تدبيرالطقوس الاحتفالية قبيلة -أيت مرغاد- بواحات غريس نموذجا كلمة لابد منها: احتفالا باليوم العالمي للمرأة والدي غالبا ما يتطرق فيه إلى وضعية المرأة بشكل عام وصراع الحركات الديمقراطية-التقدمية من أجل مجتمع عادل... ورفع الحيف عن المرأة، ارتأينا الخروج عن المألوف وتناول الموضوع من زاوية أخرى للوقوف عن أدوار المرأة داخل مجتمع القبيلة وارتأيت نمودج المرأة المرغادية نسبة لقبيلة أيت مرغاد ستتلوها محاولات أخرى مستقبلا حول دور المرأة في باقي التجمعات القبلية الأخرى بتافيلالت، ونغتنم هده الفرصة للوقوف وقفة إجلال واحترام لكل النساء الفيلاليات في كل المداشر والقشور على تضحياتهن دون ملل بعيدا عن نقاشات الصالونات والأضواء... سيرا على نهج "النبش" في الموروث الثقافي لمجتمعات المغرب العميق-المنسي حفاظا على "الذاكرة الجماعية" من الضياع أمام اكتساح مظاهر "التمدين" ووسائل الترفيه على البادية المغربية تحت شعار "الحداثة" و"العولمة الثقافية"، التي بدأت تهدد إن لم نقل عملت على القضاء على مجموعة من "القيم" الإنسانية ل"مجتمع القبيلة"، ارتأينا أن نقدم لقراء موقع زيز نماذج من "الطقوس الاحتفالية" لهذه التجمعات القبلية ودور المرأة فيها والتي تعود إلى عهود مضت، والتي غالبا ما ترتكز على مفهوم "الجماعة" و"العمل الجماعي" في تدبيرها، مع تركيزنا على إحدى أهم تلك التجمعات القبلية، وهي قبيلة "أيت مرغاد" على طول ضفاف وادي غريس (مع تركيزنا على قصور إملوان وإيمضر... بدائرة أملاكو). من بين أهم مظاهر "الطقوس الاحتفالية" والتي يظهر فيها دور المرأة جليا، حفلة "الزواج" بلغة الأمازيغ "تامغرا"، والتي تسبقها طبعا مراسيم "الخطوبة" بلغتهم "أتنسرسا"، ليحدد تاريخ حفل "الزواج" في فصل الشتاء، حيث الظروف الطبيعية القاسية تمنع الفرد من العمل الزراعي، وبالتالي لابد له من شئ ينسيه قساوة الطبيعة، وطول فترة الليل بالمقارنة مع النهار. وعند تحديد يوم انطلاق مراسيم "الزواج" "تامغرا" عادة ما تسبقه العديد من الإجراءات والأعمال التي تنم عن "الروح الجماعية" عند أفراد القبيلة الواحدة، ففي اليوم الأول يقوم رجال وشبان القبيلة برحلة جماعية إلى أعالي الجبل "أمردول"لجلب الحطب بمعية بهائمهم، والتي تصل أحيانا إلى خمسة عشر شابا، وعادة ما ينطلق الموكب مع طلوع الفجر ولا يعودون إلا عند غروب الشمس، وفي اليوم الموالي تقوم نساء القبيلة بعملية تنقية الزرع من الشوائب وطحنه بواسطة آلات الطحن التقليدية يسمونها "إزريان"، وعادة ما ينتهون بعد منتصف الليل بدون ملل، بل هي مناسبة للترويح عن النفس عن طريق الغناء الجماعي والأهازيج المرافقة لعملية طحن الزرع، والذي يزيد من حماسهن الهدية التي يقدمها لهن "بو تمغرا" أي "أهل العريس" أو "أهل العروسة"، عبارة عن تمر ولوز، تسمى "أمزيد". لتنطلق مراسيم "تامغرا" في بيت العروسة "تيسليت" أولا، والتي لا تتجاوز يوم واحد، ففي الصباح تقوم أسرة العريس "إيسلي" بحمل الهدايا إلى بيت أهل العروسة "تيسليت" عبر بهيمة "بغلة"، وحاملوها يسمون "إيسناين"، ويرافقهم طبعا النساء والأطفال وهم يرددون الأهازيج التي تعبر عن الفرحة وحسن اختيار "إيسلي" ل "تيسليت"، ويعتبر هذا اليوم يوم ضيافة كل أفراد القبيلة صغيرهم وكبيرهم من طرف عائلة "تيسليت"، تبتدأ بتناول وجبة الغذاء وتنتهي