إلى جانب الأسواق التجارية الكبرى، التي يتم إحداثها في المدن الكبرى بمناطق معينة، وبأعداد محدودة، عرفت جل المدن المغربية في السنوات الأخيرة انتشار أسواق تجارية متوسطة الحجم بمواصفات عصرية، وسط مختلف أحياء هذه المدن، خاصة الشعبية منها، كما أن هذه الأسواق تنتشر بأعداد كبيرة داخل المدينة نفسها، بل أحيانا يوجد في الحي نفسه، أكثر من محل تجاري عصري حدث لنفس العلامة التجارية، مما بات يهدد التجار الصغار «مول الحانوت»، الذي واكب الأسر المغربية منذ عقود من الزمن، من خلال سياسة القرب وتوفير مجموعة من التسهيلات «إمكانية الشراء بالقرض (الكريدي) التي تسمح للأسر الفقيرة بالحصول على المواد الغذائية التي يحتاجونها. وفي ظل ما بات يعرفه المحيط الاقتصادي من تحولات عميقة ومتسارعة لبناء نموذج تنموي ناجع للقطاع، الذي يستوجب عناية واهتماما خاصا من أجل تثبيت دعائم إنعاشه وتقوية هياكله من خلال تحقيق تنمية شاملة تستجيب لمتطلبات تأهيله والرفع من المستوى المادي والمعنوي للعاملين فيه وتمكينه من مواجهة التحديات المطروحة والآنية ومن الاندماج في هذه التحولات. ولرصد واقع التجارة الداخلية، وما بات يعيشه التاجر الصغير «مول الحانوت» من معاناة في ظل ما تمت الإشارة إليه آنفا، حاولت جريدة بيان اليوم، التواصل مع وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، للحصول على حقائق وأرقام خاصة تهم هذا القطاع وتطوره، وسبل مساعدة «مول الحانوت» والنهوض بوضعه الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب التواصل مع مهتمين بالقطاع لرصد التحديات التي أصبح يعيشها البقال، وأي حلول لمعضلته، أسئلة وأخرى حاولنا الإجابة عنها من خلال هذا الخاص، خاصة في ظل المنتدى المغربي للتجارة، الذي ستنظمه وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، بتاريخ 24 و25 أبريل بمراكش، والذي سيخصص، إضافة إلى البحث عن حلول واقعية للمشاكل المستعجلة للقطاع التجاري، إلى وضع الأسس لمقاربة طموحة وشاملة تسمح لهذا القطاع من لعب الدور المنوط به في تنمية البلاد. التجارة الداخلية .. قطاع يساهم في خلق الثروة وتقليص البطالة الوزن الاجتماعي والاقتصادي للقطاع أوضحت وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، أن قطاع التجارة الداخلية يعد من أهم القطاعات على المستوى السوسيو اقتصادي، كاشفة أنه يحتل الرتبة الرابعة على مستوى خلق الثروات، وتبلغ مساهمته في الناتج الداخلي الخام 8 بالمائة، وذلك بقيمة مضافة بلغت 84 مليار درهم في سنة 2017. وأكدت الوزارة، من خلال مذكرة توصلت بها جريدة بيان اليوم، بشأن «واقع التجارة الداخلية»، على أنه فيما يخص التشغيل، يحتل قطاع التجارة الداخلية المرتبة الثانية من حيث عدد مناصب الشغل على الصعيد الوطني، مشيرة إلى أنه يشغل 13.8 بالمائة من الساكنة النشيطة بالمغرب، أي حوالي 1.46 مليون شخص، كما أن القطاع هو أول مشغل بالمجال الحضري (1.16 مليون شخص، أي 21.4 بالمائة من الساكنة النشيطة بالمدن) حسب المذكرة الوزارية نفسها. وتابعت المذكرة، أن القطاع التجاري يعتبر حلقة وصل بين المنتج والمستهلك وبذلك يساهم في تموين مختلف