تعريف الفيضانات: المياه التي تتساقط بمنسوب عال جدا وتغمر الارض نتيجة أمطار كثيرة تتسبب في ارتفاع وزيادة حجم المياه في السدود وكل انواع المجاري ، فيتجاوز الماء حدوده الطبيعية وتنتج عن ذلك أضرار متنوعة بسبب انجراف التربة ، وأول ضحايا الفيضانات هم البشر الذين تجرفهم مياه السهول والوديان والانهار ، إذ تحدث خسائر بالبنية التحتية مثل الطرقات والقناطر وكل المنشآت العمومية التي انهارت وتعرضت للتلف بسبب كثرة الامطار ، كما أتت الفيضانات على الأخضر واليابس وانهارت المنازل في المدن والبوادي وخاصة تلك المقامة بالقرب من بعض الوديان والأنهار وأتلفت المزارع ومحاصيل الضيعات(مدينة الدريوش عمالة اقليمالناظور سنة 2008 ومدينة الداخلة والنواحي سنة 2014 حيث وقع بها أزيد من ستين شهيدا. وحيث بتلك الأضرار في المدينتين أعلاه نتجت خسائر بالغة ، وتشردت عائلات بعد أن لم تجد لها فجأة مأوى يؤويها وترملت نساء ويتم أطفال وفقد كثير من المواطنين ذويهم وأهاليهم ناهيك عن ممتلكاتهم. لذلك يطرح السؤال نفسه على رجال القانون من خريجين وقضاة وحقوقيين وباحثين جامعيين وغيرهم من المسؤولين عما حدث ، وما اذا سيقع تنزيل المبدأ القانوني والدستوري في هذه الاحداث من أجل ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وهل الامر يتعلق بقوة قاهرة طبقا لمقتضيات الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود؟ أم يتعلق بنظرية الخطأ المصلحي المتعلق بالفصل 79 من نفس القانون؟ وحيث طبقا للقانون فإن الدولة ومؤسساتها ملزمة ببذل كل العناية لدرئ المخاطر التي قد تقع للمواطن ، ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين( المرفق الإداري ) ، وعلاقة بموضوع الفيضانات التي وقعت مؤخرا في وطننا يطرح السؤال التالي : ما هو التكييف القانوني الصحيح من أجل تحديد مسؤولية الدولة والمواطن المتضرر؟ احسن ما يمكن الرجوع إليه في الموضوع هو الحكم الصادر عن المحكمة الادارية بالرباط تحت عدد 251 بتاريخ 23/01/2014 في الملف الاداري عدد 807/12/2010 المنشور في عدة مواقع الكترونية والمتداول على صفحات الشبكات الاجتماعية والذي جاء فيه :(إن الامطار الغزيرة والاستثنائية المسببة للفيضانات لا تشكل قوة قاهرة وإنما قرينة على ترتيب المسؤولية لكون وقوعها في فصل الشتاء من الامور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا للإعفاء من المسؤولية لذلك جاء من ضمن قاعدة هذا الحكم ( الاضرار المترتبة عن الفيضانات قوة قاهرة-لا-) وحيث أصاب الصواب هذا القرار اعتبارا أن كل أو بعض تلك الاضرار كان من الممكن دفعها تماما ومن ثم يكون على الوزارة أو الجماعة الترابية عند تقديم دعوى ضدهما أن تثبتا أنهما قامتا بواجباتهما تجاه المواطن لدفع خطرا الفيضانات والحال أن ما حصل في هذه الفيضانات من اضرار كثيرة منه أنما كان بسبب ضعف البنية التحتية وهذه مسؤولية الدولة والجماعات لأن الامر فيها مرتبط بالغش في بناء القناطر وبعض المنشآت العمومية وبغياب الصيانة وحيث ما حصل ايضا كان بسبب عدم التشوير في ابانه ، فاين الميزانيات مثلا المرصودة للنهوض بالعالم القروي وتنميته ؟ اين ميزانية صندوق الكوارث ؟ فالامطار التي كانت غزيرة والمصحوبة برياح عاصفية كانت متوقعة ومنتظرة بعد النشرة الانذارية الاولى لمديرية الارصاد الجوية في نهاية شهر نونبر من سنة 2014 ولم يكن الامر مفاجئا ! وهل السلطات حينها قامت بما يلزم وبالشكل المطلوب في التعبئة لمواجهة تلك الاخطار والاضرار التي كانت تحتملها ؟ بل بالعكس لم تتحرك الا بعد حصول الاضرار والاخطار مما تكون معه مسؤوليتها ثابتة بحيث لايبقى معها مجال للقول بالقوة القاهرة . اعتبر القاضي الاداري النزيه ان تاخر الدولة في القيام بما يجب لحماية مواطنيها اهمالا وتقصيرا كبيرين من طرف السلطات المحلية وباقي الادارات التي كانت معنية بالنشرة الجوية وجاء في تعليل حكمه المشار اليه اعلاه ( كان يجب تجنيد الدرك الملكي والقواة المساعدة والجيش الملكي لمراقبة القناطر والاودية ) واعتبر القضاء الاداري عدم وضع علامات تشوير أواشارات تدل على قطع الطريق بمثابة خطأ مصلحي موجب للتعويض حسب المقتضيات القانونية الواردة في ظهير 01/07/1914 . وحيث حسب مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود فان الدولة والجماعات الترابية مسؤولة عن الاضرار الناتجة مباشرة عن تسيير ادارتها وعن الاخطاء المصلحية لمستفيديها ، واعتبر القاضي الاداري في الحكم المشار اليه سابقا عن المحكمة الادارية بالرباط تحت رقم 251 ان المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي مسؤول عن تقصيره بحكم مهامه عن تأمين مرفق تصريف المياه لدرء الخطر عن اراضي المواطنين الفلاحين ومسؤول عما تحدثه الفيضانات من اضرار للغير لذلك فالمسؤولية قائمة على اساس الخطأ المصلحي الموجب للتعويض ويمكن قيامه ايضا على اساس نظرية المخاطر ، فمسؤولية الدولة عن الاضرار الناجمة عن الفيضانات هو نظرية المخاطر ويلزم المدعي اثبات خطأ الدولة او الجماعات ، والعمل القضائي الاداري جاء صريحا فقال بوضوح في هذا المجال : ( حيث ان الحادثة التي وقعت للضحية والمتمثلة في سقوطه في الوادي نتيجة انجراف التربة وانقطاع الطريق اودت بحياته حسب محضر الضابطة القضائية والشواهد الطبية المدلى بها وعلل القاضي حكمه بقوله ( ان عدم قيام الادارة بوضع علامات واشارات تدل على قطع الطريق التي تعتبر من الاملاك العامة طبقا لظهير 01/07/1914 يعتبر خطأ مصلحيا من شأنه قيام مسؤولية الدولة تجاه ما يصيب الغير من اضرار ناتجة عن ذلك ، وبذلك تكون مسؤولية الدولة ثابتة ) . وفي قرار اخر للمجلس الاعلى ( محكمة النقض حاليا ) وهو القرار عدد 82/60 بتاريخ : 07/05/1960 يثبت هذا العمل القضائي مسؤولية الدولة عند عدم صيانتها للمنشآت العمومية مثل ما حصل بالنسبة الى القناطر والطرق وعموم المنشآت التي تضررت بفعل الفيضانات الاخيرة نتيجة عدم الصيانة وخاصة ما تعلق بحالة الطرق في هذه النازلة حيث جاء في القرار المذكور ( اذا اثبت مستعمل الطريق - سائق السيارة - ان الضرر الذي حصل له كان بسبب عدم الصيانة العادية للطريق فلا يمكن اعفاء الادارة من مسؤوليتها عن سوء حالة المنشأة المذكورة الا اذا أثبت خطأ المتضرر وانها ( الادارة ) قامت بكل الاحتياطات لتلافي كل حادث سواء بما يخص قيامها باعمال الصيانة او وضع اشارة التنبيه الى سوء حالة الطريق ، ويمكن لكل سكان المدن الذين تضررت منازلهم نتيجة عدم وجود قنوات الصرف الصحي وكذا عدم صيانتها ان يرفعوا دعاوى في مواجهة الجهة المسؤولة عن ذلك . وفي قرار آخر واضح لا غبار عليه ذهب المجلس الاعلى ( محكمة النقض ) الى ان مسؤولية الدولة ثابتة عن تسيير اداراتها حتى ولو عند عدم ثبوت أي خطأ من جانبها استنادا الى فكرة المخاطر الناتجة عن استعمال خطير كالسيارة ونحوها وهو القرار عدد10 بتاريخ 14/1/1993 في الملف الاداري عدد 10180/91 منشورات المجلس الاعلى 1958 - 1997 ص 229 . وحيث بقي لرجال القانون أن يدلوا بدلوهم في واقعتين مهمتين : الأولى هي الصدمة التي وقعت بتاريخ 7-6-2015 وإنضافت الى دفتر الفواجع السابقة حيث ذهب فيها(17) شهيدا من الاطفال على شاطئ مصب واد الشراط بمدينة بنسليمان والذين كانوا يحتفلون بفوزهم بالبطولة الوطنية في رياضة التكواندو حيث إبتلعهم شاطئ غير محروس غابت عنه الدولة ولم تمنع مواطنيها من السباحة فيه ولم يقم رجال الوقاية المدنية بدورهم بمنع الناس من الاستحمام فيه ، فأين دور العمالة والبلدية في الموضوع لمنع الناس من الاقتراب لذاك الشاطئ ؟ وأين دور الدرك الملكي والقوات المساعدة ؟ وأين لافتات وعلامات تمنع من الاقتراب لذلك الشاطئ ؟ وهل يحق تنزيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ أما الواقعة الثانية والمتعلقة بكثرة الزلازل التي شهدها المغرب إذ بعد الهزة الأرضية القوية التي ضربت سكان المملكة المغربية بالريف يوم 25-1-2016 نشرت مواقع مغربية وإسبانية أنباء مفادها أن خبراء إسبان يتوقعون حدوث هزات عنيفة أقوى من الأخيرة بنفس الجهات ستسوي المنطقة عن بكرة ابيها بالارض مع إمكانية حدوث موجات التسونامي حسب ما أكده السيد إدريس أبو تاج الدين مدير المركز الوطني للبحث العلمي والتقني المشرف على المختبر الوطني للجيوفيزياء بجريدة المساء العدد 2894 السبت والأحد 30 و 31 يناير 2016، نفس التوجه لمحت إليه القناتين المغربيتين (ميدي 1)(والاولى) بعد نشرها نبأ تخزين الحكومة لبعض الخيام والادوات اللوجيستية وبعض معدات الاغاثة لاستعمالها بعد وقوع الفاجعة المتوقعة وهل يكفي ما أوردته وسائل الاعلام تلك من أن مرافق إدارية بمدن الريف وكذا مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة أصدرت بلاغا (يؤكد إستعدادهم وتأهبهم ) لمساعدة الساكنة بعد أن تقع الفاجعة المتوقعة والتي حذرنا منها الخبراء الاسبان؟ والسؤال الذي يطرح نفسه على رجال القانون والقضاء في هذا الصدد هو التالي : ماذا لو تحققت تنبؤات الخبراء الاسبان ووقع ذلك الزلزال العنيف فهل استعدادها وتأهبها بما أشير إليه بعد أن يقع الزلزال لا قدر الله دون أن تقوم بتقديم مساعدات أولية واحترازية ووقائية لحماية أرواحهم قبل وقوعه يرفع عنها المسؤولية خاصة أنها كانت عالمة بالضرر القادم والمحتمل!!!! وفي نفس السؤال هل ما قامت به السلطة المحلية بمدن الريف كاف أم عليها القيام بجميع التدابير الاحترازية والوقائية الضرورية لحماية الارواح قبل ان يحدث ما أعلن عنه ؟ وأن تبدي الكثير من الحزم والصرامة في التعاطي مع الموضوع لأن الأمر يتعلق بالمواطن الذي هو في نهاية المطاف روح وله مجموعة من الحقوق يكفلها له الدستور الجديد أبرزها حقه في الحقوق الاجتماعية والبيئية و .... والحق في الحياة هو اول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق ولكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته.... وهل ما قامت به حكومة بنكيران في الموضوع يرقى لما يخوله الدستور الجديد للمواطن من حقوق في (الفصول 19 و 20 و 21 و....) وهل زيارته للريف وتخزين بعض المرافق الادارية لبعض الخيام وبعض المعدات لاستعمالها بعد وقوع الخسائر المادية والبشرية لا قدر الله ذلك كاف لدرء المسؤولية الحكومية والوزارية؟؟ هل غاب عن الأذهان مضمون المادة 40 من الدستور والتي تنص على أن الجميع يجب أن يتحمل بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد وكذا تلك الناتجة عن الاعباء الناجمة عن الافات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد؟ كما أن الفصل 93 من الدستور يحمل كافة الوزراء مسؤولية ما وقع كل حسب القطاع المكلف به في إطار التضامن الحكومي.....)