بتناول وجبة العشاء، ليكون الجميع على موعد تزيين "تيسليت" رفقة "إيسلي" "بالحناء" إن كانوا من نفس القصر، وتسمى ب"أداس نرير إتسليت" أي نفرح ونغني للعروسة، ويعهد تزيين "تيسليت" إلى المرأة التي لم تتزوج إلا مرة واحدة، وتتم هذه العملية في ساحة عمومية غالبا ما تكون وسط القصر، ويرافقها أهازيج ومواويل تتمنى من خلالها "لإيسلان" العروسين السعادة والطمأنينة، والرفاه والبنين، لتعم الفرحة الجميع مع انطلاق رقصات "أحيدوس" الجماعية والتي تستمر إلى وقت متأخر من الليل، وتعتبر رقصة "أحيدوس" مناسبة يستعرضن فيها النسوة العازبات مفاتنهن، حيث يتبادل فيها العشاق كلمات الإعجاب عن طريق كلام موزون، وإذا أرادت الفتاة أن تبدي إعجابها لشخص ما فعادة ما ترقص بجواره، كما لا تخلو رقصة أحيدوس من طرائف، فهي كذلك مناسبة لهجاء بعضهم البعض في جو يسوده الاحترام والود، وإذا رغبت امرأة متزوجة المشاركة في رقصة أحيدوس فهي تضع تسريحة خاصة لشعرها يسمونها "إخربان" تميزها عن العازبات، وعند الاستراحة يلجأ البعض إلى رقصة على إيقاعات خفيفة تسمى "تازهزكيت". في الصباح تحمل "تيسليت"إلى بيت "نسلي" رفقة بعض من أقاربها و"إيسناين" "نيسلي" ليكون الجميع على موعد مع وجبة الغذاء على شرف كل أفراد القبيلة من إعداد أسرة "نيسلي" ثم العشاء لتستمر الأهازيج ورقصات "أحيدوس" في ساحة القصر إلى وقت متأخر من الليل، في الصباح تحمل أسرة "نتيسليت" فطور الصباح إلى بيت "تيسليت" الجديد رفقة بعض نساء القبيلة بالأهازيج والزغاريد، ويسمى "أزنزي نتسليت" وعند قبائل أيت عطا يسمى "أسركظ نتسليت". لينصرف الجميع ماعدا أصدقاء "نيسلي" الذين يرافقونه في بيته حتى انتهاء "تامغرا" والتي تدوم على أقل تقدير سبعة أيام متتالية بدون انقطاع، وفي اليوم الرابع من "تامغرا" يتم إخراج "تيسليت" في جموع غفيرة وهي مغطاة الوجه بمنديل مزركش وخفيف في اتجاه الوادي أو المكان الذي تعتاد فيه النساء حمل ماء الشرب للبيت لتحمل بدورها الماء في إناء يسمونه "تاقليلت"، بعدها يتوجه الوفد إلى المدخل الرئيسي للقصر "إيمي نغرم" وهناك يتم الكشف عن وجهها أمام الملأ. وبعد مرور سبعة أيام من "تامغرا" تكون الأسرتين "نيسلي" و"تيسليت" والأقارب و"إيسناين" "نيسلي" على موعد لوجبة غذاء أولى من تحضير "تيسليت"، والذي يتشكل عادة من طبق الكسكس برأس الخروف، كناية عن كون "تيسليت" ستتميز برجاحة عقلها في تدبير شؤون بيتها. وفي اليوم العاشر من الزواج تخرج "تيسليت" إلى "أمردول" أي إلى الجبل لجلب الحطب، وتسمى هذه العملية "أزدام" ويرافقنها شابات ونساء القبيلة، يسمون "تينزدامين"، وتقوم "تيسليت" بإحضار مستلزمات الرحلة خاصة من الأكل، غالبا ما يتكون من الخبز والتمر واللوز، وبعد مسيرة طويلة يجلس الجميع لأكل ما أتت به "تيسليت" ويدعون لها بالرفاه والبنين، وهذه الرحلات لجلب الحطب نساء القبيلة هن اللواتي يتكلفن بها دون غيرهن، وتنطلق رحلاتهن على الأقدام قبل طلوع الفجر، أي بعد الصيحة الأولى والثانية "للديك" ولا يعدن إلا عند غروب الشمس محملات بالحطب على ظهورهن، وهكذا دواليك ما عدا الأيام الممطرة أو التي تعرف نزول الثلج. وما دامت الأرض تشكل المورد الأساسي لهذه التجمعات القبلية فقد ارتأت القبيلة أن تحتفل بموسم الحصاد "أنبدو"، فعند انتهاء كل أفراد القبيلة من حصاد