تختلف طقوس وتقاليد العرس في المغرب حسب العادات والموروث الثقافي والاجتماعي لكل جهة ومنطقة، وفي فصل الصيف تنشط مظاهر الاحتفال في جنوب المغرب بسبب خصوبة المراعي وكثرة الماشية، قبيلة إرسموكن بإقليم تزنيت لها سمة خاصة في الاحتفال تتميز بعادات وأعراف مستوحاة من الأصالة والحضارة والهوية الأمازيغية اكتسبتها جيلا عن جيل عبر تاريخها الطويل ومتجذرة لدى قاطنيها وملتصقة بهم، حيث يدوم حفل أعراس الزواج سبعة أيام تختلف أحداثه من يوم لآخر، خلال زيارتي (لإرسموكن) في الصيف الماضي رفقة أحد الأصدقاء أبناء المنطقة، قضينا هناك مدة استمتعنا فيها بفرجة شعبية، أعدت الملف التالي محاولا تسليط الضوء على العرس الأمازيغي وطبعا مع التركيز على سيرورة الاحتفال من البداية إلى النهاية. الخطبة 0أس أوسيكل) الزواج (تامغرا) سميت بهذا الإسم بقصد الدلالة على النداء والاستدعاء والدعوة وتامغرا جاءت من فعل (إيغرا) بمعنى نادى واستدعى، ومنها جاءت كلمة (تاغريت) وهي (الزغردة) وتكون فقط في الحفلات والأعراس والرقص. فبعد اختيار الشاب الفتاة التي تناسبه من بنات الدوار أو الأماكن المجاورة، يخبر والديه اللذين يتوجهان مباشرة بعد الموافقة عند أهل البنت ويصحبان معهما بعض الهدايا، من لحم وسكر وشاي ويسمى هذا اليوم (اس أوسيكل) أي يوم الخطبة، فيستقبلون من طرف أهل العروسة بالترحاب، بعد الأكل والشرب تجري المفاوضات حول الصداق وبعض الشروط اللازمة لذلك، فيتفق الأبوان على يوم كتابة عقد القران ويتحدد موعد العرس الرسمي. في اليوم الثاني من كتابة العقد يخرج العريس مع والديه صباحا لزيارة أهل العروس مصحوبين بالهدايا : كمية قليلة من غلات المنطقة بالإضافة إلى ألبسة وذبيحة، فيعرف جميع أهل المنطقة أن فلانا ستتزوج فلانا ويشيع الخبر فتجبر الفتاة على ملازمة إحدى زوايا الغرفة (تاغميرت) إيذانا بالاستعداد للعرس حيث لايستطيع أحد التراجع عن الاتفاق المبرم بين العائلتين وأيضا فرصة لإلغاء الطلبات الأخرى التي قد تتقدم للفتاة. وعندما يصل الموعد المضروب يستعد كلا الجانبين للعرس، فتضع أسرة العريس خرقة بيضاء على سطح المنزل إشارة للعرس، فيبدأ كل منهما بجمع العود والحطب اللازم وبناء المخبزة التقليدية وتجميع الحصر والفراش والأغطية والأواني. يوم التنقية (أس أفران): بعد مراسم الخطوبة واتفاق عائلتي العروسين على موعد العرس كما أسفلنا، تشرع العائلتان كل في بيته في الاستعدادات اللازمة وأول خطوة رسمية تتخذ في هذا الصدد ويعلن عنها هي (أفران) وهو أن تستدعي أم العريس أو العروسة كل في بيتها نساء الدوار وفتياته بعد صلاة العصر في اليوم المقرر لذلك فيجتمعن في سطح المنزل لتنقية الحبوب لتمويل حفل العرس فيجلسن في شكل دائرة يقمن بتنقية الزرع الموضوع وسطهن ثم يرددن خلالها أشعارا ذات مضمون مناسب وبألحان شجية جماعية منها: * فلغن أمحضار ايرورد أرا * فلغن أمكسا ايرورد أوللي * فلغن أركاز أر إيتكالا * الفرح ن أولتما كاييد يوين ومعناه: * تركت المحضار راجعا بكتابه * تركت الراعي راجعا بقطيعه * تركت الرجل يتوعد * لكن جئت من أجل فرح أختي وعندما يصل اليوم المعلوم يفد المدعوون من كل صوب وحدب فيتفرغ أهل القرية لخدمتهم، فهذا يطبخ الطواجين، وتلك تعجن الخبز والأخرى تكنس، أو تأتي بالماء من البئر، والضيوف فرحون والزغاريد من كل جانب والصيحات من كل جهة. (أس ن الحنا) (يوم الحناء): تجتمع نساء الدوار مع فتياته فيحضرن طبيخ الحناء. تخضب به أيدي العروس فيرددن منشدات أشعارا بأوزانهاوألحانها تشيد عادة بجمال العروس وأخلاقها وحظ العريس فيها. بازغ لحسن (تانكيفت) موكب العروسة: وفي اليوم الثاني يعين الوفد الرسمي من النساء والرجال والفتيات غير