يحمل العرس المغربي صورا متنوعة للثقافة الشعبية المغربية. صورتعكس عمق وغنى و عراقة التقاليد التي خلفها الأسلاف. وذلك ما يظهر كلما انتقلنا من منطقة إلى أخرى. فهل حافظ المغاربة على طقوسهم الاحتفالية الموروثة، أم أن يد الغزو الثقافي والحضاري، في زمن العولمة الطاغية الكاذبة، طالتها كما طالت باقي المظاهر الاحتفالية التي يحيي بها المغاربة مناسباتهم الدينية و الاجتماعية؟ كيف ينظر المغاربة إلى أعراسهم وما تتطلبه من مستلزمات ومقتضيات؟ و ما موقف الشرع من العادات المرافقة لمراسيم الاحتفال؟ أسئلة نحاول تسليط الضوء عليها من خلا هذا الاستطلاع. اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد على الرغم من اختلاف المناطق المغربية في طريقة إحيائها لحفلات الزفاف، إلا أن ما يجمع بينها تلك الخطوات التي تسبق ليلة العرس، و التي تكاد تعتبر قاسما مشتركا يوحد جل مناطق المملكة. فاليوم الأول من أيام الاحتفال يخصص لحمام العروس و هي عادة أصيلة متوارثة، تقتضي ذهاب العروس إلى الحمام رفقة صديقاتها و قريباتها إلى الحما م العمومي، وذلك وفق مراسيم خاصة تبتدئ بإشعال الشموع حيث تغتسل العروس مع تطييب المكان ببعض البخور طردا للأرواح الشريرة كما يشاع في المعتقد الشعبي المغربي. وفي اليوم الموالي تستدعى "النقاشة" لتزيين يدي العروس و رجليها برسومات و نقوش تعبيرا عن الفرح، وتفاؤلا ببداية حياة زوجية ناجحة، وحتى تكتمل الفرحة ليلة الحناء ويكون حظ الفتيات الحاضرات كحظ العروس فإن كل واحدة منهن تحرص على نقش السبابة و الإبهام من نفس حناء العروس فألا وأملا في زوج يأتي به القدر غدا أو بعد غد.. ثم يأتي من بعد ذلك اليوم الثالث الذي يعتبر من أهم أيام الاحتفال، ففيه تزف العروس إلى عريسها بعد سلسلة من الطقوس. بداية تستدعى سيدة، يقال لها «النكافة»، تملك لوازم تزيين العرائس من ملابس وحلل وأزياء أصيلة وأخرى دخيلة، ويكون شغلها الشاغل تزيين العروس، وعرضها على الحضور على نغمات فرقة موسيقية تم كراؤها لغرض التنشيط والترفيه، ويستمر الحفل عادة حتى وقت متأخر من الليل. وفي موكب من السيارات يطول أو يقصر حسب المال والحال، تزف العروس إلى عريسها، وأصوات المنبهات توقظ النائمين ولاتهتم بالمرضى والمتعبين، ولا بالقانون الذي سطر للفرحين، وكثيرا ما يكون السائقون والمرافقون غائبين عن الوعي التام . هذا باختصار بعض المظاهر الاحتفائية بهذه المناسبة، فكيف ينظر الشارع المغربي إليها و إلى ما تتطلبه من تكاليف و مستلزمات؟ تنظيم حفل الزفاف لم يعد بالأمر الهين!! في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تتسم بالتدهور بسبب البطالة وقلة فرص الشغل بات الاحتفال بليلة الزفاف أمرا مستحيلا عند البعض، وحلما لا يتنازل عنه البعض، ومناسبة غير ذات أهميةعندآخرين. يقول أحدهم وهو عزيز (25سنة) "الزفا ف بالنسبة لي يبقى حلما بسبب دخلي المتواضع الذي لا يسمح لي باقتناء حتى خاتم الزواج للمرأة التي سأرتبط بها فكيف بإقامة عرس بالفرقة الموسيقية، والنكافة، وكل مستلزماته من مأكولات وحلوى، ومشروبات و و و...