الدكتور محمد بيزران هو طبيب جراح، اختصاصي في الطب الرياضي. وهو رئيس الجمعية الجهوية للطب الرياضي لسوس ماسة درعة، ونائب رئيس الجامعة الوطنية للطب الرياضي. كما أنه كذلك رئيس اللجنة الطبية لحسنية أكادير. في هذا الحوار نستضيف الدكتور بيزران لنناقش معه واقع وآفاق الطب الرياضي، وموقعه في ظل مشروع التأهيل الاحترافي لكرة القدم الوطنية، هذا التأهيل الذي مازال يعرف الكثير من التعثرات. كما نتناول معه في هذا الحديث ظاهرة الإقبال على الممارسة الرياضية، سواء خلال شهر رمضان، أو طيلة السنة من طرف العديد من المواطنات والمواطنين، ومدى جدوى هذه الممارسة. وفيما يلي نص الحوار : س / في ظل التأهيل الاحترافي الذي تعرفه كرة القدم الوطنية، وكذا في ظل ما عرفته، وتعرفه منطقة سوس، من حيث الارتقاء بالبنيات الرياضية، بالأخص التوفر على مركز جهوي للطب الرياضي، ماذا يمكن أن تقول لنا عن واقع الطب الرياضي؟ ج/ الطب الرياضي، عبر الجموع العامة لعصبة سوس لكرة القدم، مر بثلاث مراحل. في البداية، ومن خلال كل تدخلاتنا، كنا نركز على التعريف بالطب الرياضي، وبيان أهميته، لأنه مع الأسف الشديد جميع الفرق وجميع الجامعات بالمغرب، لم تكن تقوم بأي جهد للتحسيس بأهميته. والدليل على ذلك أنه قد تم إنجاز دراسة أفقية، من خلال لقاء الأيام الطبية لجمعية الطب الرياضي لجهة الرباط - سلا - زعير، سنة 2008، وتبين خلاله أنه نتوفر على 42 جامعة تمثل مختلف الرياضات، نسبة 30 في المائة فقط منها هي التي تهتم بجانب التطبيب. وفيما يتعلق بالنوادي نجد أن نسبة 1.3 في المائة منها هي التي تستعين بخدمات طبيب، فيما الباقي، أي ما يزيد على 98 في المائة، يستعينون بالمسعفين، أو ما يسمى بالمعالجين. وهذا واقع يبين أن الطب الرياضي مازال أمامه طريق طويل حتى يدخل في ممارستنا الرياضية، ويصبح جزءا لا يتجزأ منها. ولكن مع ذلك، وبعد إنشاء عدد من الجمعيات الجهوية للطب الرياضي، أصبح هناك تزايد في التحسيس بجدوى هذا الطب، والذي طال في البداية، من خلال اللقاءات العلمية والأيام الطبية، الأطباء والمختصين، دون المعنيين المباشرين، وأقصد بهم رؤساء الأندية والمهتمين بهذا التخصص داخل الأندية. من هنا جاءت الفكرة، من خلال الاتفاقية التي تم توقيعها مع المرحوم الحاج الحسين الراديف، على أن تكون الأيام الطبية التي ننظمها مشتملة على جانب يدمج موضوع الرياضة والأندية في علاقتها بالطب الرياضي. وعادة نخصص لهذا الموضوع اليوم الأول، فيما اليوم الثاني نخصصه لموضوعات علمية وتخصصية، ولأشغال الورشات التي يستفيد منها الأطباء التابعون للفرق، وكذا المعالجون، بل وحتى بعض المدربين الذين يمارسون بالفرق الهاوية. من هنا وصلنا إلى مرحلة يمكن أن نقول بأنه أصبح فيها عدد متزايد من المهتمين والممارسين، أكثر وعيا بأهمية وجدوى الطب الرياضي.
