الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    لحليمي: عملية الإحصاء تمت بشكل سلسل وحصلنا على 90% من المعطيات خلال 20 يوما    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط    اتفاق`جديد للاعتراف المتبادل برخص السياقة لأغراض الاستبدال بين المغرب وإيطاليا    طنجة: توقيف مبحوث عنه متورط في حيازة وترويج مخدر الكوكايين        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد نظام البذلة الرسمية لموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أخبار الساحة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يحذر اسبانيا من احتمال سحب تنظيم كأس العالم 2030    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا        أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    إصابة 23 تلميذا في انقلاب حافلة للنقل المدرسي ضواحي آسفي    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    غارات ليلية عنيفة بطائرات حربية في أقرب ضربة لوسط بيروت منذ حملة القصف    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    الأمير مولاي رشيد يزور جناح نادي قطر للسباق والفروسية بمعرض الفرس للجديدة    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل        إيقاف بن عطية 6 مباريات بسبب انتقادات حادة لحكم مباراة مارسيليا وليون    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم    إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير في مصر والسعودية: التحوّلات التجريبيةّ!
نشر في الشرق المغربية يوم 29 - 10 - 2014

لا بد للمراقب أن يلحظَ تحولاً قيّد الانجاز في خيارات السودان الاقليمية. بيّد أن الاشارات الصادرة عن الخرطوم توحي، أيضاً، بأن النظام السوداني ينتهجُ سلوكاً تجريبياً قد يندفع به أو ينسحب منه في أية لحظة. ولطالما أحسنت حكومة الرئيس عمر حسن البشير التقاط التحوّلات الدولية وأجادت بمرونة التعامل معها، على نحو يفسر، ربما، صمودَ البشير ونظامه رغم الضغوط الدراماتيكية التي تعرض لها من الخارج والداخل.
تناورُ الخرطوم برشاقة بين نقيضيّن اقليميين ينقسمان حول الموقف من الاسلام السياسي عامة وجماعة الاخوان المسلمين خاصة، كما ينقسمان حول الموقف من الجمهورية الاسلامية في إيران. في ذلك اندفعت الخرطوم في المرحلة السابقة إلى تطوير علاقاتها مع قطر وإيران، على نحو وضع السودان ضمن تصنيفٍ متحالف مع التقاطع بين الدوحة وطهران، ومتعاونٍ مع الاسلام السياسي في المنطقة، سواء بالطبعة التي استضافت بن لادن وصحبه في مرحلة سابقة، أو بالطبعة الداعمة للاخوان، خصوصا أن خلفية إخوانية جمعت البشير بحسن الترابي وأدت إلى انقلاب الإنقاذ الشهير.
تولّت قطر رعاية ماراثون المفاوضات بين حكومة البشير ومختلف فصائل التمرد في دارفور. استثمرت الدوحة مالياً وسياسياً في السودان من ضمن سعي قطر لتوسيع شبكة نفوذها في المنطقة. بدا أن تحالف البلديّن صلب متين منذ الأمير الشيخ حمد انتهاء بالأمير الشيخ تميم (قيل أن زيارته الأخيرة للخرطوم كانت بهدف ترتيب انتقال قيادات الاخوان للسودان)، لكن تطوّرات الأشهر الأخيرة عكست تردداً سودانياً إزاء خيارات الدوحة، كما عكست بالمقابل توتراً مفاجئاً في شكل ونوعية العلاقة مع إيران.
تطورت علاقات الخرطوم وطهران إلى حدٍّ متقدّم ولافت. أضحت زيارات القِطع البحرية الإيرانية روتينية للموانئ السودانية، وباتت برامجُ التعاون العسكري بين البلدين علنية كشفت الغارات الإسرائيلية مدى جدّيتها والمستوى العالي الذي وصلت إليه. جرى الحديث عن انشاء مصانع إيرانية للصواريخ الاستراتيجية على الاراضي السودانية، كما تم تداول سيناريوهات تتيح لإيران الاطلال على شؤون مصر وباب المندب وأفريقيا من بوابة السودان.
غير أن مفاجآت "الربيع" العربي حرّكت سكينة السودانيين ورتابة خياراتهم. ابتعدت الخرطوم بشكل علني عن أي اشارات يُفهم منها دعماً لجماعة الاخوان. لم يكن أمر ذلك حاسماً ويسيراً بالنظر للخلفية الايديولوجية للإنقاذيين، وبالنظر لارتباط البلد بصلات قديمة مع قطر. على أن اعلان حزب البشير عدم دعوته لجماعة الاخوان المصرية لحضور اعمال المؤتمر الأخير (من 23 الى 25 الشهر الحالي)، ل "تعذّر" ذلك حسب نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم غندور، عُدّ قراراً متّسقاً مع التحوّلات السودانية الاستراتيجية المسجّلة حديثاً. كما أن زيارة الرئيس البشير للقاهرة مؤخراً تدشَن عهداً آخراً لا بد أنه يبتعد عن محور قطر - تركيا، لصالح محور صاعد يجمع دولاً خليجية، لا سيما السعودية والامارات، بمصر.