ثم لما ذا أتعب نفسي مادام الأمر شكليا فقط، لذلك إذا فكرت في الزواج فسأختار الفتاة التي ستقبل بوضعي". ولايشاطره الرأي سي محمد فقط، بل يعبر عن ندمه عما اقترفت يداه من تبذير وإنفاق زائد انتهى به إلى دين طويل السداد، مرهق في الأداء. يقول سي محمد(36سنة) ،سائق تاكسي:" وضعي لم يكن يسمح لي بأن أحتفل بزفافي لكنني عملت ما في وسعي حتي حصلت على مبلغ 400000 درهما، واحتفلت بزفافي في إحدى الفيلات، وأنفقت تلك الليلة بسخاء، وها أنا اليوم ما زلت أسدد الديون، بل ندمت أنني تزوجت". أما عادل فقد علمته التجارب التي رآها أن يلتزم بما في الاستطاعة وألا يتعلق المرء بما فوق الطاقة، يقول "كل شاب يستطيع إحياء ليلة زفافه وبدون مشاكل إن تمت مراعاة المستوى الإجتماعي و التصرف ضمن حدوده، دون تكلف، (البس قدك يواتيك)، أما وأن الإنسان لا يملك إلا دخله ويطمع إلى إقامة عرسه في قاعة الحفلات أو فيلا واستدعاء ممون الحفلات و الفرق المشهورة من أجل الظهور و المباهاة فهذا لايجوز، ومن يقوم بهذا العمل لا تهمه إلا اللحظة التي يحياها و لا يحسب حسابا للزمن".وترى سعاد (22) سنة نفس الرأي ،وتفضل استثمار مال العرس في ما يعود بالمنفعة عليها وعلى بيتها القادم، فتقول "إن تأثيت بيت الزوجية أهم من الحرص على هذه العادات" العرس المغربي بين العادة والعبادة تختلف نظرة المغاربة إلى الطقوس الاحتفالية التي ترافق ليلة الزفاف بين مؤيد و معارض، ومن الأمورالتي لاقت جدالا واسعا مسألة الاختلاط بين النساء و الرجال في الحفل، وكذا بعض العادات الدخيلة التي أفقدت العرس المغربي أصالته، و أخيرا عادة ما يصطلح عليه ب"الصبوحي". يعد العرس المغربي مناسبة عائلية كبرى، تحظى باهتمام خاص، ويحرص كل الأهل على حضورها ، و المشاركة في كل فقرة من فقراتها، وإذا كانت بعض المناطق مازالت تحتفظ بطباع الحشمة و مراعاة الشرع ومقصده في احتفالاتها، إلا أن الطابع الذي بات يغلب على أغلب احتفالات الأسر المغربية بهذه المناسبة هو اتباع تقاليد لم تكن معهودة من قبل، ويظهر ذلك جليا في الاختلاط الماجن الذي بات السمة الغالبة و المميزة لليلة الزفاف وما يرافق ذلك من موسيقى صاخبة ورقص ومجون وسهر حتى الصباح. تقول سمية (36سنة) " العرس المغربي شهد تطورات لكن نحو الأسوء وهذا يظهر في الجو الذي أصبحت تحيا فيه هذه المناسبة، إذ تتنافس النساء في استعراض أغلى ما لديهن من ملابس، والتزين بصورة ملفتة للنظر، ثم الرقص المختلط بين الشباب و الشابات، وجلوس العروسين في المنصة لتتبع مجريات الحفل حتى الصباح، دون مراعاة للجيران المجاورين، وهذه أمور مخلة بالحياء و الذوق" و في نفس السياق يقول سمحمد البالغ من العمر(63 سنة) " على عهدنا كنا نعتبر الاحتفال بمناسبة الزفاف احتفالا دينيا، فنتحرى عدم مخالفة الشرع ، لذلك كنا نقيم حفلات خاصة للرجال و أخرى للنساء تفاديا للاختلاط و الفتنة، وكنا نحرص على ذكر الله و قراءة القرآن و اللهو المباح، أما اليوم فإن ما يحدث في الأعراس من منكرات، يندى لها الجبين، الأب يراقص ابنته، و الزوجة تراقص الغريب، و الفتيان يراقصون الفتيات و العروس «تتمختر» أمام الرجال ولا يجد العريس حرجا في تقبيلها أمام المدعوين بل يصفقون لذلك ( الحصول) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)" .