المدن والقرى المغربية وفي ترويج المنتوجات إضافة إلى الخدمات المتنوعة التي يوفرها للمستهلك، مضيفة أن قطاع التجارة الداخلية والتوزيع يستقطب ما يفوق 65 بالمائة من نفقات الأسر المغربية وتزداد هذه النسبة كلما قل الدخل وبالتالي له تأثير مباشر على المستهلك المغربي وخاصة الفئات المعوزة. تحول مستمر جاء في المذكرة الوزارية ذاتها، أن ساكنة المغرب، التي تتعدى 33.8 مليون نسمة، وتعرف نسبة تمدن قدرت ب 60.3 بالمائة خلال سنة 2014، تمثل شريحة متنوعة من المستهلكين من حيث المستوى الثقافي والمعيشي وكذا الرغبات والحاجيات المتعددة والمتغيرة. واعتبرت الوزارة في مذكرتها أن الانفتاح على السوق ومتطلبات التنافسية الملحة ونمو الفضاء العمراني وكذا تطور العادات الاستهلاكية شجعت على ظهور أنماط جديدة للتجارة كالمراكز التجارية، المساحات الكبرى واستغلال الأسماء التجارية (فرانشيز) وكذلك شبكات التوزيع المتخصصة والتجارة الإلكترونية، مبرزة أن ذلك يتجلى في انتشار المساحات الكبرى والمتوسطة، كاشفة أن عددهم انتقل من 147 وحدة تجارية سنة 2010 إلى 575 سنة 2018، مضيفة أن عدد الشبكات التجارية انتقل بدوره من 454 سنة 2010 إلى 745 سنة 2016 مرافقا بارتفاع ملحوظ لنقط البيع. وفي الصدد ذاته، قالت الوزارة إن التجارة الالكترونية كذلك عرفت نموا سريعا خلال السنين الأخيرة حيث وصلت نسبة النمو إلى 50.3 بالمائة حسب تقرير المركز المغربي للنقديات، مضيفة «إلا أنه رغم التطور الذي تعرفه التجارة العصرية، فهي لا تتعدى 14 بالمائة من حصة السوق، في حين مازالت تجارة القرب تهيمن على النسيج التجاري بما يقارب 80 بالمائة من نقاط البيع». وعزت الوزارة هيمنة تجارة القرب، إلى الدور الاجتماعي والاقتصادي المهم الذي تلعبه داخل النسيج التجاري المغربي، باعتبار الهوية الوطنية التي تمثلها، إضافة إلى خدمات القرب التي تقدمها للمستهلك كالتسهيلات في الأداء، والبيع بالتقسيط واعتماد أوقات عمل ملائمة. معيقات وتحديات قالت الوزارة، إنه على الرغم من الأهمية التي يكتسيها القطاع كدعامة للاقتصاد الوطني، فإنه ما زال يعاني من مجموعة من المعيقات التي تكبح تطوره، مضيفة: «ذلك أن تشخيص الوضعية الحالية للقطاع يبرز تواجد عدة مشاكل ومعيقات تتعلق بالمحيط الخارجي الذي يؤطر هذا القطاع وكذا مشاكل داخلية متعلقة بنموذجه الاقتصادي». وأوضحت الوزارة أن قطاع التجارة الداخلية يعرف منافسة شرسة من طرف القطاع غير-المهيكل، وذكرت منها على سبيل المثال لا حصر، انتشار الباعة المتجولين والمواد المهربة، ثم المعاناة من كثرة الوساطة العقيمة مما يضعف مردودية القطاع وينعكس سلبا على المستهلك. واعتبرت الوزارة أن غياب التغطية الاجتماعية للتجار يشكل أكبر مشاكل فاعلي القطاع كضمان لديمومة نشاطهم وحمايتهم في حال توقف النشاط أو المرض المزمن أو غيرها، مبرزة أن التجار يعانون من صعوبة الحصول على تمويل يتناسب مع حاجياتهم وذلك في غياب ضمانات تجاه المؤسسات البنكية والتمويلية مما يحول دون تشجيعهم على الاستثمار من أجل عصرنة وتطوير نشاطهم. وأضافت المذكرة الوزارية، أن قطاع التجارة الداخلية يعرف ضعفا على مستوى تنافسيته ويعزى