المتابع لثورات الربيع العربي يتبين له بوضوح أنه ما كان لنظم الحكم فيها أن تنهار لولا تدخل قوى أجنبية بشكل مباشر وغير مباشر. من منطلق قراءتي للتاريخ والوقائع، يتبين لي أن تدخل قوى أجنبية لا يؤدي البتة إلى تحقيق طموحات الشعوب، بل يزيد أوضاعها تعقيدا ومأساوية، لذلك أريد القول بأن الثورات العربية ليست وليدة صدفة، وإنما مخطط لها من قبل الاستكبار العالمي منذ سنة 2001 ، وبدأ في تنفيذه سنة 2010، وقد استغل حالت الاحتقان الشديد التي كانت تعيشه هذه البلدان، وكان للإعلام الدور الأساسي والاستراتيجي في إشعالها وتوجيهها، وقد برز هذا المخطط بشكل جلي خصوصا عقب أحداث 11 شتنبر التي جلبت للإسلام والمسلمين رزمة من القوانين، التي تركت أثرا سلبيا. على إثر هذه الأحداث اندفع مجموعة من المسؤولين السياسيين في واشنطن إلى طرح السؤال التالي: لماذا الإسلاميون يكرهون أمريكا؟ طبعا الحلفاء معنيون بذلك. وقد عثروا على جواب، من بعد دراسات كشف عنها رئيس المخابرات الداخلية الفرنسي الأسبق “ايف بوني”، هذا الجواب كان عبارة عن دراسة قام بها مسؤولون سياسيون في واشنطن أثبتوا من خلالها أن العالم العربي يكره أمريكا لأنها تساند إسرائيل ولا تسمح للإسلاميين بالوصول إلى السلطة. على غرار ذلك، اتخذت واشنطن قرار مساندة الثورات العربية والوقوف إلى جانب التيارات الإسلامية، شرط الحفاظ على مصالحها وهي النفط ، قناة السويس، حماية أمن إسرائيل، وقف الإرهاب”. مما لا شك فيه كان لأمريكا الدور الرئيسي في تدريب قوى غير حكومية، ومساعدتها داخل العالم العربي لتنفيذ خططها. والنتيجة كما هو معلوم للداني والقاصي كانت كارثية، فواقع الدول العربية التي جرت فيها الثورات العربية أصبح يتسم بانعدام الأمن، وانتشار قوى معارضة للديمقراطية، وباتت معرضة للدمار الطائفي في بعض الدول في أي لحظة. لهذا يمكن القول، بأن الاعتماد على قوى أجنبية، والذي من خلاله استطاعت قوى داخلية أن تخلق فوضى عارمة، وتثبت بالتجربة فشل “الإسلام السياسي” في دول الربيع العربي، وساهمت حركات هذا الأخير في ذلك بسبب الاندفاع غير المسئول وتحمل التركة بشكل انفرادي. إذا، لا مناص لأمة تعيش الاضطهاد والظلم والحيف وتتوق إلى مستقبل تستشرف فيه عيشا كريما وعدالة اجتماعية وحرية، من الرهانات الأساسية على سبيل المثال لا الحصر. التعليم ( قوة ثقافية تربوية) الوضع الاجتماعي التنموي ( قومة اقتصادية من أمة تابعة مستهلكة، إلى أمة فاعلة منتجة). تبني النظرية التشاركية ( يعني العلاقة الايجابية مع الفر قاء السياسيين أنفسهم، وبين المجتمع الواحد). من خلال هذه الرهانات، تنتج لدى الشعوب مكامن القوة التي هي في يد غيرها. إن دول الاستكبار تتصرف بعجرفة كبيرة، ولم تتخلص من العقلية الاستعمارية، وهي تفرض الطاعة إلى حد الخنوع على الأنظمة الجديدة، وسياستها لم تتغير، وفي بعض الأحيان تصبح سياسة انتقامية، وهذا ما لم تفهمه بعض الشعوب التي يجب أن تناضل من أجل فك تبعيتها لهذه الدول لا التعاون معها. إن سياسة دول الاستكبار تعتمد على استغلال ثروات الشعوب، ولذلك أمثلة كثيرة منها: ليبيا وتدخل دول حلف الناتو، وتقاسم النفط بينهم… بعد الثورات العربية على الأنظمة الاستبدادية والإطاحة بها وصعود أحزاب إسلامية إلى سدة الحكم، عمدت هذه الأنظمة، التي تفاءلت بها الشعوب خيرا، إلى نهج نفس سياسة الأنظمة السائدة من حيث التبعية لدول الاستكبار، وما زالت تدور في فلكها وتقدم الولاء لها. إسقاط الاستبداد غير كاف وإن لم يقترن بتغيير السياسات الداخلية، والخارجية، التي تقوم على الاعتماد على الذات، وتأمين الحرية الشخصية، وحرية التعبير، واتباع سياسات تأمين الظروف الاجتماعية والاقتصادية الملائمة للمواطنين، دون تبعية وارتهان للآخرين. لا بورك في هذا الربيع إذا كانت الدول ستبقى رهينة لسياسات ومساعدات دول الاستكبار، لا بورك في هذه الأنظمة التي لا تقدر على انتقاد إسرائيل. تبا للاستعباد باسم الحرية والديمقراطية