, قصة قصيرة "ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟؟؟" محمد مباركي / وجدة / المغرب طال سفري خمسة عقود كاملة.. على مشارف مدينة غائبة من خريطة وطني، أنختُ راحلتي عند بابها الشرقي، مع الغسق.. جلست القرفصاء عند سورها العالي، وأخذت قسطا من راحة كنت في حاجة إليها.. نمت الليل كله.. قبل شروق شمس باردة، فتح العسس باب المدينة.. أخذت بخطام راحلتي ودخلت.. راعني ما رأيت.. فرّكت جفوني وقرصت خدي حتى أتيقن من كوني لست أحلم.. ردّدت صرخة في داخلي " يا ربي ما هذا العري؟؟".. أهل المدينة يتحركون عراة كما ولدتهم أمهاتهم.. رجال ونساء، شيوخ وأطفال.. أينما وليت وجهي قابلني العري الفاضح.. كانوا ينظرون إلي ويضحكون.. جفلت راحلتي، وجفلت أنا أيضا.. أحسست بعضلاتي تتمدد وبشعر رأسي يقف كأني أعتمر جلد قنفذ.. كان الجميع في أشغالهم منهمكين.. لم يولوني أي اهتمام.. لفت نظري قصر في وسط المدينة بشرفة دائرية بطلائه الأزرق يبدو كسفينة راسية في مرفأ.. أطل من الشرفة رجل يرتدي جبة حريرية شفافة، تظهر كل قسمات جسده المكتنز، يحمل في يده اليمنى آلة تصوير.. كان يصوّر كل متحرك وجامد في المدينة.. وقفت عند بقال، كان يعرض سلعته أمام الدكان.. سألته: - ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟ أجابني بنظرة شزراء قائلا: - استر جسدك.. ألا تستحيي؟؟ شكّكني في أمري، نظرت إلى نفسي.. كنت مستورا.. كنت ألبس جلبابا عربيا وأعتمر عمامة بربرية.. واصلت تجوالي في المدينة العارية.. في منعطف شارع عريض، اعترضني بعض العسس.. سألني قائدهم: - من أنت أيها الرجل؟ قلت متلعثما: - أنا.. أنا عابر سبيل.. ردّ بابتسامة صفراء كلون وجهه: - كلكم تقولون ذلك.. وأمر العسس بالقبض علي.. اقتادوني إلى القصر الذي رأيت.. وأمروني بالصعود إلى الشرفة وحدي.. حين اجتزت الباب إلى الشرفة وجدت ذات الرجل الأمرد السمين.. قهقه حين رآني، وتخلص من جبته الشفافة، فبدا جسمه المكور مثل دلاحة طازجة.. واصل تصويره وبقيت واقفا منتظرا.. طال انتظاري ومعه تلاشى خوفي.. جمعت شجاعة "أبي ذر" وصحت فيه: - ألا يوجد فيكم رجل رشيد؟؟؟ انتبه إلي كأنه يراني لأول مرة وصاح في : - من أنت؟ وما هذا العري الذي أنت عليه؟؟ ونادى على العسس..