الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان تطالب بالتحقيق في تصريحات يوتوبر تهدد الأمن العام    التساقطات المطرية في أبريل تخلف ارتياحا كبيرا لدى الفلاحين    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مراكش.. افتتاح الدورة الثالثة لمعرض "جيتكس إفريقيا المغرب"    الجزائر تفاقم توتر العلاقات مع باريس بعد طرد 12 موظفاً من السفارة الفرنسية    حينما خان المدرج الطائرة .. قصة الهبوط الذي انتهى عند سياج مطار فا    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    نجل أنشيلوتي يكشف سبب تصرف مبابي ويستنكر ما حدث مع أسينسيو    أطفال في عمر الزهور بطنجة يستنشقون "سيليسيون"    لي تشانغلين، سفير الصين في المغرب: لنكافح الترويع الاقتصادي، وندافع معًا عن النظام الاقتصادي العالمي    بسبب فقدانه للمصداقية.. جيش الاحتلال الصهيوني يتعرض لأزمة تجنيد غير مسبوقة    مطالب بمنع رسو سفن يعتقد أنها محمّلة بمعدات عسكرية متجهة إلى إسرائيل في موانئ المغرب    36 قتيلا في قصف أمريكي على صنعاء    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    أين يقف المغرب في خريطة الجرائم المالية العابرة للحدود؟    ردا على اعتقال موظف قنصلي.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا    الفارس عبد السلام بناني سميرس يفوز بجائزة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بتطوان    المنتخب المغربي يفوز بالدوري الدولي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم    إحداث مراكز الدراسات في العلوم التمريضية وتقنيات الصحة بسلك الدكتوراه    طقس الإثنين.. أمطار ورياح قوية بعدد من المناطق المغربية    كيوسك الإثنين | الصين تعزز استثماراتها بالمغرب عبر مصنع ل "الكابلات" الفولاذية    الشركة توضح تفاصيل حادث طائرة فاس    من الغُرنوق إلى النسر الذهبي.. طيور مهددة بالانقراض تعود إلى موائلها بالمغرب    الجامعة الوطنية للتكوين المهني تدعو لوقفات احتجاجية رفضا لتصاعد العنف ضد الأساتذة    وفاة الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    أمن طنجة يوقف شخصًا اعتدى على متشرد.. والمواطنون يطالبون بعدم الإفراج عنه رغم شهادة اضطراب عقلي    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طنجة تستعد ل"كان 2025″.. انطلاق أشغال توسعة الطرق المؤدية إلى الملعب الكبير    مقاييس التساقطات المطرية خلال ال24 الساعة الماضية.. وهذه توقعات الإثنين    المنتخب الوطني المغربي في المجموعة الثانية برسم منافسات كأس الإمم الإفريقية لأقل من 20 سنة لكرة القدم    مهرجان فاس في قلب برشلونة    إحداث مراكز الدراسات بسلك الدكتوراه في العلوم التمريضية وتقنيات الصحة ابتداء من الموسم الجامعي المقبل    إدريس لشكر بدون لغة خشب : «وطنيتنا هي التي تملي علينا مواقفنا»    اللجنة المشتركة المغربية العمانية: شراكة متجددة تعكس عمق العلاقات الثنائية    تافراوت : مجهودات جبارة لرجال الوقاية المدنية ساهمت في إنجاح النسخة ال 12 لمهرجان اللوز    في قبضة القصيدة الأولى: ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    بينبين مستاء من تغييب وزارة الثقافة له خلال معرض الكتاب بباريس    عبد الوهاب الدكالى يعود بجمهور الرباط إلى الزمن الجميل    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى        المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقي والفيلسوف :نيتشه ضد فاغنر.
نشر في الشرق المغربية يوم 02 - 03 - 2013


محمد مستقيم
يقول الأستاذ محمد الناجي الذي نقل إلى العربية معظم الإنتاج الفلسفي للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، بأنه يتشرف هذه المرة بتقديم ترجمة أحد أهم كتب الفيلسوف الكبير الذي يتحدث من خلاله عن نفسه ويقربنا من فهمه بشكل أفضل في السياق التاريخي الذي عاش في إطاره. والمقصود هو كتاب :"هذا هو الإنسان" مضيفا إليه عنوانا فرعيا دالا وهو :"نيتشه ضد فاغنر". وهو كتاب كما يقول الناجي يحتفل بالإنسان وينتصر للحرية التي هي أساس العزة والكرامة وهي صفات ما أحوجنا إليها في هذه المرحلة التي تمر بها المجتمعات العربية المعاصرة ،ليكون الإنسان في مستوى التطلعات حتى تتقدم المسيرة نحو القمة وتتجاوز كل أسباب الارتكاس أو المراوحة.
وبالفعل فهو كتاب مثير يتحدث فيه نيتشه عن كتيه التي كتبها في فترات معنية مراجعا الكثير من الآراء، والموقف من بعض الأطروحات وكذلك بعض أعلام الفكر والفن في ألمانيا خاصة. يتساءل نيتشه : لماذا كتبت هذه الكتب الجيدة أو الرائعة متحدثا عن "ميلاد التراجيديا
" باكورة أعماله وعن" "تأملات لاراهنة" و "إنسان مفرط في إنسانيته" و "الفجر" و "ماوراء الخير والشر" و " جينالوجيا الأخلاق" و" أفول الأصنام" و" الحالة فاغنر"و" نيتشه ضد فاغنر".