س/ هل في هذا الإطار تدخل فكرة خلق الجامعة الوطنية للطب الرياضي؟ ج/ بطبيعة الحال من هنا بدأت الفكرة، وفي جميع الجهات. هناك حاليا سبع جهات تتوفر على جمعيات للطب الرياضي. وخلال اللقاء الثاني لجمعية سوس ماسة درعة، قدمت اقتراحا يتعلق بضرورة أن يكون هناك محاور واحد يمثل كل هذه الجمعيات، بحيث أن تلك الجمعيات تبقى وتستمر في ممارسة أنشطتها، لكن شريطة أن تكون هناك قاطرة بإمكانها أن تسير بعيدا بالطب الرياضي، وهي الجامعة الوطنية. فحاليا هناك فراغ قانوني يتمثل في عدم وجود قانون خاص بالطبيب الرياضي. ثم هناك كذلك الحاجة إلى خلق مراكز للطب الرياضي تتواجد جهويا، مثل المركز الذي نتوفر عليه بأكادير، وكذلك هناك ضرورة لوجود مركز وطني ومرجعي يعالج بعض المشكلات الطارئة، كحالات الموت المفاجئ. ومن هنا جاءت فكرة تأسيس جامعة تجمع كل هذه الجمعيات الجهوية، وتوحد رؤيتها، مع خلق تكامل بين الجمعيات الجهوية وتنسيق الأنشطة والأعمال التي تنظمها. إذن هذه الجامعة الوطنية هي ثمرة التنسيق بين الجمعيات الجهوية، وقد ارتأينا أن نضع لها قانونا أساسيا، ساهمت في صياغته وجمع كل المعلومات الخاصة به، وذلك بهدف ضمان تمثيل لكل هذه الجمعيات، حيث يكون هناك رئيس للجامعة، يضاف إليه ممثلان عن كل جمعية، مع إضافة بعض الأسماء المعروفة في هذا المجال الرياضي. وهناك مكتب إداري يتكون من 21 عضوا، ثم المكتب التنفيذي الذي يتكون من 13 عضوا. وأضفنا إلى هذه الأجهزة لجنة أطلقنا عليها اسم لجنة الحكماء، تتكون من أسماء مشهود لها في الميدان بخبرتها وتجربتها. وتتكفل هذه اللجنة بالتوجيه واختيار القضايا والموضوعات التي يمكن أن نتناولها سواء خلال مؤتمراتنا الوطنية أو خلال الأيام الطبية التي تنظمها جمعياتنا. س/ هل لهذه الجامعة من استراتيجية واضحة لمواجهة آفة المنشطات التي أصبحت تهدد رياضتنا الوطنية؟ ج / هذا السؤال بالغ الخطورة. فهو يتعلق بما يمكن أن نطلق عليه اسم الآفة أو «الدراما». وقد رأيتم ما وقع مؤخرا، وفي أعلى مستوى، في رياضة ألعاب القوى، من خلال تعاطي أسماء كبرى كالعداء الأمريكي تايسون غاي للمنشطات، مما يؤكد أننا أصبحنا أمام آفة عالمية. والوضع كارثي حتى في المغرب، خاصة في مجال كرة القدم. والقوانين المفترض أن تحد من هذه الظاهرة مازالت لم تخرج بعد لحيز التنفيذ. كانت هناك لجنة وطنية لمواجهة هذه الآفة، تم إنشاؤها في عهد السيدة نوال المتوكل، وشكلت حينها قفزة كبيرة، قبل أن يتم حلها. حيث استفاد كل الأطباء الرياضيين من تكوينات في هذا المجال، نظم أحدها بأكادير وآخر ببوزنيقة. كما تم تكوين حتى الأشخاص الذين سيتكفلون بمراقبة المنشطات. ونحن حاليا لدينا استراتيجية تشمل أولا التدخل لتحسيس المعنيين بالأمر بخطورة تناول المنشطات. وإذا اقتصرنا في هذا الصدد على ظاهرة تناول الشيشا، التي تعتبر من المنشطات، وقد تم اكتشاف أنها تحتوي على ما يزيد على 400 من المكونات السامة، من ضمنها «الأرسنيك»، الذي يعتبر من السموم الخطيرة. وتصور أن تناول النرجيلة الواحدة يعادل تناول ما يزيد عن 25 علبة سجائر. ولاعبونا للأسف يتناولون هذه السموم، مما يؤثر على صحتهم وعلى مستقبلهم الرياضي، بشكل جد سلبي طبعا. وجامعتنا من أهدافها مواجهة هذه الآفة بالتحسيس، والتكوين، ثم تفعيل القوانين والمراقبة. س / في علاقة بدراما المنشطات، هل من علاقة بين تناولها وبعض حالات الموت المفاجئ، التي تجد أغلب أسبابها في النوبات القلبية؟ ج / بطبيعة الحال. الموت المفاجئ، وكما يدل عليه اسمه، هو موت غير منتظر وصادم للجميع، وتناول المنشطات من بين الأسباب، حسب آخر الدراسات، التي تؤدي إلى هذا الموت. وما هو مؤكد، هو أنه من بين العوامل التي تضاعف وتسرع حصول الموت المفاجئ تناول المنشطات. نعرف أنه حوالي 90 في المائة من حالات الموت المفاجئ يرجع إلى النوبات القلبية، وتناول جميع أنواع المنشطات يؤدي إلى تناول مكونات، منها ما يقوم بتسريع الدورة الدموية وإيقاع خفقان القلب. فإذا كان الموت المفاجئ سيحدث بسرعة معينة، فإن تناول المنشطات يزيد من وتيرة هذه السرعة، وهذا أمر مؤكد. بل إن تناول بعض المنشطات، من خلال تناول كمية زائدة منها، يؤدي إلى الموت المفاجئ. وهكذا فتناول المنشطات له أثر سلبي على المردودية. وهذا لا يعني أن تناول المنشطات ليس له جانب يبدو إيجابيا، ولكن هذا الجانب الإيجابي، إذا أمكن نعته كذلك، يبقى مؤقتا ووهميا. وفي هذا الإطار أشير إلى أنني اقترحت على الخبير الفرنسي في التغذية كزافيي بيكار، الذي شارك معنا في الأيام الطبية الأخيرة التي نظمناها بأكادير، حيث ألقى عرضا حول تغذية الممارس الرياضي، بأن يقدم عرضا حول المنشطات، أنواعها وسبل محاربتها، كما اقترحت على الدكتورة فاطمة بوعلي من وزارة الشباب والرياضة، وهي الخبيرة مغربيا في موضوع المنشطات، أن تلقي بدورها مداخلة تتعلق بنفس الموضوع، لكن من خلال التركيز على الحالة المغربية، وذلك للتعريف والتوعية بمدى خطورة هذه الآفة. س / تكلمنا حتى الآن عن واقع الطب الرياضي وطنيا، ماذا عن واقعه على مستوى منطقة سوس؟ ج / لنا الشرف بمنطقة سوس، وفي الجمعية الجهوية للطب الرياضي، أن نكون بمثابة القاطرة من حيث التحسيس بمدى أهمية هذا الميدان، وذلك باعتراف الجمعيات الأخرى، وكذا الفاعلين المختصين في هذا الميدان. فقد بدأنا عملنا التحسيسي منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، ووصلنا حاليا إلى مرحلة جد مشرفة، حيث أصبحنا نتوفر على مركز جهوي للطب الرياضي، وهو الوحيد من نوعه من حيث إنشاؤه وطريقة تسييره. وهنا لا بد أن أحيي الجماعة الحضرية لأكادير، التي وعت بأهمية هذا المشروع واحتضنته واحتضنت فكرته التي كان من ورائها المرحوم الحاج الحسين الراديف، ليتم بناء هذه المعلمة بموازاة مع بناء مقرات العصب لمختلف الرياضات. والمهم في هذا المركز يتمثل في طريقة تسييره. فالبنايات يمكن أن تخلق، لكن ما يحكم استمرارها وأداءها للوظيفة التي خلقت من أجلها هو طريقة تسييرها. فالتسيير الطبي للمركز تقوم به جمعيتنا، الجمعية الجهوية للطب الرياضي، فيما التسيير الإداري للمركز تقوم به عصبة سوس لكرة القدم نيابة عن العصب الأخرى، علما بأن هذا المركز يبقى مفتوحا أمام كل تلك العصب لتستفيد من خدماته، إلى جانب كل فرق عصبة سوس سواء منها المتواجدة بأقسام الهواة أو بقسم النخبة. والجماعة الحضرية لأكادير هي التي تمول هذا المركز بتقديم منحة سنوية تناهز 500.000 درهم . ويتوفر المركز على طبيب مداوم، وأخصائي في الترويض، وممرضة، وكاتبة ومدير إداري. وهكذا فالمركز يتوفر على طاقم متكامل يتواجد بشكل دائم ومستمر، مما يضمن فاعلية المركز واستمراريته. ثم إن كل أندية المنطقة، من كلميم حتى تيزنيت، تستفيد من خدمات المركز. ومع تدخل السيد رئيس مجلس الجهة، وتقديمه لاقتراح يروم الارتقاء بتجهيزات المركز، سيصبح هذا الأخير رهن إشارة كل فرق الجهة ورياضييها. وهكذا ستتم الزيادة في عدد الآلات التي يتوفر عليها المركز، كما يمكن الزيادة في طاقمه للاستجابة لحاجيات كل الفرق والأندية. كما أشير أخيرا إلى آلة حديثة وجد متطورة يتوفر عليها المركز، وقد اقتنتها الجماعة الحضرية لأكادير، وهي آلة الكشف الوظيفي (V2 MAX)، وهي آلة مهمة جدا تفيد الأندية، لأنها تحدد نوعا من خريطة الطريق بالنسبة للمدربين للتعرف على الكفاءات والمقومات البدنية للاعبيهم. وسنقوم بمباشرة تكوين في هذا الصدد يسهل تعامل واستفادة مدربي الفرق وأطقمها مع هذه الآلة. س/ نمر الآن إلى موضوع يتعلق بالتعاطي للرياضة من طرف عدد كبير ومتزايد من الناس. هناك مثلا من يتعاطى للرياضة خلال شهر رمضان دون الشهور الأخرى، هل يعتبر هذا التعاطي مجديا؟ ج / الحديث عن رياضيي شهر رمضان كالحديث عن رياضيي يوم الأحد. الممارسة الرياضية مفيدة جدا للصحة، وقد أكدت جميع الأبحاث والدراسات التي ظهرت عالميا، خلال العشر أو العشرين سنة الأخيرة، أن الرياضة تقي من الأمراض وتشفي بعض الأمراض، بل وتزيد في العمر ما بين ثماني إلى عشر سنوات. والممارسة الرياضية لكي تكون نافعة ومفيدة ينبغي القيام بها إما لمدة 45 دقيقة، ثلاث مرات أسبوعيا، أو نصف ساعة كل يوم مع القيام بالهرولة أو المشي، أو الجري بطبيعة الحال. ولكن ما يعتبر خطرا هو أن نجد بعض الناس ينتظرون حتى يأتي شهر الصيام ليتعاطوا للرياضة بطريقة عشوائية أو يمارسون بعض الرياضات، التي لا تلائم الشهر الكريم كلعب كرة القدم. وتعتبر هذه ممارسة خطيرة، بالأخص بالنسبة لمن تجاوزوا سن الأربعين. وقد عاينت خلال رمضان الحالي الكثير من الحالات والأعطاب، والتي وصلت إلى حد تمزق العضلات والأربطة العظمية وغيرها. كما أن هناك من يمارس الرياضة خلال هذا الشهر في توقيت غير مناسب. فالساعات التي تعتبر ملائمة للتريض هي ثلاث ساعات بعد تناول الأكل، أي بعد السحور، أي ابتداء من الساعة التاسعة أو العاشرة صباحا، أو بعد الإفطار، أي حوالي الساعة العاشرة ليلا. فهذا هو التوقيت المناسب خلال هذا الشهر، وبالأخص بالنسبة للمحترفين الذين نلاحظ أن عددا منهم يتدربون في أوقات غير ملائمة. ولا يفوتني هنا أن أنوه بقرار جامعة كرة القدم، التي أصبحت تبرمج المباريات ليلا خلال رمضان.
س / وماذا عن حالة بعض النساء اللواتي أصبحن يتعاطين للرياضة وهن يرتدين ألبسة ثقيلة من النيلون، أو حتى الجلد، وذلك بغرض النقص من الوزن ومحاربة البدانة. هل هذه ظاهرة صحية؟ ج / هذه ممارسة تقوم على اعتقادات خاطئة. فارتداء ألبسة ثقيلة نابع من الاعتقاد بأنه يمثل وسيلة للنقص من الشحم. وهذا خطأ، ويمثل خطرا على الصحة. فعملية التنفس وعمل الرئتين يتم من خلال ذلك العرق، الذي يزيد من كثافته ثقل اللباس. ومن يمارس الرياضة ويتصبب منه العرق بهذا الشكل ينبغي أن يشرب الماء بعد عشرين دقيقة وإلا أصبح مهددا بالإجتفاف. ثم إن نوعية تلك الملابس التي أشرت إليها لا تترك الجسم يتنفس بشكل جيد، لأن التنفس لا يتم فقط عبر الأنف، بل كذلك عبر الجلد ومسامه، وهذا التنفس تعيقه الملابس الثقيلة، مما يجعل الممارسات لا يستفدن من تلك الرياضة. والبدلة في هذا الصدد لها دور أساسي، لا بالنسبة للهاوي ولا بالنسبة للمحترف. فإذا كان الطقس باردا لا يمكنني لممارسة الرياضة أن أرتدي لباسا خفيفا، بل لباسا يتلاءم والطقس دون أن يكون من الجلد أو النيلون. والأفضل في هذه الحالة ارتداء ملابس قطنية، لأنها تنشف العرق وتسمح للجلد بأن يتنفس. أجرى الحوار: عبداللطيف البعمراني المصدر / جريدة الاتحاد الاشتراكي 27 يوليوز 2013