منتوجهم الزراعي سواء في وقت حصاد الذرة أو وقت حصاد الحبوب القمح الطري والشعير، تعمل القبيلة على تنظيم "حفلة جماعية" تقوم فيه نساء القبيلة بإحضار أطباق من "الكسكس" تيمنا بموسم الحصاد "أنبدو"، وعند الانتهاء من صلاة العشاء يلتئم كل أفراد القبيلة على أطباق "الكسكس" نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا في ساحة القصر ليرفع الجميع أكفهم إلى السماء حمدا وشكرا على انتهاءهم من جمع محصولهم، وأن يكون الموسم المقبل أفضل من سابقه، ويكون الجمع مناسبة لطلب الصفح بين أفراد القبيلة فيما بينهم. أما في حالة غضب الطبيعة، ونقصان ماء السقي، فيقوم نسوة القصر مرفوقات بالأطفال بحمل أعلام مزينة من القماش وملابس النساء وحملها على "قصبة" يسمونها "أوتلغنجا"، بعدها ينطلقن في موكب "جماعي" من المدخل الرئيسي للقصر "إيمي نغرم" في اتجاه "السد الاصطناعي" الذي عبره يتم نقل الماء من الوادي إلى الساقية الرئيسية للقصر وهن يرددن أهازيج ومواويل، ونورد هنا مقطعا منها: "أوتلغنجا أسي أوراونم سيينا على ربي أنزار أديوت شييان يرد أنزار أوا تقوراغ تروانغ أسيدي ربي يرد أنزار أيدا شنان إفلاحن أسيدي ربي يرد أنزار أيدا شنان إكسابن أسيدي ربي يرد أنزار أتنشر تويا غف إيغالين أسيدي ربي يرد أنزار أر نبدو تامزد تيمزين أتالغنجات" ومعناها أنهم يطلبون الغيث لما أصاب بلادهم وسواقيهم من جفاف، وأن الكل محتاج إليها، مزارعين، رعاة...وعند وصولهم "للسد الاصطناعي" يقومون بذبح "ديك" ويلقون به على جنبات "السد"، ويعودون أدراجهم إلى القصر وهم يرددون طلب الغيث، وبعد صلاة العشاء يلتئم الجميع على أطباق "العصيدة" في ساحة القصر العمومية، ويرفعون أكفهم إلى السماء طلبا للغيث، ويتصافحون فيما بينهم، ويستغل المناسبة المتخاصمون طلبا السماح، لينصرف الجميع فيما بعد. ومن بين مظاهر الاحتفالات الجماعية، حفلات "عاشوراء" أو "حاكوزة" والتي تصادف 13 يناير من كل سنة ميلادية، وابتداء من هذا اليوم وإلى غاية يوم 16 من الشهر نفسه تعتبر فترة استراحة للنساء وذالك بعدم الذهاب إلى الجبل لحطب الحطب، وتتخلل هذه الثلاثة أيام مجموعة من الطقوس، ففي صبيحة يوم 9 محرم يتم نحر "عجل" في ساحة القصر، وهذا العجل يسمى "أعجلي نتقبيلت" أي "عجل القبيلة" ويوزع على باقي أسر القبيلة الواحدة ما عدا "رأسه" و"جلده" و"أحشاءه "(=الدوارة) بحيث يبيعونهم بالمزاد لمن يرغب فيهم، وبثمنهم يتم شراء عجل متوسط الحجم بعد إضافة ثمن الفرق، ويوضع في "أرحبي نتقبيلت" وهو مكان مخصص له دون غيره، وتقوم نساء القبيلة بإطعامه بالتناوب كل يوم حتى الموسم المقبل ليتم نحره وهكذا ذواليك. وفي المساء تقوم النساء بإحضار أطباق من "الكسكس" لأفراد عائلتهم ويطلقون عليه عادة "سبع اخضاري" مرفوقا ب "البيض" و"الكديد" و"الكرداس" مع وضع "نوى الثمر" في وسط الطبق المحضر دون علم أي أحد، ومن عثر عليه عند الأكل فهو "أنبرشي" أي "المبارك"، وسيكون فال خير عليه طيلة الموسم. بالنسبة للأطفال يتلقون هدايا من طرف أمهاتهم على شكل أكياس مصنوعة للمناسبة من سعف النخيل مع اختيار السعف الذي يميل إلى الصفرة وتسمى "تلكوت"، ويوضع فيها قليل من "الكسكس" و"بيضة" وقليل من لحم "الكديد" و"كرداسة" ليحتفضوا بها حتى صبيحة اليوم الموالي، وعند حلول الظلام يجوب الأطفال