يعتبر العرس من التقاليد والعادات العامة الأكثر اعتمادا في كل الشعوب والأمم، وقد نعرفه بمجموعة من أشكال الاحتفال والطقوس الممارسة أثناء كل حفل زفاف، وهو بالتالي جسر يفصل بين مرحلتين مهمتين وأساسيتين في حياة الفرد: مرحلة العزوبة واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية وكذا البراءة ، ومرحلة تنقلب فيها المفاهيم ، حيث يصبح الإنسان مسؤولا عن نفسه ، وأسرته، وكذا مجتمعه بشكل عام. وإذا كان الاحتفال بهذا الحدث الاجتماعي المهم، يختلف من مجتمع إلى أخر ومن قبيلة إلى أخرى ، فان طريقة الاحتفال به عند أهل دادس، له مميزات خاصة منبثقة من العرف الأمازيغي بشكل عام ، إلا انه للأسف الشديد أصبحنا نلاحظ في السنوات الأخيرة طقوس وعادات غريبة عن مجتمعنا التقليدي نتيجة التأثير والتقليد بخلفيات الحضارة العربية والغربية ،وقبل أن أتطرق إلى هذه التغييرات الدخيلة على العرس المحلي سأبرز الأشواط التي يقطعها العرس عند هذه القبائل من بدايته حتى نهايته ويمكن حصرها في: الخطوبة(توترا):عرفت مدونة الأسرة الخطوبة بأنها تواعد رجل وامرأة على الزواج،وتختلف طقوسها وطرق التعبير عنها وكذا تبادل الهدايا فيها ، من قبيلة إلى أخرى بتباين عاداتها وأعرافها. فعند أسدرات (منتسب إلى منطقة ايت سدرات) تبتدئ الخطوبة كخطوة تمهيدية للزواج ، باختيار الخاطب لخطيبته التي يريدها أن تكون شريكة حياته، فيعرض رأيه على أبويه الذين يبديان رأيهما في المعنية بالأمر وكذا في عائلتها، وغالبا ما نلاحظ اختلاف الأبوين معا في رأيهما خاصة اذا كانت المقترحة من عائلة احدهما ، وعندما يتفق الجميع على الاقتراح يبعث الخاطب احد أهله او أصحابه خاصة الأم لإيصال الخبر إلى أهل المخطوبة ، الذين بدورهم يناقشون العرض كل واحد برأيه إلى أن يتم الجواب بالرفض أو القبول. وفي حالة الإيجاب تنطلق الطقوس حيث تذهب عائلة الشاب بشيء من الهدايا "تسمغورت" تختلف قيمتها حسب الوضعية المادية ، وغالبا ما تكون من السكر واللحم والملابس وبعض لوازم التزيين وفاكهة اللوز ، هذا الأخير تفرقه أسرة الفتاة على اسر القبيلة إعلانا للرأي العام عن خطبة فتاتهم وهذا شرف لهم من جهة ولإلغاء الطلبات التي قد تأتي من جهة أخرى. ثانيا:"اسقيمو": وهو اليوم الأول من العرس ، ويوم تزيين العروس والعريس ،ويكون الاحتفال الرسمي بهذا الحدث بإرسال العريس نوابا له أو ممثلوه ويسمون ب"اسناين" وعددهم أربعة ، إلى أهل العروس مصحوبين بحقيبة تتضمن ملابس العروس وجميع أدوات التزيين الأخرى. وكلمة "اسناي" هذه مشتقة من فعل "أسني"أي اركب إذ أنهم هم الذين يتكلفون بمهمة ركوب العروس وإيصالها إلى بيت الزوجية في اليوم الثاني، كما يتولون مهمة تسيير العرس بشكل جيد. "تناكا":في صبيحة هذا اليوم الموالي وبعد الفطور،ينطلق رحيل العروس في موكب من الرجال والنساء حيث تردد النساء أهازيج مخصصة بهذا الحدث ، تتوسطهم البغلة التي تمتطيها العروس صحبة احد أفراد أهلها