يعيش قطاع التجارة الداخلية بمدينة وجدة حالة استثنائية ومنعزلة، خاصة لدى البقالة أو ما يعرف بتجار القرب لبيع المواد الغذائية بالتقسيط، وذلك في ظل العشوائية وسوء التدبير وضعف المراقبة والمتابعة للأسواق المحلية، التي باتت تعج بهذه التجارة غير المهيكلة والعشوائية، وكذا الحصار المضروب على تجارة القرب في الأحياء الشعبية التي تعد الممون المباشر للسكان والتصاقها بانشغالاتهم وهمومهم اليومية. فقد طفت في الآونة الأخيرة بمدينة وجدة ظاهرة غريبة جدا تخص المجال التجاري الداخلي في ظل اقتصاد حدودي غير مهيكل وغير منظم، وساهمت فيه كذلك عدة متغيرات عرفتها أسواق وفضاءات التجارة بالمدينة الألفية، مع خلق أسواق وفضاءات تجارية حديثة (المساحات الكبرى) التي ساهمت بدورها في تقليص هامش الربح بالنسبة لأرباب المحلات التجارية القريبة من المواطنين والمعروفة «بتجارة القرب» المتواجدة أساسا في الأحياء والتجزئات السكنية المترامية الأطراف بالمدينة. إكراهات عدة ساهمت في تدني المستوى الاقتصادي لأرباب هذه المحلات ، والتي تعد بمثابة أسواق قريبة من الساكنة تلبي حاجياتها الضرورية واليومية، لكن مع دخول مظاهر أخرى على الخط غير مهيكلة أثرت سلبا على تجارة القرب ومن بين هذه المظاهر الشائنة التي باتت تهدد البقالة نجد: تجارة الرصيف أو تجارة السويقات العشوائية. تجارة العربات المجرورة بدواب التي تحمل على متنها مواد غذائية محلية ومهربة. تجارة العربات المدفوعة التي تبيع مواد غذائية بالتقسيط كذلك وتجوب الأحياء والدروب دون رقيب ولا حسيب. تجارة العربات المتحركة آليا (تربورتور) التي تحمل على متنها مواد غذائية مختلفة. الأسواق الكبرى الممتازة (مختلفة الأسماء) التي دخلت على الخط كمنافس قوي لتجارة القرب وقضت بالتالي على مجموعة من الدكاكين المخصصة للبقالة، خاصة بالأحياء والتجزئات السكنية القريبة منها. الأسواق الأسبوعية المنتشرة عبر تراب المدينة والتي تنتظم كل أيام الأسبوع وتزاول نفس التجارة. أسواق داخل المدينة تخصصت كذلك في بيع المواد الغذائية المهربة وغيرها بالتقسيط. هذا بالإضافة لعدد من الخروقات التي شابت هذه التجارة المعروفة عند العامة ب«حانوت الدرب»، وذلك في غياب أية مراقبة من طرف المصالح المختصة، وكذا غرفة الصناعة والخدمات التي دقت ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة، لكن دورها لايزال قائما إلى حد الآن في تشريح الوضع القائم لدى هذه الفئة، هذا دون نسيان دور مصالح البلدية والعمالة المتخصصة في الصحة البلدية التي يجب أن تلعب دورها كاملا، بالإضافة لعدد من الإكراهات التي تعانيها تجارة القرب مع تأدية عدد من الضرائب والصوائر الأخرى. أمام هذا الزحف الخطير «لتجارة القرب» غير الشرعية، أصبحت بعض الدكاكين في حالة يرثى لها، كما أن التجار الممونين للسوق الداخلي غيروا من تجارتهم المعتادة إلى تجارة أخرى بديلة، مع العلم أن تجارة المواد الغذائية هي القطاع الوحيد الخاضع لأجهزة المراقبة تحت قوة القانون خاصة ما يتعلق بالقانون 06.99، الذي يحدد واجبات وحقوق هذه الشريحة من التجار، هذا بالإضافة لقانون المنافسة وحرية الأسعار 02.78 الذي يحدد المواد الغذائية المدعمة من طرف الدولة والمحددة ثمنها من طرف أجهزة الرقابة أيضا. وأمام هذا الوضع الذي بات يهدد تجارة القرب من ركود الحركة التجارية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، والإغلاق الشبه المؤكد لحركة التهريب على طول الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر، وعوامل أخرى ساهمت في ذلك، نحاول من خلال هذه الإشارة إعطاء صورة للرأي العام المحلي والجهوي والوطني، وكذا المسؤولين عن القطاع، صورة لا نقول عنها قاتمة، ولكن مجحفة، لأجل رفع الظلم والمعاناة عن هذه الفئة التي باتت تعاني في صمت، وتحاول بدورها طلب النجدة من الوزارة الوصية وغرف التجارة لأجل إيجاد حلول لهذا القطاع الحيوي حتى لا يصاب بالسكتة القلبية، بالرغم من المحاولات والتحفيزات التي قامت بها وزارة التجارة والصناعة والخدمات من خلال مجموعة من الإجراءات كعملية «رواج» التي مع الأسف لم يستفد منها العدد الكافي من تجار القرب، وغيرها من الحلول التي لم تجد نفعا في منطقة حدودية شاسعة من المملكة، ظلت على مرور سنوات طوال تتكبد ملايين الدراهم سنويا التي تقتص من خزينة الدولة المغربية بخصوص اقتصاد حدودي غير مهيكل ومنظم، وقد يتهاوى في أية لحظة، وتضيع بالتالي أسر وعائلات يشتغل أبناؤها في هذا القطاع.