أمريكا لا تهتم لا بالإسلام و لا العربية و لا إسرائيل، أمريكا حاربت الاشتراكية و النازية و تهدف إلى إقامة نظام عالمي رأسمالي وحيد في العالم، أمريكا تسيرها شركات عملاقة تهتم فقط بالاستثمار/الإنتاج و البيع ثم الربح في كل بقاع العالم. و هي الآن تحارب الأنظمة العربية لأن هذه الدول تعرقل النظام الرأسمالي بالفساد و المحسوبية و الرشوة و تهميش المرأة السوق الأهم لبعض الشركات، و تفقير مجتمعاتها أي انخفاض القدرة الشرائية. سيستغرب الكثيرون، كيف يمكن للنظام الرأسمالي الدفاع عن حقوق المحرومين؟ أقول ببساطة أنها تفعل كما يفعل مربي الأكباش؛ يهتم بماشيته و يسمنها كي يعيش هو أيضا و إن لم يفعل سيخسر الكثير من المال و الجهد. كذلك الشركات مرتبطة وجوديا بقدرة المواطن على الشراء. هذا ما جعلني أدافع على هذا النظام رغم مساوئه البيئية و جعله الإنسان آلة للإنتاج و الاستهلاك. فهو مرغم على الدفاع عن حقوق الإنسان بعكس الأنظمة الشمولية الفاشية التي لا ترتبط كثيرا بشعوبها اقتصاديا؛ فهي تعتمد على جمع الضرائب بالقوة و بيع الموارد الطبيعية، أي اقتصاد الريع، وتخلق برجوازية متعفنة تعتمد على النظام السياسي و تعقد معه صفقات مشبوهة بعيدا عن المنافسة، بعيدا عن روح المبادرة و الخلق و الإبداع. فنجد هذه البرجوازية "الوطنية" في وضع مريح جدا دون أية منافسة، كل هذا يشجعها على الخمول فلا تعمل على تشجيع البحث العلمي و لا الإعداد ولا دراسة مشاريع مستقبلية. هنا بدأ الصراع بين الشركات العملاقة العالمية و هذه الأنظمة/الشركات العائلية "الوطنية" القزمة التي تستحوذ على أسواق بملايين البشر و تسيطر عليها نفسيا إما بالإسلام أو العروبة أو دعم المنتوج الوطني و علاقتها الدموية (القرابة) في الغالب بالنظام السياسي. سأنتقل الآن إلى ركن أساسي في النظام الرأسمالي و هو الثقافة الاستهلاكية، فلا يمكن استمرار النظام الرأسمالي دون نشر ثقافة استهلاكية؛ إذ كيف يمكن لقبيلة تعتمد في أوقات فراغها على الحكي و القصة بجانب نار في الليالي أن تشتري تلفازا أو حاسوبا. وإذا فشلت الثقافة الاستهلاكية في الحث على المزيد من الشراء؛- مثلا عندما يكتفي المواطن بثلاجة و تلفاز واحد في حياته و لا يشتري الجديد- تتدخل الشركات لتدمير المنتجات القديمة بالقوة و الحرب. و بعد الحرب يكون المواطن مجبرا على شراء الجديد. إذن الحرب هو تعبير عن فشل الثقافة الاستهلاكية في تشجيع الناس على الشراء و تلجأ إليه الشركات العالمية عند خطر الإفلاس، و يكون الحرب هو الحل الوحيد للتجديد؛ بداية تنتعش شركات الأسلحة ثم باقي الشركات عند بداية التعمير. تماما كحريق الغابات، فعند لحظة ما تندلع النيران في الغابة و بعد سنوات تتجدد أفضل مما كانت عليه. لاحظ أنه بعد كل أزمة اقتصادية تندلع حرب: أزمة 1929 تلته الحرب العالمية الثانية، الأزمة الحالية ستليه حروب كثيرة بدأت بليبيا. انطلاقا من هذه الفكرة دعوت إلى نشر ثقافة استهلاكية بشتى الوسائل؛ فأنا أفضل شراء جديد النظام الرأسمالي طواعية قبل أن يأتي إلي بوجهه القبيح فيدمر منزلي و أثاثي ثم أشتري جديده مرغما. مساوئ النظام الرأسمالي. بالإضافة إلى ما ذكرت سابقا من تأثير سلبي على البيئة و جعل الإنسان آلة للإنتاج و الاستهلاك و خلق ثقافة عالمية وحيدة تبضع كل شيء و تعطي له قيمة مالية و تبيد كل الثقافات الأخرى، يخلق النظام الرأسمالي "سلاسل غذائية" جد معقدة؛ مثلا شركات التبغ خلقت سلسلة تبدأ من الفلاح ثم المصنع ثم الموزع ثم الإشهار الخفي ثم ألدكاني ثم بائع الديتاي و أخيرا المستهلك، و عندما اكتشف الطب أن التبغ يسبب سرطان الرئة و أمراض أخرى، لا يستطيع أي سياسي أن يمنع تجارة التبغ لأنه سيرمي بملايين البشر إلى البطالة. هذه السلاسل المعقدة المتداخلة يمكن أن تؤدي إلى الأسوأ رغم نبل بدايتها و يمكن أن تؤدي إلى الأحسن رغم سوء انطلاقتها، من هنا اقتنعت اقتناعا كليا أن النظام الرأسمالي كل لا يتجزأ؛ فلا يمكن أن تختار منه التكنولوجيا و تترك الثقافة كما يدعوا أصحاب فكرة الأصالة و المعاصرة و الذين يدعون إلى الحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي و العربي و أخذ الصناعات الحديثة، هذا ما أدى إلى تنمية مشوهة/معاقة أدت إلى تكديس ثمارها في أيد قليلة حيث أهملت وسائل توزيع الثروة و التي تتجلى أساسا في الثقافة الاستهلاكية، و أدت أيضا إلى انفصام في الشخصية الجماعية و ولادة ثقافات متناقضة/ متناحرة داخل مجتمعنا مما يشكل تربة خصبة لحرب دائمة. إن سلبيات النظام الرأسمالي أدت إلى ظهور مفكرين حاولوا التنظير لمجتمع ما بعد الرأسمالية كما فعل ماركس و طبقه لينين، لكنها تجربة انتهت بالفشل. و حديثا يحاول "الرحل الجدد" مقاومة هذا النظام عبر عدم الانتظام و التمرد على كافة أشكال الضبط، و لكن دون أية رؤية واضحة، و نرى اليوم في اسبانيا بداية المقاومة العلنية عند هذه المجموعات.للمزيد من المعلومات عن كيفية اشتغال "الرحل الجدد" قم بزيارة الموقع: www.vid.ange.free.fr و هناك تجربة أخرى خاضها اليسار التقدمي و الخضر سعى من خلالها الى جعل النظام الرأسمالي أكثر إنسانية بإدماج مفاهيم المحافظة على البيئة والعدالة الاجتماعية ضمن آليات اشتغاله. و هذا ما يميز النظام الرأسمالي، انه نظام قادر على الاستمرار بفضل مرونته و تقبله تحسينات و لكن أكثر من هذا؛ قدرته على الظهور بوجهه البشع؛ الحرب.