بقليل من 10 في المائة من السكان النشيطين المغاربة، بصمت على ملامح نهضة لا تخطئها عين الزائر. يكفي الإشارة إلى أن هذا العام شهد افتتاح كلية الطلب ومعهد التكوين في مهن الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والتحضير لإطلاق مدينة المهن والكفاءات على مساحة 12 هكتارا، وإطلاق مشاريع المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير والكلية المتعددة التخصصات بالحسيمة، وهي مشاريع تروم بالأساس النهوض بالرأسمال البشري للجهة وضمان التكوين الملائم لحاجيات سوق الشغل. أما على مستوى قطاع الصحة، فقد اقترب افتتاح المركز الاستشفائي الجامعي بطنجة، والمستشفى الإقليمي الجديد بالحسيمة، والشروع في دراسات بناء المستشفى الإقليمي لوزان، إلى جانب إبرام اتفاقيات لتحسين وتعزيز وتجويد الخدمات الصحية بقيمة تصل إلى 256,9 مليون درهم تشمل مختلف العمالات والأقاليم في الفترة بين 2019 -2021. وإن كانت منطقة طنجة على الخصوص تواصل النمو بشكل مطرد، فإن الجهود مستقبلا يتعين أن تنصب حول ضمان التوازن والتضامن بين عمالات وأقاليم الجهة، مع توزيع الاستثمارات بشكل يساهم في الحد من الهجرة ويقضي على التفاوتات ويعزز العدالة المجالية.