أزقة القصر وهم يرددون "بيانو سانو شاخ شا أللا أشميحيو ربي سيمال" أي يطلبون الصدقة ويتمنون لكل من جادت لهم بشئ ما بطول العمر إلى الموسم المقبل. وتستغل النسوة المناسبة كذلك في نفس الليلة بزيارة المرأة التي لم يمر عام عن زواجها ويقمن بمداعبتها عن طريق الغناء بالأمازيغية "دا تنتلغا" لكي تحضر لهم طبقا من الكسكس بكل لوازمه، وإذا تأخرت عن ذالك يقمن بهجائها حتى ترضخ لطلبهن. وفي صبيحة يوم 10 محرم موعد تراشق أبناء القصر بالماء، وعادة ما يطلقون على هذا اليوم ب"البركة"، أما النساء فيستيقضن باكرا ويقمن بجلب الماء من "بئر المسجد" "أنو نتمزييدا" ويرشون به كل أركان البيت وكذا "أحانو نلخزين" وهو عبارة عن غرفة يضعون فيها مؤونتهم ومحاصيلهم الزراعية... بعد أخذهم كل ما يحتاجون إليه لذلك اليوم واليوم المقبل، ويغتسلن ويتزيين بالحناء، أما اليوم الثالث فيطلقون عليه ب"الربا"، وفي هذا اليوم لا تقترب المرأة ل"أحانو نلخزين" بتاتا، وكل ما يقمن به بعد إحضار وجبة الأكل هو غسل ثيابهن فقط من الأوساخ. وغير بعيد عن مجال دراستنا، فكلما حلت ذكرى "عاشوراء" إلا ويستحضر معها ساكنة قصري "إكلميممن" و"تاديغوست" بواحات غريس (دائرة كولميمة) ذاكرة "أوداين ان عاشورا" (يهود عاشوراء) في أجواء الفرح واللعب والبهجة بطريقة ومنوال فريدين، حيث يخرج الناس في موكب "كرنفالي" يغنون ويعزفون بالطبول والبنادير والمزامير، ويتقمصون شخصيات معروفة في الوسط الاجتماعي، برسومات كاريكاتورية ومجسمات تزين بها وجوههن. تستمر هذه الاحتفالات "الكرنفالية" وهي تجوب أزقة القصر منذ الصباح حتى المساء وهم يرددون لازمة يقولون فيها: "زايد أمان أربي زايد وا إتروى نكلميمن زايد وا أتسوان إعريمن نكلميمن زايدا وا" بمعنى أنهم يطلبون من الله أن يكثر من ماء ساقية قصر "إكلميمن" حتى يجد شبان القصر ما يسقون به منتوجات بلدهم، وتختم مناسبة "عاشوراء" بحفلة موسيقية أمام المدخل الرئيسي لقصر إكلميمن "إيمي نغرم نكلميمن" حتى فترة متأخرة من الليل، بعد تناول أطباق "سبع اخضاري" والذي يتم تحضيره بنفس الطقوس أعلاه. وكلما حلت ذكرى "اوداين ان عاشورا" (يهود عاشوراء) إلا ونستحضر معها دور هذا المكون الاجتماعي والثقافي في الحياة الاقتصادية والتجارية لواحات الجنوب المغربي ومنها تافيلالت وعاصمتها التقليدية سجلماسة، ومن هنا تسوقفنا مأثورة شعبية أمازيغية تقول "أيدا موشي يدو وعديل" أي ذهب "موشي" وذهبت "الحقيبة"، ف"موشي" هو أحد الأسماء اليهودية المعروفة، أما "الحقيبة" فهي كناية على التجارة، المال، الاقتصاد. وبالتالي ف "أوداين ان عاشورا" (يهود عاشوراء) مكون ثقافي يهودي – أمازيغي صرف، يجب الاحتفاظ والعناية به حفاظا على "الذاكرة الجماعية" ولايختلف دور المرأة اليهودية في تدبير هدا اليوم الاحتفالي عن المرأة المرغادية. . إن ما قمنا به هو محاولة "نبش" في "الذاكرة الجماعية" لأحد مكونات المجتمع المغربي-الفيلالي "أيت مرغاد"، والتي لازالت تحتاج إلى المزيد من الدراسة الأكاديمية، مع ما يعترض هذه العملية من عراقيل وإكراهات تتعلق بمشكل "التدوين"، من هنا يبرز دور فعاليات المجتمع المدني خصوصا الجمعيات الفاعلة في الميدان للحفاظ على "الهوية الثقافية" كموروث ثقافي-إنساني من الضياع والاندثار. وشكرا لكم مجددا على توجيهاتكم واقتراحاتكم.