قديما قال الفيلسوف الألماني ارثر شوبنهاور، إن “فقدان الشيء يعلمنا قيمته”، وخلال أيام عيد الأضحى المبارك، يدرك كثير من المواطنين، قيمة “بقال الحومة”، بعد ان يشد الكثير من التجار الصغار، رحالهم لقضاء العيد في قراهم ومدنهم البعيدة عن طنجة، كما غيرها من المدن الكبرى. وإذا كان “بقال الحومة” او “مول الحانوت”، يمثل مصدر تموين لا غنى عنه بالنسبة للكثير من الأسر على مدى شهور السنة، بفضل تسهيلات الاداء المتاحة، فإن هذه الأهمية تبدو اكثر تجليا خلال فترة عيد الاضحى، التي يختارها اغلب أصحاب محلات البقالة، ومعظمهم ينتمون إلى الجنوب، مناسبة لعطلتهم السنوية، التي تمتد ما بين اسبوعين الى ثلاثة. ورغم استمرار المراكز التجارية الكبرى والاسواق الممتازة، في عرض خدماتها خلال هذه الفترة، إلا ان غياب التسهيل في الاداء عل غرار “بقال الحومة”، يصرف الكثير من المواطنين من ذوي الدخل المحدود على الاقبال على هذه الخدمات العصرية. وهذا ما يعبر عنه “ياسين”، الذي تربطه معاملة مستمرة بين بقال الحي الذي يقطنه، ويقول “العلاقة بيننا وبين البقال اكثر من علاقة تجارية .. هي علاقة انسانية تقوم على الثقة والصبر بين الطرفين”. وبحسب “ياسين”، وهو الشاب المتزوج ويعمل في إحدى الوحدات الصناعية بطنجة، فإن المراكز التجارية العصرية، لا يمكنها ان تعوض فضل البقال الصغير على الناس البسطاء “ما عندهومشي حاجة اسمها كارني الكريدي وفي حالة البقال هذا صابر مع هذا .. اللهم بارك”، يقول المتحدث. وفي وقت تبقى الفئات الشعبية، مدينة بشكل كبير لهذا التاجر الصغير الذي يلعب دورا كبيرا في تقريب حاجيات المواطنين من المواد الغذائية وغيرها مع ما يرافق ذلك من تسهيلات الأداء، ما يساهم منذ عقود في الحفاظ على السلم الاجتماعي بالمغرب، الا انه يعاني الكثير من الاجحاف من طرف الجهات المسؤولة محليا ومركزيا، من خلال اثقال كاهل التجار بالضرائب والترخيص لفاعلين اقتصاديين يشكلون بالنسبة لهم منافسة غير متكافئة. هذه الحقيقة، سبق ان اقر بها وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي، مولاي حفيظ العلمي، حين صرح بأن “البقال الصغير لديه انطباع قوي بأنه مهاجَم من كل الجهات، من المراكز التجارية الكبرى إلى التهريب والباعة المتجولين والبيع عبر الأنترنيت والنظام الجبائي، وكلها تؤثر على تجارته”. واعترف العلمي، في تصريح خلال اشغال المناظرة الوطنية للتجارة الداخلية، في ماي الماضي بمراكش، ب”الدور الاجتماعي الرئيسي الذي يلعبه في النسيج الاقتصادي بفضل خدمات القرب التي يقدمها للمواطنين، خصوصاً عمليات الاقتراض، ما يُسمى بالكَارْنِي”.