الحديث عن الغير إذن هو ذريعة للحديث عن النفس وقد صرح هو بنفسه في الصفحة 73 واصفا هذه الكتابات "لاأستطيع إنكار أنها تتحدث عني أنا . فكتاب "فاغنر في بايروث" يقدم رؤية عن مستقبلي ، وكتاب"شوبنهاور مربيا" يحكي تاريخي الشخصي الخاص، وصيرورتي وأمنيتي الجليلة القدر قبل كل شيء..."
نعم فالكتاب مليء بكل أنواع المدح والذم في هذين الشخصيتين التي طبعتا الفكر الفلسفي الألماني خلال القرن التاسع، عن طريق فلسفة شوبنهاور وموسيقى فاغنر تعلم نيتشه الشيء الكثير الذي لاينكره فقد أحب صديقه الموسيقي وأهداه أول كتاب ألفه تحت عنوان "ميلاد التراجيديا من روح الموسيقى" واصفا إياه ب"الصديق المبجل"، لقد تأثر نيتشه بشوبنهاور الذي أنار له فكرة آلام الحياة وأحسن وصفها واضعا يده على جوهرها ألا وهو إرادة الحياة، وهذا ماقاده إلى موسيقى فاغنر التي هي التجسيد الفعلي لفلسفة الإرادة في الفن، فالموسيقى هي التعبير الحقيقي عن إرادة الحياة وطريق الخلاص من آلامها.لقد فتن نيتشه فعلا بهذا الفن الراقي وبهذا الفنان الذي برع أكثر من سواه في فن العثور على النبرات المنبعثة من مملكة الأرواح المتألمة والمضطهدة، والمعذبة، وجعل التعاسة الصامتة نفسها تتكلم. موسيقى فاغنر هي موسيقى المجد لأنها تعبير عن التراجيديا الإغريقية في ثوبها الهيليني بل أكثر من ذلك فقد رأى فيها نيتشه تعبيرا عن الروح "الديونيزية" المضادة ل" الأبولينية" التي تجعل المظلومين يهربون من الحياة نحو المهاوي المظلمة في الكهوف السرية بحثا عن الحقيقة الوهمية.
"ريتشارد فاغنرفنان بارع لكنه يرفض أن يكون كذلك ." هذا هو المدخل الذي سيدخل به نيتشه لنقد صديقه الحميم فالحقيقة أهم من الصداقة-كما قال أرسطو- ، لقد تغير كل شيء واستفاق نيتشه على ذبذبات جديدة تستفز روحه المتألمة وبدأت رحلة النقد القاسي" أحتاج إلى مهدئ للسعال حتى أستمع لموسيقى فاغنر" فماذا حدث إذن؟. لقد تغيرت طريقة نيتشه في النظر إلى الأمور وبدأ يربط الموسيقى باعتبارها عملا إنسانيا بمختلف الأنشطة الفكرية والروحية التي تصدر عن الإنسان، فالموسيقى الهولندية تعبر عن روح القرون الوسطى المسيحية، وموسيقى "هاندل" عبرت عن أفضل شيء تجده في روح "مارتن لوثر" حين تحول الإصلاح الديني إلى موسيقى. أما "موزارت" فهو الذي حول قرن لويس الرابع عشر وفن راسين وكلود لوران إلى ذهب رنان.إنه تحول كبير في تفكير نيتشه أعلن من خلاله بأنه أصبح يتعامل مع جميع الفنانين بمختلف مشاربهم على أساس التمييز التالي: هل بغض الحياة هو الذي أدى إلى الإبداع أم فائض الحياة؟. لقد كان مقتنعا بأن الفن قادر على إحداث تغيرات هائلة على مختلف مناحي الحياة الإنسانية، فهل الفنان سيكون على الموعد لإنجاز مهامه التي تنتظره؟
إذن لقد أصبح نيتشه يحاكم الفنان ليس من خلال إنتاجه الجمالي بل من خلال قناعاته الفكرية واختياراته الإيديولوجية. ونفس الشيء فعله قبل ذلك مع سقراط الذي وصفه بأنه هو الذي دشن انحطاط الفلسفة و قضى على الفكر التراجيدي بواسطة تفكيره العقلي والمنطقي وذلك عندما حل الحوار محل الصراع بين الآلهة والبشر، سقراط في نظر نيتشه هو الذي بدأ مرحلة انحلال الفلسفة اليونانية بدعوته إلى عبادة العقل وتقديسه واعتباره المصدر الوحيد للمعرفة والقيم.
وقد زاد سخط نيتشه على فاغنر بعد إنجازه لأوبرا "بارسيفال" التي اعتمد فيها على نص على أسطورة ملحمية مسيحية تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي وتحكي عن مغامرات فارس بهذا الاسم. وهي أسطورة غنية بالمعاني والرموز وتجسّد الصراع بين المسيحية والوثنية، وبين الخير والشرّ، والنور والظلام. اعتبرها نيتشه عملا يتسم بالرياء والضغينة والتسميم الخفي لظروف الحياة بل وصفها بأنها عمل خبيث أدت بفاغنر إلى السقوط في أحضان الظلامية والانهيار عند أعتاب الصليب المسيحي بعدما كان يعتبره رمزا ثائرا ضد الظلام والعبودية لقد قدم فاغنر هذا العمل للكنيسة راجيا منها أن تغفر له ذنوبه في ناهية حياته. لكن نيتشه لم يغفر له ذلك فرفع المطرقة المعهودة وهوى على الصنم الذي طالما وصفا إليها بالباعث الحقيقي للفن .
نشر يوم الأربعاء 27 فبراير 2013 بجريدة أخبار اليوم المغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.