المتزوجات بإحضار العروسة من بيت أبيها وعندما يصلون يستقبلون بالزغاريد ويجب عليهم أن يطلبوا فتح الباب وهو عرف متفق عليه هناك وينشدون: رزمات إغ لحور ما الجواد رزمات إغ ومعناه: »افتحوا نرجوكم افتحوا الباب« هذا البيت يردد ثلاث مرات قبل أن يفتح الباب فتستقبل عائلة العروس الضيوف في البهو الداخلي للمنزل ويسمى بالأمازيغية »أسراك« وبعد الأكل تخرج العروسة من منزل أبيها وتودع أبويها ببكاء حار لفراقهما ويزيد من ذلك البكاء تلك الأغاني التي ترددها النساء المرافقات مرتديات لباسا متميزا وهو عبارة عن قميص أبيت وتنورة وغطاء تغطي به رأسها وتلبس أجمل الحلي من الفضة والذهب، أما الزوج فيرتدي جلبابا أبيض وبلغة صفراء ويعلق خنجرا، فإذا كانت العروسة تسكن نفس القرية التي يسكنها العريس تأتي ماشية على قدميها أما إذا كانت تسكن بعيدة فتركب بغلة أو فرسا أو سيارة ويسمى ذلك (تانكيفت) أي مركب العروسة. وعندما يقترب موكب العروس من بيت الزوج يكون أهل العريس وأقاربه في استقبالهم فتقف العروسة قرب الباب ثم تتحلق حولها النساء وهن متزينات بالحناء ليكون فأل خير، وفي أيديهن حائك مرددات أهازيج وأناشيد أمازيغية معروفة يسمع صداها من سفوح الجبال القريبة من القرية تبارك كلها للعروس فرحها وتنصحها بالصبر واحترام الزوج كما يشعرن العريس بأنه أصبح رجلا مسؤولا، وفي تلك الأثناء يصعد العريس إلى السطح فيمطر من فوق وعلى حائكهن، التمر واللوز والحلوى. بعدها ينزل فيفتح الباب لعروسته ويتناول معها التمر والحليب. (أس ن تمغرا) يوم العرس يستمر الاحتفال فتذبح الذبائح، وعادة ما تكون بقرة أو أكثر حسب الإمكانيات، ولا يتناول المدعوون الطعام إلا بعد حضور العريس الذي يرحب بضيوفه الحاضرين ثم يخرج الجميع بعد العشاء إلى (أبراز) أي المرقص أو الميدان المعهد لأحواش وهو مظهر من مظاهر التعبير منتشر في الجنوب بكثرة كأكدير ومراكش وورزازات عموما نجد النساء يرقصن لوحدهن ويقتصر دورهن على ترجيع المقاطع التي ينشدها الرجال الذين يقومون بالمصاحبة الإيقاعية على البنادير وأثناء الأداء يصطف الرجال بجانب والنساء بجانب آخر بالإضافة إلى أغاني الروايس والرايس عادة يكون على رأس فرقة مكونة من مجموعة العازفين والمنشدين. إحضار ملابس العروسة: في اليوم الذي ستزف فيه العروسة، يحضر أب العريس ووفد من أهل العروسة في موكب ضخم حاملين معهم رزمة من الملابس وأغطية وقلائد بحضور عدلين فيسجلان مبلغ الصداق كما تسجل أثمنة الملابس بعد الاتفاق على ثمنها في لائحة العدلين وتسمى (تالوحت ن تسليت) لائحة العروسة وقد تصل إلى ملايين من السنتيمات في بعض الأحيان كما سمعنا. وهكذا تدوم الفرحة سبعة أيام بلياليها تكون العروسة خلالها مرتاحة جالسة لا تقوم بأي عمل سوى العناية بجمالها وبزوجها. وقبل اليوم الأخير تضع الحزام على خصرها ويعنى هذا أنه أصبح واجبا عليها الاعتناء بمنزلها وبنفسها وبإعداد الطعام لزوجها وتحمل مسؤولية الأشغال المنزلية. وبعدها تزورها أمها وإخوتها في اليوم نفسه لمباركة البيت والحياة الجديدة حيث تحضر لهم بيدها أكلة يتناولها أفراد العائلتين تتكون من البسيس والبيض واللوز وأركان ويسمى هذا اليوم (أس أنتشيشت). وفي اليوم الأخير يخرج الجانبان سلكة قرآنية تبركا بكتاب الله ويدعون للعروسين بالرفاء والبنين ويتفرق الجميع كما تضاف عائلة جديدة للقرية في انتظار الذرية الصالحة. أخيرا أتمنى أن أكون قد فتحت الباب على مصراعيه للباحثين والمهتمين بالقضايا الثقافية، ليكتشفوا ما تختزنه هذه القبائل والقرى من عادات وتقاليد والتي في حاجة إلى كثير من مثل هذه الكتابات حتى تجلو الحقائق ولتلقي الضوء على بعض النواحي التي لم يتح لها أن تظهر وتدرس.