ويضيف إبراهيم 28 سنة أنه قد تذوق الخمر لأول مرة في حفلة زفاف أحد أصدقائه. في حين ترى سعاد (22سنة) أن ليلة العمر لا تتكرر ولكل الحق في الإحتفال بها على طريقته الخاصة. حفل نسوي بتأطير ذكوري، وإعلام الزواج سليم لكن تصريفه منحرف ولمناقشة رأي الشرع في هذه العادات يقول الأستاذ عمر أيت حماد أستاذ الدراسات الإسلامية بالمحمدية " الإسلام أذن في الزواج ورغب فيه ووضع له شروطا متعددة في كل مرحلة من مراحله بدء بالخطبة و انتهاء بالبناء، ومظاهر الخلل لا تختص بالمرحلة الأخيرة فقط بل تشمل كل المراحل السابقة لها لأن الأمة كلما ابتعدت عن دينها تقع في الانحراف، وبالنسبة للزواج فإن الاحتفال به ما دام لا يتأسس على أساس علمي، و لا يتأسس علي ما يجوز وما لا يجوز فسيكون الانحراف فيه واردا، لأن الناس أخذوا المبدأ ( الاحتفال بالزواج)، ولم يأخذوا الكيفية، و الأمة حين لا تستشير شرعهافي كيفية تصريف المبدإ نتوقع منها كل شيء، و الحضور المختلط وجه من وجوه الخلل، والاختلاط غير ممنوع ولا منفي شرعا لكن الممنوع صورة الاختلاط، فالنساء عند إحيائهن لهذه الحفلات يتزين غاية التزين، فلو كان هذا التزين في مجلس يعلم أنه لا يدخله غير النساء لوجدنا له مسلكا، لكن للأسف الشديد التزين يكون في السيارات، في الشارع، داخل البيوت. ومن الغرائب أن الجوق يستدعى لحفل النساء، و الرجال يحضر معهم قراء القرآن، فالحفل يكون نسويا بتأطير ذكوري، إذن فإعلام الزواج مبدأ سليم لكن تصريف المبدإ فيه انحراف". ومن العادات الدخيلة أيضا زحف اللباس الغربي على اللباس التقليدي المغربي الذي يعد من أعرق الألبسة على المستوى العالمي لما يتميز به من جاذبية وجمال، وكانت العروس قديما تفتخر بلباسها التقليدي، وتحرص على أن تزف لزوجها وهي ترتديه لما يضفيه من لمسة جمالية خاصة، أما اليوم فقد طلقت جل العرائس هذا التقليد المغربي الأصيل، ليكتفين بلباس ثوب زفاف أبيض لا تتوفر فيه غالبا شروط اللباس المحتشم على غرار ما تلبسه العرائس في التقاليد الغربية. تقو ل السعدية 40 سنة بحسرة" العرس المغربي اليوم فقد طعمه من كثرة ما أدخلت عليه من أشياء ليست من صميم الحضارة المغربية، بل يعبر بشكل مباشر عن التقليد و التبعية، فبماذا يفضل اللباس الأبيض الغربي القفطان المغربي الأصيل" دليل العذرية والشرف ..مآسي وكوارث بعد نها ية حفل الزفاف و الذي يمتد غالبا حتى طلوع النهار، يصطحب العريس عروسته إلى منزل الزوجية، في موكب من السيارات التي لا يجد سائقوها حرجا في إزعاج الناس بأصوات محركاتها ثم نتتهي المناسبة بعادة ذميمة تعرف اسم "الصبوحي" أو "السروال"، وهو ثوب يحمل آثار دماء، يعد دليلا على أن الفتاة التحقت بزوجها بكرا، وبرهانا على حسن التربية و الرعاية التي تلقتهما في كنف أسرتها، ولعل ما يشهد لذلك تلك العبارات التي ترددها قريبات العروس و هن يتسابقن أيهن تحظى بشرف حمله و الرقص به بين الحاضرات، تكميما لأفواه الفضوليات، وطمسا لأعين الحاسدات. هذه العادة كانت مثار جدل واسع بين المستجوبين فمنهم من ر أى ألا حرج في الإبقاء على هذه العادة كالسيدة الزوهرة (54 سنة) والتي قالت " أنا أدعو للمحافظة على هذه العادة إذا أريد للمرأة أن تعيش مرفوعة الرأس بين أهل زوجها، فالناس لتخلفهم لا يثقون حتى في الشهادة التي يسلمها الطبيب للفتاة قبل زواجها، ولا يثقون في ابنهم الذي يرغمونه على تسليمهم ذلك الثوب، ثم كم من فتاة يخاض في عرضها قبل الزواج، فيكون لزاما عليها تقديم دليل على عذريتها يوم زفافها" أما السيدة رجاء (29 سنة9 فلا تمانع في المحافظة علي هذه العادة بشرط ألا يطلع عليه عموم الناس بتلك الطريقة الاحتفالية المخجلة بل ترى أن تتولى أم العروس وأم العريس هذه المهمة وتعلل ذلك بقولها " أم الزوج لن تتسترعلى زوجة ابنها إذا وجدت بها ما يشينها، كما أن الأم تحب الإطمئنان بنفسها على ابنتها" في حين تعتبر الأستاذة