ذلك إلى استعمال أساليب تقليدية وعدم مواكبة الأنماط التجارية العصرية وكذا نقص في كفاءات مهنية تستجيب لحاجيات مختلف في أنشطة القطاع التجاري. الغول الأناضولي من جهته، قال رئيس جمعية أكادير لتجار المواد الغذائية بالتقسيط، ادبوهوش المختار، إن «مول الحانوت» في ظل الإكراهات الجبائية والمنافسة الشرسة للأسواق العصرية والمساحات الكبرى والمتوسطة في الأحياء الشعبية وفي الأزقة، يجد نفسه في مواجهة الرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف بالضعيف وبالرأسمال البسيط وما يسديه من خدمات اجتماعية وأمنية وبنكية للمجتمع. وتابع ادبوهوش في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن إكراهات متعددة تتناسل من جوانب متعددة لإقبار هذا الموروث الشعبي رغم أهيمته في التشغيل وامتصاص البطالة وإسداء خدمات اجتماعية لذوي الدخل المحدود وتثبيت الأمن والاستقرار في الأحياء الشعبية. وشدد المتحدث نفسه على أن «مول الحانوت» قوبل من طرف المسؤولين على القطاع بالتهميش، واللامبالاة من أجل تأهيل القطاع، وبفرض قوانين مالية مجحفة، اعتبر أنها ستعصف لا محالة بمول الحانوت إلى الزوال والاندثار، مستطردا قوله: «معبدين بذلك الطريق للغول الأناضولي وغيرها من الشركات للاستثمار في هذا المجال». ودق رئيس جمعية أكادير لتجار المواد الغذائية بالتقسيط، ناقوس الخطر للمعنيين بالشأن التجاري، داعيا إلى الاهتمام بالبقالة من خلال برامج وأوراش التكوين والتأهيل مع مواكبة عصرنة المحلات للحفاظ على هذه المهنة، والتخفيف الوعاء الضريبي الوطني والمحلي من جهة ثانية. وعزا ادبوهوش، ما يعيشه مول الحانوت من مشاكل وإكراهات «لا تعد ولا تحصى» إلى السياسة المتبعة من طرف الحكومة «والتهميش الممنهج من طرف الوزارة الوصية على القطاع»، معتبرا أنها سنت قوانين تسمح للمساحات الكبرى والمتوسطة والصغرى بغزو المدن والأحياء، مضيفا أن ذلك وسيلة لإقبار مول الحانوت. ضرورة حماية التجار الصغار كشف رئيس الجامعة المغربية لغرف التجارة والصناعة والخدمات ورئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات جهة طنجةتطوانالحسيمة، عمر مورو، أن المناظرة الوطنية المزمع تنظيمها في الأيام المقبلة، سبقتها عدة مناظرات جهوية، معتبرا أن ذلك من صلب اهتمامات مؤسسة الغرفة والوزارة الوصية، وتمت هذه المواكبة بكل جهة على حدة، لما لكل جهة من خصوصية. وتابع مورو في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن كل جهة وجهة عندها إكراهات خاصة بها، مشيرا أنهم حاولوا الاستماع للمهنيين والتجار البسطاء، لكي يخرجوا بفلسفة جديدة أو مشروع أو إستراتيجية جديدة التي انبثقت من المهنيين، «القليل القليل من الاستراتيجيات في بلادنا التي تخرج من عند المهنيين، هذه النقطة الأولية والتي أحيي فيها وزير التجارة والصناعة على مثابرته وعلى السفريات والتنقلات التي يقوم بها، خلال هذا الشهر لمواكبة الخرجات الجهوية». وشدد مورو على أن التاجر يشعر ب إكراهات عدة، مشددا على أنه اليوم من اللازم الاهتمام أكثر بهذا المشكل الخاص ب «les grande surface»، والتي تنقسم إلى شقين، مضيفا: «أظن اليوم أن ذاك التاجر