سمة من سمات الحياة المعاصرة و شكل من أشكالها أضحت المعلومات المنسابة عبر الأثير و الأسلاك الضوئية تتدفق إلى المؤسسات والبيوت و العقول فتوجه وتحدد مسارات الأفراد والجماعات والدول على حد سواء . . بل أنها أصبحت الملقن العام للبشرية بمختلف مشاربها الحضارية والأيدلوجية .. لكن ما يهمنا هنا هو مدى تأثير الدفق ألمعلوماتي الذي وصل حد الابتذال في حواسيبنا و تلفزتنا و حتى هواتفنا الجوالة ناهيك عن وسائل الأعلام الورقية و غيرها على كتابنا العرب خصوصا المختصين في الشأن السياسي منهم .. و مع الأسف تجد من السهل عليك ان تجني النتاج الفكري لكثير من الكتاب و في نفس الوقت لا يضنيك أبدا أعادة رزم تلك المعلومات والأفكار الى الجهات التي سوقتها . و هذا يشبه في الحقيقة ترديدنا أغنية سيئة باستمرار ليس كوننا نحبها لكننا اعتدناها بعد ان فرضت علينا بغير ان نعلم نتيجة التكرار و الاستمرار فأخذنا نرنمها أحساس او بلاشعور . المسألة الأخرى هي سهولة الحصول على المعلومة و اعتياد التحصيل النمطي السهل للمعلومات جعل كثير من الكتاب يبتعدون عن الطرق القديمة الرصينة في استحصال واستنباط المعلومة والخبر و ولنا هذا لا يعني ان ننبذ معطيات الحداثة ونتاجها .. مع مرور الزمن و مع الاعتياد على هكذا نمط سيجد الكاتب السياسي انه تحول الى جزء لا يتجزأ من الآلة المعلوماتية المعاصرة فيردد ما تنقله تلك الآلة له دون تدقيق او تمحيص و بالتالي فانه يمسخ الى ببغاء يردد ما يريده المتحكمون بالشبكة العامة للمعلومات .. لذلك تجد ان الرأي العام العالمي يدور مع دوران عين الكاميرا الموجهة امبرياليا فيتكلم عن ما تراه عين الكاميرا و كأنه " زهرة دوار الشمس " تاركا ما يحس به المجتمع المحلي والدولي من الم .. و كمثال قريب يمكن ان نسوقه لكم هوا كيف استطاعت المؤسسة الإعلامية الامبريالية الأمريكية توجيه أنظار العالم الى الأحداث الأخيرة في إيران بعد الانتخابات الرئاسية فيها صورت ايران و كأن نظامها و حشي همجي و قد أصبح آيلا للسقوط .. في حين ان اغلب الكتاب لم ينتبهوا الى مسألة مهمة الا وهي .. ماذا لو ان التظاهرات التي شهدتها إيران قد حصلت في أي بلد عربي ماذا سيحصل للمتظاهرين آنذاك .. الأعلام الامبريالي أظهر الصورة التي يريدها مشوهة لإيران بسبب كون الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد بكل الضغوطات التي تقوم بها على إيران هي إعادتها لأحضانها وليس العكس . اما الجانب الذي لم تريد الكاميرا الموجهة إظهاره هوا ان فيها نظاما سياسيا وان لم يكن ديمقراطيا بالمعنى الحرفي . الا ان له نفسا طويلا مع شعبه أشبه ما يكون بنفس دولة ديمقراطية عتيدة . فشغلنا عن قضيتنا المحورية فلسطين و تركنا إسرائيل و كأنها حمامة سلام وديعة لا نذكرها الا بخير وكأن الخطر لا يحيط بالعرب الا من إيران التي أصبحت الشغل الشاغل فاستحقت القطيعة بعد ان تناسينا الضفة والقطاع و فلم يعوزنا الا التطبيع المعلن مع إسرائيل و كأن الجميع قد سئموا الكواليس . كذلك اليوم ما يحصل في اليمن من مجازر ترتكبها الحكومة اليمنية بحق الشعب الذي ذاق ذرعا في سياسات الحكومة اليمنية التي لم تستطيع ان تصون الوحدة اليمنية بالعدل والمساواة والأسوة الحسنة نحن لا نريد لليمن غير الوحدة و لا نقبل بغيرها لكن في نفس الوقت لا نقبل بما تقوم به الحكومة اليمنية من استخدام أبشع صور القمع و الاضطهاد بداعي الحفاظ على الوحدة كان الرئيس "علي عبد الله الصالح " قادرا على تجاوز هذه الحرب لو أدار الدولة الموحدة بشكل منصف . كيف تعامل الأعلام العربي مع أزمة اليمن بما أراده لهم الأعلام الموجة فتارة يقولون انهم انفصاليين و تارة متمردين و لم تذكر أي مؤسسة إعلامية كون من يقتلون هم من الشعب العربي اليمني بل ان المؤسسات و الكتاب تعاملوا وتعاطوا مع القضية وكأن الذين قتلوا أناس من الفضاء الخارجي و ليسوا يمنيين .. فرنسا عند سوط طائرتهم في المحيط الأطلسي قبل أشهر أقامت الدنيا ولم تقعدها استنفروا العالم و هوا حادث طبيعي جدا ونحن نقتل أبنائنا و كان العيد قد حل وكلنا يعلم بأن الشياه أسوء حظا فيه فمتى ينتهي عيد الطغاة الدامي . و في نهاية هذا الحديث أتمنى من مثقفينا وكتابنا وكل من له شرف حمل اللواء الثقافي العربي من ان لا ينجروا خلف الأعلام الموجة . وان يعرضوا ما يرد لهم من معلومات على العقل والخبرة و الحاجة القومية الإستراتيجية العربية وليعلم الجميع أنها حرب أعلام سجال و خدعة .