القادري أن هذه العادة تنم عن انحطاط في الدين و الأخلاق، كما أنها إهانة للمرأة، بل حتى لزوجها الذي اقتضى منه العرف التخلي عن مقومات رجولته منذ لحظته الأولى للزواج، وذلك بإطلاع العامة علي ما دار بينه وبين زوجته من أمور خاصة، تقول الأستاذة" هذه العادة أعتبرها حيوانية ،مهينة للمرأة التي تصبح تحت رحمة المترقبين و المتعطشين للدماء البشرية، دون مراعاة للحالة النفسية التي يكون عليها العروسان في أول لقاء بينهما، ودون مراعاة كذلك للجهد البدني الذي يبدلانه طيلة أيام الإحتفال، وكذا دون مراعاة لحالة الخجل و الذعر المرافقة لهما، وللأسف كم مرة ترتب عن هذه السلوكات الرعناء مخاطر أثرت على مستقبل الحياة الجنسية للزوجين"وتحكي سعاد واقعة تتعلق بموضوع هذه العادة..،فتقول"... وبعدما أغلق الباب على العروسين، جلس "الوزير" وهو الشخص الذي ينتدبه العريس كقناة تواصلية بينه وبين الأهل و الأحباب على مائدة ، وفي كل مرة يطرق باب العروسين، لاستعجالهما لاخراج " الصبوحي"، للهفة الجميع وخاصة أهل العروس على الإطلاع على "النتيجة"، وفجأة أطل العريس برأسه من باب الغرفة، و تحدث مع أخ العروس، هذا الأخير الذي أطبق على عنق العريس كالمجنون، بل كاد يقتحم الغرفة على أخته لولا تدخل بعض الأطراف، ثم تطور الوضع، إذ حملت العروس إلى المستشفى رفقة زوجها وأخيها ، بعدما أشاع العريس أن الفتاة ليست بكرا، ثم عادوا بعد ساعة من الزمن بعدما تأكدوا جميعا إن غشاء بكارة العروس من النوع السميك الذي يصعب فضه دون تدخل الطبيب، ثم أغلق الباب من جديد على العروسين، وبعد أقل من ريع ساعة رمى العريس بالثوب الملطخ بالدماء فاستلمه الأخ الملهوف وأخذ يرقص به بجنون بعدما تحلقت حوله النسوة و الرجال مهنئين و مرددين لأهازيج و إغاني تعلي من شأن الفتاة، وشأن من تو لوا تربيتها". الشرع يرفضها..والحمقى يقبلونها يقول الأستاذ عمر بن حماد بخصوص هذه العادة "و من الأمور المرفوضة في الزواج أننا نرى الناس وفي صورة بشعة، فاقدة لكل مستويات العفة و الحياء و الذوق، يعلنون بكارة الفتاة وهذا الفعل فيه من التناقض مع كل القيم الحضارية الأصيلة ما هو معلوم. و مع الأسف الشديد الناس يحتفلون، ربما في أوقات غير مناسبة، وبطريقة غير مناسبة، وعلى شيء لايشرع الاحتفال به و كما يشاع في المثل المغربي " العرس سبيل و اللي يتكلم فيه اهبيل"و معناه أن ليلة العرس يستباح فيها كل شيء، تعطل فيها كل الأحكام، و تستباح فيها المعاصي ( الخمر الغناء الفاحش...). و بالمناسبة هناك من يحذر من التعامل بمبدإ العادات و التقاليد، فيقولون أن ديننا ليس فيه عادات و تقاليد، وإنما فيه أحكام و مقاصد شرعية، و أنه بمجرد الدخول في العادات و التقاليد نكون قد فتحنا الباب للزيادة و النقصان" خلاصة لايمكن الإحاطة بكل العادات والتقاليد في أعراسنا المغربية. ذلك أمر يحتاج إلى بحوث اجتماعية مطولة.نحن ركزنا على جانب منها فقط، واستعرضنا تصريحات من شرائح اجتماعية شعبية، كما عززنا الاستطلاع بآراء بعض العلماء.والأعراس المغربية في نهاية القول تعكس التحولات الجارية في أعماق المجتمع. فمن الناس مي يساير وتحمله ريح العولمة..ومن الناس من يرفض ويقاوم مستمسكا بالذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم..ومنهم اللامنتمون أيضا..ومثلهم مثل إخوانهم في الحياة الحزبية ليس لهم رأي ولا برنامج..معلقون بين المنزلتين..حتى يأتي حكم الله..