فجأة تخلى البشير عن لازمة الحديث عن سودانية مثلث حلايب، معتبراً أن مثلث "حلايب وشلاتين لن يكون مثار خلاف بين مصر والسودان". تستقبل القاهرة البشير حاسمةً الأمر الواقع بأن "حلايب وشلاتين" مصرية. تظهرُ خريطة القُطر المصري التي تتضمن المثلث الحدودي، خلف الرئيس السوداني عمر البشير، على الرغم من أن أوساطاً مصرية قللت من شأن ذلك وقالت إن هذه الخريطة عبارة عن سجادة موضوعة في القصر الجمهوري منذ زمن، وتظهر في جميع اللقاءات وليست موجهة إلى عمر البشير، حيث ظهرت من قبل في لقاءات سابقة للرئيس عبدالفتاح السيسي مع ضيوف آخرين، وكانت موجودة في فترة حكم مبارك.
تأتي تحوّلات السودان المصرية معطوفةً على تحوّلات أخرى في شكل العلاقة مع السعودية، بحيث جاهر البشير بأن العلاقة مع الرياض والقاهرة باتت حاجة سودانية للخروج من العزلة التي أُريد للبلد الوقوع بها. جاء التحوّل السوداني بعد أسابيع على قرار الخرطوم بإغلاق عدد من المراكز الثقافية الإيرانية في السودان والطلب من القائمين عليها مغادرة الأراضي السودانية، رداً على أنشطة تشيّع تمارسها داخل الاراضي السودانية. الحدث سلّط مجهراً على تراجع في علاقات الخرطوم وطهران (أو أزمة فيها على الأقل)، رغم أن إيران (التي نفت قرار الخرطوم في البداية) قللت من قيمة الحدث في علاقات البلدين. بدا التباعد جدياً حقيقياً، على النحو الذي أقنع الرياض باستقبال البشير وفتح صفحة أخرى مع نظام الخرطوم، لا سيما لجهة اعلان الرئيس السوداني من هناك أن علاقات السودان وإيران "ليست إستراتيحية".
على أن مصادر كشفت أن مسؤولاً بارزًا في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، أكد تعهد الرئيس عمر البشير، بعدم تسليم أو طرد أي من قيادات الاخوان الموجودين في السودان عقب زيارته للقاهرة. فيما بدا واضحاً استياء الجماعة من زيارة البشير للقاهرة، سربت أوساطها اخبارا تؤكد "فشل" الزيارة وأن نتائجها لم تكن مثمرةً، مذكّرة بأن موقف الخرطوم في قضية سدّ النهضة منحاز إلى أثيوبيا من حيث المصالح والفوائد، إذ سيحصل السودان على الكهرباء بأسعار زهيدة، كما أن حصته من مياه النهر لن تتأثر.
وسرّبت قيادات اخوانية ما نُقل عن أوساط رسمية سودانية تؤكد انحياز الخرطوم للجماعة في ليبيا، كما تؤكد أن البشير دعا رئيس الوزراء الليبي المحسوب على الاخوان، عمر الحاسي، إلى زيارة الخرطوم. وكان العميد الركن صقر الجروشي آمر سلاح الجو التابع لقوات الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر، قد حذّر من مُخطط "جهنمي" يشارك فيه السودان بالأفراد والسلاح، وقطر بالمال، يستهدف "تمكين جماعة الإخوان والميليشيات التكفيرية الموالية لها من السيطرة على مدينة بنغازي شرق ليبيا".
على أن التطورات التي تمّ رصدها حالياً لا تفصحُ عن استقالة نهائية لنظام البشير من توجّهات ايديولوجية ومن خيارات إقليمية سابقة، رغم أنها لا تنفي أيضاً امكانية انتقال السودان لمحور القاهرة - الرياض، ذلك أن نظام الخرطوم أدرك أفولاً يصيب خيارات معيّنة لصالح خيارات أخرى تنامى تقدمها منذ سقوط نظام الاخوان في مصر، وإنهيار الجماعة في اليمن، وتقهقر رهاناتها في ليبيا، وتحجّم ثقلهم في تونس، كل ذلك معطوفاً على تحالف دولي اقليمي كبير يروم القضاء على الارهاب الجهادي المتمثّل بداعش وأخواته.
يتحرك النظام السوداني وفق محفزّات عقلانية تتوسل الخلاص. لم تنس الخرطوم زيارة جيمي كارتر العام الماضي للسودان وسعيه، على ما يبدو، لتوحيد القوى الاسلامية علّها تحصّن نظام الخرطوم وفق المشهد الاخواني العام. حينها أطل مع البشير في الصورة نفسها شخصيات كحسن الترابي، الذي ظهر بعد 14 عاماً من مقاطعته لمؤتمرات البشير وخطاباته. ظهر أيضاً رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، ومؤسس حركة الإصلاح المنشقة عن الحزب الحاكم، غازي صلاح الدين العتباني.
قبل أيام أنهى حزب المؤتمر الوطني الحاكم خياراته. انتخب البشير رئيساً للحزب وأعلنه مرشحاً للانتخابات الرئاسية لعام 2015. بذلك وأد سيناريوهات لطالما تمّ التسويقُ لها لإبعاد البشير وصحبه عن ذلك الاستحقاق. قبل عام، لم يرتح البشير كثيراً للضغوط والمساعي الأميركية الساعية إلى تعويم الخصوم، وهو لا شك لم يهضم الدعوة الملّتبسة التي وجهتها واشنطن لحسن الترابي لزيارة الولايات المتحدة، في ذلك قد تتراكم ملفات سودانية محليّة تنضم الى التبدّلات الكبرى في المزاج الإقليمي لعام لتجعل ما هو "تجريبي" في تحوّلات الخرطوم إلى خيار استراتيجي يتحرى بالنهاية أمن النظام وأمانه.
محمد قواص
صحافي وكاتب سياسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.