الصغير البسيط هو تاجر يعمل كمناضل، يعمل في الظل، هو الذي يواكب ذلك المواطن البسيط بمجموعة من التسهيلات «يعني بالكريديات، بالكارني ديال الكريدي»، هكذا تربينا وتربت جل الشرائح بالمغرب، يعني بتجارة القرب، يساعدنا ويساعد أهلنا، وعائلاتنا وكل جيراننا، ويحاول أن يكون سند لأي دار من خلال سياسة ديال القرب، فأظن بأن هذه الثقافة باقية عندنا، يعني انبثقت من الأحياء شعبية والأحياء اللي تربينا فيها، وبالتالي علينا أن نحاول مساعدة هذه الشريحة، مثل بعض المشاريع التي تم إطلاقها في وقت سابق، وللأسف لم تستفد منها إلا قلة، ولم تواكب كل تطورات القطاع». وأبرز مورو أنه في البداية كان الحديث عن التاجر، وعن بقال صغير يبيع ما بين خمسين إلى مائة من المواد، مشيرا إلى أنه اليوم أصبح ملزم بأن يوفر ما بين خمسمائة إلى ألف مادة، باعتبار أن ثقافة المغاربة بدأت تتغير، بدخول الإنترنيت، «هناك أيضا مشكل الإشهار، حيث أن بعض المواد التي يتم إشهارها هي التي تجلب الزبناء للأسواق الكبرى، لكننا يجب علينا حماية هذا التاجر». وأكد مورو أن هناك تجارة تمارسها بعض الأسواق «نساند الصناعة المحلية»، وهناك ناس يجب أن تكون مقاومة ضدهم لمصلحة التاجر ومصلحة الصناعة المحلية، مؤكدا «لا يمكن أن نترك بعض الشركات الكبرى التي تحصل على الدعم من الخارج مثل «بيم BIM»، تركيا تبعث تجارها ويفتحون محلاتهم بدعم من الدولة، ثم تبعت لهم 80 في المائة أو 70 في المائة من المواد المصنعة بالخارج ولا يسوقون إلا 30 في المائة من الصناعة المحلية، وكل ما أشرت إليه يساعدهم على تخفيض الثمن ويؤثر على التاجر». من جهة أخرى، أوضح مورو أن المحلات التجارية الكبرى أيضا يجب أن تكون، لكن شريطة أن تتواجد في دوائر المدن، وليس داخل الأحياء الشعبية أو في الأحياء الجانبية، مثل ما يوجد في جل الدول العربية والإسلامية، وحتى الأوروبية، لأنه لا يمكن إحداث سوق تجاري على مساحة 5000 أو 10000 متر وسط حي مكتظ بالسكان والضعف الطاقي أو مليء بالتجار البسطاء، «هذه هي الأفكار التي حاولنا الوصول إليها في تواصلنا مع المهنيين وبتعايشنا مع ذلك التاجر ومشاكله التي يعيش فيها». ودعا مورو المواطن المغربي، إلى المساهمة في اقتصاد بلاده، من خلال إنتاج علامات تجارية خاصة به، مضيفا «من جهة أخرى في الأحياء الشعبية أظن بأنه لا يمكن للمواطن أن يعيش دون البقال، وبالتالي يجب المساهمة معه ومساعدته كما يساهم مع السكان ومساعدتهم، وذلك من خلال اقتناء السلع منه ولو كانت هناك بعد الزيادات الطفيفة مقارنة مع الأسواق التجارية الكبرى، لأنه بمساهمتك ستقوي البقال الذي يعيل أسر ويشغل معه آخرين». *** الصراخ: قطاع التجارة الداخلية ما زال يعاني من معيقات تكبح تطوره قال مدير التجارة الداخلية والتوزيع بوزارة الصناعة والإستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رشيد الصراخ، إنه على الرغم من الأهمية التي يكتسيها قطاع التجارة الداخلية كدعامة للاقتصاد الوطني، فإنه ما زال يعاني من مجموعة من المعيقات تكبح تطوره، تتعلق بالمحيط الخارجي الذي يؤطر القطاع وكذا مشاكل داخلية متعلقة بنموذجه الاقتصادي. وتابع الصراخ في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن القطاع التجاري يستوجب مواكبته لتمكينه من مواجهة التحديات المطروحة والاندماج في المحيط الاقتصادي المتسم بالتحولات المتسارعة. وأضاف المتحدث ذاته، أنه من الواجب أن تكون الإستراتيجية المتبعة لتطوير القطاع وتوجيه مساره منبثقة من أفكار توافقية يجتمع على بلورتها جميع الفاعلين والمهتمين بالقطاع بشكل تشاركي، مبرزا أنه على هذا الأساس، «ستنظم وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، المنتدى المغربي للتجارة، بتاريخ 24 و25 أبريل، الذي سيخصص، إضافة إلى البحث عن حلول واقعية للمشاكل المستعجلة للقطاع التجاري، إلى وضع الأسس لمقاربة طموحة وشاملة تسمح لهذا القطاع من لعب الدور المنوط به في تنمية البلاد، تجسيداً للتعليمات السامية لجلالة الملك». وفي هذا الصدد، أشار الصراخ، إلى أن وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي قامت بشراكة مع غرف التجارة والصناعة والخدمات، بتنظيم مناظرات جهوية على صعيد مجالها الترابي من أجل التحضير للمنتدى الوطني للتجارة واستقطاب آراء المنظمات التمثيلية والاستفادة من خبرتهم الميدانية والوقوف على الخصوصيات الترابية، والقطاعية، وكذا الأبعاد المحلية. *** 3 أسئلة ل الطيب آيت أباه *: لوبي كبير يحمي المتاجر العصرية على حساب «مول الحانوت» كتاجر سابق في محل للبقالة، ما رأيك في واقع «مول الحانوت»؟ «إحداث قوانين تُنظّم وتؤطّر حالة انتشار وكيفيّة اشتغال المتاجر العصريّة الكبرى وسلاسل المتاجر العصريّة المتوسّطة، بما ينسجم مع الغاية من إنشاء مجلس المنافسة» معيار توصيّة من بين التّوصيات التي توصّل بها وزير الصّناعة والتّجارة والاستثمار والاقتصاد الرّقمي أثناء جولته حول غرف التّجارة والصّناعة والخدمات بمناسبة المناظرات الجهويّة، التي احتضنَتها مقرّاتها بشراكة مع النّسيج الجمعوي، تمهيدا للمناظرتين الوطنيّتين للتّجارة والضّرائب. تتقاطع التّوصيات المرفوعة إلى وزارة التّجارة عند نقط تلاقي مشتركة، وتتطّرق في مجملها بكمّها وكَيفها المتنوّعين في صياغتها إلى واحد من أهمّ المعيقات التي تؤرق كاهل مول الحانوت، وتَحُول دون استمراره كمقاولة ضاربة بجذورها في أعماق تُراثنا المغربي، وباستقصاء آراء شريحة التّجّار الواسعة الإنتشار بربوع المغرب، فلن تعثر على نسبة ولو شحيحة، تؤيّد وتُبارك انتشار المتاجر العصرية، لا بالشّكل الذي بَلغَته اليوم داخل الأحياء الشعبيّة، بعد أن أنجَبت سلاسل التَفّت حول أعناق «مّالين الحوانت» في الدّروب والأزقّة، ولا حتّى بالشّكل الذي كان يُفترض أن تكون عليه خارج مدارات المدن، لأنّها -أيّ المتاجر العصرية الكبرى والمتوسّطة- عندما حَلّت لأوّل مرّة بالمغرب، لم تنهج سياسة الإدماج، ولم تحمل في طيّاتها لقاحا وقائيّا أو علاجيّا لقطاع التجارة بحالاته المستعصيّة. من يتحمل مسؤولية ما أضحت تعيشه هذه الفئة؟ تجارة القرب بصنفها المشهور والعريق التي كانت كأقسام الابتدائي بطابعها التّقليدي، لم تكن مجرّد محلّات لإكتساب الرّزق، وكَفَى. بل كانت بمثابة فضاءات لتلقّي التّكوين الأولي والمعرفة بأبجديّاتها التّمهيدية، يشهد التّاريخ نجاحَ أمثلة عديدة من مُريديها، ودُفعات تخرجّت منها، وشَقّت طريقها نحو أشكال عديدة من الأمجاد، سواء وبلا حصر، في مجال المال والأعمال أو في مجال السّياسة أو بشكل بطولي في مجال المقاومة، ومع هذا كلّه، لم يُقابَل البقّال بما يستحقّه من عرفان. وهنا تكمن مسببّات الكارثة التي لم يهضمها لحدّ اليوم مول الحانوت بسلفه وخلفه. فقد صُدم في دهشة من أمر هذا الطّوفان الجارف، وهوّ يحمله في غفلة من أولياء أوموره صوب مصبّ النّسيان، لا لشيء سوى أنّ للمتاجر العصريّة الكبرى والمتوسّطة وسطاء وعملاء في دوائر القرار، يَحمون مصالحها على حسابه، هوّ الذي رابط في خنادق الحَارات السّكنية، وتقَدّم ضمن الصّفوف الأماميّة، دفاعا عن الأمن الغذائي، لتَنعَم الأحياء والدّروب بالسّلم الاجتماعي قبل عام البُون وبعده. يَضيق المجال للخوض في دقيق التّفاصيل، لأنّ ما وقع لمول الحانوت ليس بالأمر الهيّن، ولا يمكن استيعابه بسهولة، ولكن عندما ننظر إلى الأمور من زاوية مخالفة، سنكتشف الغياب القاتل للدّراسات والإستراتيجيّات والمخطّطات الضّرورية للنّهوض بقطاع التّجارة وتطويره، بشكل يضمن الاستمرار من نقطة البداية، وليس الإقلاع الفئوي من مطارٍ بُنيَ على أنقاض أهل الحرفة، تيَمّنا بتجارب استُنسخت من دول متقدّمة، لم تلجأ إلى القفز على المراحل، عندما كانت تضَع في صُلب تصاميمها التّشاركية الأوّليّة تنميَة البَشر قبل وَضع الحَجر. ما هي الحلول الممكنة في رأيكم لتجاوز هذه الأزمة؟ خلاصة القول أن لا عاقل سيتمسّك بالبقاء حيث بدأ، بل جميع من يشتركون هذا الكون في تَوْقٍ مستمرّ إلى تطوير نمط عيشهم، خصوصا مع ما بَلغَه العلم من مستويات، بات معها العدول عن تفحّص هاتف ذكيّ لبُرهة من الزّمن ضربٌ من الحمق والجهل، ولو كانت الغرف المهنيّة بما نظّمَته من سفريات خارج المغرب، تعكس طموحات منتسبيها، وترصد بأعيُنهم كلّ صغيرة وكبيرة هناك، من شأنها أن تفيد في تأهيل قطاع التّجارة هنا، لأوْجَدَتْ من مول الحانوت بموادّه الخام وجُهوزيّته المعتادة، ما يمكن أن يَصير منتوجا إقتصاديّا محليّا خالصا، يَمزج بين الأصالة والمعاصرة، كتُراثٍ ومقاولة، في جسم واحد، بجهاز مناعة مواطناتي فريد من نوعه، مختوم بعلامة «صُنِع في المغرب».أضف إلى ذلك كما أسلفتُ الذّكر أنّ عمليّة إدماج تجارة القرب التّقليديّة في الوثيرة التي انطلقت بها المتاجر العصريّة بداية ظهورها بالمغرب، لم تؤخذ في حينها محمل الجدّ، ما ساهم في اتّساع الهوّة بين الجديد المرغوب فيه طبعا، والقديم المتجاوز عادة، فمثلا عوض أن يتسبّب متجر عصري في إفلاس ما يحيط به من تّجّار صغار، كان الأسلم القيام بدراسة ميدانيّة استباقية، يكون متاحا بعدها لمن يرغبون في مواكبة العصرنة، إمّا الانصهار بمعرفتهم وخبرتهم في تسيير جزء من فضاء المتجر العصري هذا، والاستغناء عن الدّكان الأوّل، أو الخضوع بشكل كلّي إلى عمليّة تأهيلية، لا من حيث مرافق الدّكّان شكلا ومضمونا، ولا من حيث التّكوين اللازم لاستيفاء جميع شروط الكفاءة المهنيّة الحديثة. * رئيس لجنة الإعلام والتواصل بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباطسلا القنيطرة