و أننا أخطأنا كثيرا في حق الساهرين على تدبير الشأن المحلي لهذه المدينة، من سلطات و منتخبين، الذين كثيرا ما هاجمناهم بدون وجه حق، واتهمناهم بالتقاعس عن أداء مهامهم المنوطة بهم في خدمة الصالح العام، والسهر على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للساكنة، والعمل على إصلاح المرافق العمومية، وتحسين خدماتها لفائدة المواطنين، وحمايتهم من الاستغلال المُدَبَّر، وتحصين ملكهم العام من السطو والنهب، وتوفير ظروف ملائمة للعيش الكريم لهم ولأبنائهم. ويبدو أننا قسونا عليهم ونحن ننتقد معالجتهم لكثير من الملفات التي كانت سببا في نشوب صراعات قوية بين الأغلبية المسيرة للمجالس ومعارضتها، والتي يظهر أنها لم تكن بالمهزلة، ولا بلعب صبيان كما وصفناها أحينا، بل كانت صراعات صحية، انطلاقا من قناعات أطرافها، وإرادتهم القوية في أداء مهامهم بالشكل المطلوب. بحيث لم تعد في المدينة أية مشاكل تذكر، أو بالأحرى أية اختلالات، لا على مستوى التدبير، ولا على مستوى التأهيل، ولا على مستوى التنمية. إلا من مشاكل بسيطة جدا تم اختصارها في صعوبة محاربة البعوض، والكلاب الضالة، والفئران. و لا تستغربوا للأمر، فهذا كل ما تضمنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 بخصوص الجماعة الحضرية لطنجة والمقاطعات التابعة لها، والذي ركز فيه على قسم حفظ الصحة والوقاية التابع للجماعة، والذي يعاني حسب ما يبدو من صعوبات في محاربة الكلاب الضالة، و ما أكثرها في هذه المدينة، الضالة منها والأليفة أيضا، حيث ذكَّر بالقرار البلدي رقم 1-74 بتاريخ فاتح أبريل 1974 بسن نظام الصحة بمدينة طنجة، والذي أقر في بابه الأول ضرورة تنظيم حملات لجمع هذه الكلاب كأحد أهم التدابير التي يجب اتخاذها من طرف الجماعة للحد من انتشار بعض الأمراض المعدية، خصوصا وأنها تعتبر من نواقلها الأساسية، والمتسبب الرئيسي في انتشار أمراض الأكياس المائية، وداء السعار، بالإضافة إلى كونها مصدر تهديد للسلامة الجسدية للساكنة. والحمد لله أن هناك من تفطن لنا، وأدرك أن الكلاب تتربص بنا. إن تاريخ طنجة مع الكلاب الضالة، وعملية اقتناصها والتخلص منها قديم جدا، وسجل أبطالا مشهورين تخصصوا في أداء هذا الدور بمهارة وإتقان، حتى نسبت إليهم هذة الصفة " قَبَّاضْ الجْرا" أي ماسك الكلاب، وأشهر هؤلاء رجل أمن في سنوات الستينات و السبعينات، كان إسمه " ابريك " وكان مختصا في هذا المجال، مستعملا بندقيته التي جاب بها مختلف أحياء طنجة ونواحيها آنذاك، حتى صارت تُرْوى عنه الكثير من الحكايات، منها أن الكلاب كانت تعرفه، وكانت تشتم رائحته، وكانت تفر من أمامه بمجرد ما تحس بقدومه مذعورة كما يفر المجرمون. وانتبهوا معي إلى تاريخ القرار البلدي الذي أقر ضرورة القيام بحملات للقضاء على الكلاب الضالة، لقد كان ذلك سنة 1974، أي منذ 41 سنة، و لا زالت أحياء طنجة تعج بها، ولم تستطع التخلص منها، أو على الأقل الحيلولة دون تكاثرها، والأسباب تختلف ما بين تقرير المجلس الذي يعزو ذلك إلى تكاثر النقط السوداء لتراكم الأزبال في مجموعة من أحياء المدينة، والتي تساهم في توفير مصادر الغذاء لهذه الكلاب، وبين ما رد به رئيس الجماعة الحضرية، حيث اعتبر أن صعوبة القضاء على هذه الآفة سببها عدم قيام الجماعات الحضرية والقروية المجاورة للمدينة بأية حملة لمحاربتها - أي الكلاب الضالة -، حيث يبقى عبئ القضاء عليها ملقى على عاتق الجماعة الحضرية لطنجة. وهكذا تكون المدينة قد صارت قبلة للكلاب الضالة المهاجرة من مختلف الجماعات، بحثا عن تحسين مستوى معيشتها، والاستفادة مما تعرفه من نمو اقتصادي، وتوسع عمراني، جعل العيش بها حلم الآدميين والكلاب على حد سواء،حتى صاروا يزاحمون بعضهم البعض على القمامات، ويتقاسمون لقمة العيش. والحمد لله أنه لم تسجل علينا اختلالات، لا على مستوى المستشفى العمومي، أو المدارس، أو النقل العمومي، أو شركات التدبير المفوض، أو الطرق...، فكل شيء جميل وعلى أحسن ما يرام، وهمنا الوحيد الآن، هو القضاء على الكلاب الضالة، والبعوض، والفئران، وبعض الحمير، والتي تتفق غالبيتها في عَضِّ المواطن، حتى تصير طنجة تلك المدينة الفاضلة، الخالية من العيوب، وهنيئا لمسؤولينا ومنتخبينا بالتقرير الذي أنصفهم. " أحببت إعادة نشر هذا المقال بمناسبة الاجتماع الأخير الذي جرى الأسبوع الماضي، والذي جمع الوالي اليعقوبي برؤساء مقاطعات طنجة الأربع حول المظاهر السلبية التي تغرق المدينة فيها، وكان موضوع انتشار الكلاب الضالة مسيطرا على النقاش، فيا ترى أي الكلاب ينبغي محاربتها؟، فالكلاب فيهم وفيهم"