خاصة أخيها ، وفي جوانبها نجد امرأتين من أقربائها كل واحدة تأخذ بإحدى قدمي العروس حفاظا على سلامتها. في حيث تسمع أصوات الرجال مرتفعة حيث يتعرض جماعة من الرجال يسمون "اقطعن" سبيل الموكب فيعملون على إزعاجهم ومحاولة إرجاعهم وتغيير اتجاههم ، وهذا يعبر عن مدى قيمة العروس التي يعبر عنها اسناين من خلال استماتتهم وقوتهم . " تيسي": في هذا اليوم تظهر بوادر نهاية العرس ، حيث يتم تزيين العروس مرة أخرى كما يظهر العريس أمام الجميع بعد أن احتجب طيلة الأيام السابقة. وقبل غروب الشمس بقليل يحتشد الجميع صوب ساقية أو منبع عين ، إذ ينطلق الموكب وفي أوله رجال وشباب وأطفال ويتبعهم وفد النساء وفي مقدمتهن نجد العروس التي تحمل إناءا"تناست" أو "تاعمورت" مملوءة باللوز، و بجانبها نساء قريبات لها من أهلها مرددات أهازيج خاصة بهذا اليوم . ويتم الفصل بين الرجال والنساء بقطعة من القصب " اغانيم" احتراما للنساء عامة ووفد العروس خاصة. وعند وصول الموكب إلى الساقية يردد الرجال قصائد خاصة بمناسبة "تيسي" ،وبمجرد انتهائهم تقوم العروس برمي تلك الكمية من اللوز في الساقية، لما لهذه الفاكهة من قيمة في حياة ايت اونير من جهة ومن جهة ثانية يكون القصد المزيد من المياه في الساقية، كما يملأ الإناء بالماء ويعود الجميع في جو تسوده أهازيج النساء ومحاورات "اسناين" و"اقطاعن"، وبمجرد وصول وفد العروس تقوم هذه الأخيرة برش جميع عتبات المنزل بتلك الكمية من الماء المصحوبة به من الساقية رمزا إلى الخير والبركة . آنذاك يبدأ مرة أخرى "احيدوس " حتى وقت تناول وجبة العشاء ليستمر بعد ذلك إلى وقت متأخر من الليل أو حتى الصباح حسب طاقة الشعراء أو كما يسمون محليا "افراحن" نسبة إلى الفرح. امسيفاض.: يعتبر هذا اليوم آخر أيام العرس عند ايت اونير ، حيث تجرى مراسيم الرحيل بعد وجبة الغداء إذ يتم تزيين العروس باللباس الأخير ويكشف وجهها بعد إن تم ستره منذ اليوم الأول أي "اسقيمو" . وفي الختام يتبادل الجميع التهاني وعبارات الوداع خاصة بين أهل العروس والعريس ويتم الدعاء بالتوفيق والهناء والسعادة إلى الزوجين . في السنوات الأخيرة أصبحت هذه العادات تضمحل وبشكل سريع – وهذا مؤسف – وذلك بدخول عادات غريبة تماما عن تقاليدنا الأصيلة وسأحاول بشكل سريع أن اسرد بعض هذه التغييرات الدخيلة على العرس المحلي: التقليص من مدة العرس : حيث كانت قديما محددة في خمسة أيام والآن في يومين فقط. إذا كان تزيين العروس والعريس قديما يتم بمواد وملابس تقليدية والآن أصبح يتم بملابس عصرية تقليدا للمجتمعات الشرقية والغربية. دخول ما يسمى بالنكافة و خزعبلاتها إلى العرس المحلي. ترديد أهازيج لا علاقة لها بالفن الشعري المحلي. العزوف عن الفن الشعري المميز للقبائل "احيدوس" خاصة عند الفئة المتقدمة في السن . تغيير وسيلة وكذا طريقة نقل العروس إلى بيت الزوجية،إذ أصبحت تنتقل في موكب كبير يطغى عليه رنين السيارات بعيدا عن الأهازيج المحلية