« مول الحانوت» ، «البقال «، « صاحب الدكان «، « مول البيسري»… تسميات عديدة تمتح مرجعيتها من اللسان الدارجي/ العامي، والعربية الفصحى ثم الفرنسية، يحيل منطوقها على التاجر الصغير أو صاحب محل بيع المواد الغذائية بالتقسيط. شكل على مدى عقود طويلة «علامة بارزة « داخل مختلف الأحياء السكنية ، خاصة الشعبية منها ب «المدن العتيقة «، باعتباره ملاذا لاغنى عنه للأسر ذات الدخل المحدود أو المعوزة . صاحبه اعتاد على تخصيص كناش / دفتر يدون فيه أسماء الزبناء ، الذين يطرقون بابه منذ الصباح الباكر إلى ما بعد منتصف الليل ، لاقتناء مواد ضرورية لمعيشهم اليومي ، على أساس أن يؤدوا ما بذمتهم من دين في مختتم الشهر . بل منهم من يطلب ، أحيانا ، تمكينه من مبلغ نقدي لإسعاف ابن أو ابنة، أو أحد أفراد الأسرة ، باغتته وعكة صحية تستدعي تدخلا طبيا، أو لأداء فاتورتي الماء والكهرباء تفاديا لقطع التزود بهما … وغيرها من الحالات التي «يلعب» فيها «مول الحانوت» دور المخفف من حدة وطأة الطوارئ المتعددة الأوجه. تاجرنا الصغير هذا أضحى – في السنوات الأخيرة – يئن تحت ضغط إكراهات متشابكة الأسباب أجبرت العشرات على حمل» الراية البيضاء» استسلاما لواقع متغول لا يرحم من لا «حماية « له . لنتأمل شهادات بعض المكتوين بهذه النار. « إبراهيم .س « ، في العقد الرابع من العمر : « بعد أزيد من عشرين سنة من الجهد والمثابرة داخل أكثر من دكان في أحياء بيضاوية عديدة ، سيدي مومن ، المعاريف ثم الألفة ، وجدت نفسي مضطرا لتغيير النشاط ، حيث اقتنيت ، مؤخرا ، سيارة «هوندا « أستعملها في نقل سلع تجار بالجملة أو حاجيات بعض معامل الخياطة ، وكذا نقل الأكباش خلال عيد الأضحى… صرت أجد صعوبة كبيرة في تلبية حاجيات أبنائي الممدرسين، علما بأن والدي، المتواجدين بإحدى قرى إقليمتارودانت، واللذين بلغا من العمر عتيا ، ينتظران بدورهما الدعم المادي لاقتناء حاجياتهما الضرورية من السوق الملتئم أسبوعيا بالمنطقة «. « في سنوات ماضية كانت الأمور ميسرة، وكان الرواج متواصلا لدرجة تسمح لنا بالصبر على أصحاب الكريدي وتحمل المزيد من التضحيات ، أما اليوم فلم يعد الواحد منا قادرا حتى على سداد ديونه الخاصة بتأثيث المحل بالمستلزمات الضرورية لعملية البيع والشراء « يقول عبد الله ، متحسرا على الأيام والشهور التي أفناها متنقلا بين دكاكين مدن مختلفة . حكايات معاناة توحد أعدادا كبيرة من ممارسي التجارة بالتقسيط داخل « الدكاكين « الصغيرة، جعلت الآباء يجدون صعوبة في إقناع الأبناء ، من الجيل الحالي ، بتسلم المشعل بغاية مواصلة نفس المسار المهني ، حيث يفضل أغلبهم خوض تجارب حياتية مغايرة بعيدا عن صداع» الحانوت « الآخذ في التصاعد، في ظل اقتحام «متاجر كبرى» للعديد من الأزقة داخل التجمعات السكنية ، فارضة إيقاع منافسة لا يمكن ل «مول الحانوت « أن يسايره مهما بلغت طاقة صبره وتحمله. مستجد اقتصادي سبق لحكومة التناوب أن اتخذت حياله خطة استباقية، تمثلت في إقرار مشروع ضخم للحد من تداعياته المحتملة ، من خلال مخطط «رواج 2020» يستهدف «دعم تجارة القرب بغلاف مالي ناهز 900 مليون درهم، ويضم برامج لمواكبة هذا القطاع الهش وتوفير التأطير والتكوين وتأهيل محلات البقالة»، لكن الحكومة السابقة – حسب مسؤولين بالنقابة الوطنية للتجار والمهنيين – «لم تواصل العمل بهذا البرنامج وتم إجهاض المشروع حتى قبل بلوغ سنة 2020»، في وقت « كان الرهان على الدعم الذي سيوجه للتجار الصغار ، في حدود 25 ألف درهم، من أجل تأهيل محلاتهم قصد الصمود أمام منافسة المساحات الكبرى «. وفي أفق الحفاظ على هذا «الموروث « الاجتماعي/ الإنساني ، ملجأ الفقراء بامتياز ، يتطلع المعنيون – في ظل تفهم التدبير الوزاري الحالي لحساسية القطاع – إلى أن تشمل الاستفادة من «القانون رقم 99.15، المتعلق بنظام معاشات فئة المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء المزاولين لنشاط خاص»، المصادق عليه برلمانيا يوم الاثنين 13 نونبر 2017، فئة التجار الصغار» الهشة والمحتاجة، في أقرب الآجال ، للاستفادة من التغطية الاجتماعية «، تقول المصادر النقابية ذاتها ، مضيفة أن «المشتغلين في قطاع تجارة القرب لا يستفيدون من أي تأمين ، عكس الفئات الأخرى الأكثر تنظيما التي لها إمكانية الانخراط في أنظمة التأمين». مع العلم بأن بعض المعطيات الرقمية تتحدث عن 1.3 مليون نقطة بيع تجارة القرب في مختلف جهات البلاد، تعلق الأمر بجغرافية المجال الحضري أو القروي. إنها ليست مجرد علاقة تجارية باردة تلك التي تربط «أصحاب الدكاكين « بزبنائهم ، داخل هذا الحي السكني أو ذاك، ولكنها ذات «حرارة» استثنائية، يحس بوقعها ، أساسا ، السكان المجاورون لمحلاتهم ، كما تشهد بذلك حالة «الكآبة « التي تبدو عليها غالبية الشوارع والأزقة بجل المدن – الدارالبيضاء نموذجا- أثناء عطلة «العيد الكبير» ، جراء إغلاق أبواب نسبة كبيرة من» الحوانيت»، إيذانا بسفر أصحابها إلى «بلدات» مسقط الرأس ، تجديدا لصلة الرحم مع الأهل والأحباب، بعد عام مديد من الكدح المضني بدون عطلة أو استراحة . علاقة إنسانية متميزة عنوانها الكبير» الثقة « – في زمن استئساد الشك والارتياب – يبقى المأمول أن تتضافر جهود كافة الجهات المعنية ، مركزيا ومحليا ، من أجل تمتينها ومنحها» المقومات « الكفيلة بجعلها أكثر استعصاء على مآل «الاندثار» ذي العواقب الوخيمة على أكثر من صعيد.