صوت الحرية: زهير البوحاطي / تطوان جماعة السحتريين لا تبعد عن المجال الحضري لتطوان سوى ب 8 كيلومترات فقط والتي تضم 11 دوارا بساكنة يفوق عددها 12 ألف نسمة، رغم تواجدها على مشارف مدينة تطوان وموقعها الاستراتيجي المتميز ومؤهلاتها الفلاحية الضخمة التي تمتاز بها، فإن ذلك كله لم يشفع لها لتنال ولو جزء بسيط من حظها في التنمية. إذ رغم بلوغ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنتها الخامسة والأخيرة فإن هذه الجماعة لا زالت خارج تغطية هذه الأخيرة، ولا أدل على ذلك ما تعانيه من فقر مدقع وتهميش فظيع وإقصاء ممنهج يفوق كل التصورات، حيث ظلت إلى يومنا هذا ترزح تحت وطأة التهميش والعزلة وتفتقر إلى جل البنيات التحتية الضرورية والتجهيزات الأساسية، مما أثر سلبا على ساكنتها وولد لديهم شعورا بالغبن واليأس وفقدان الأمل. فليس بمقدور سكان هذه الجماعة فعل أي شيء في ظل انعدام البنية التحتية ووعورة التضاريس التي تميز المنطقة من أجل العمل على تنمية وتأهيل مواردها الطبيعية، خصوصا الفلاحية منها، والتي عليها تعتمد ساكنة الجماعة من أجل تلبية حاجياتها الضرورية للعيش، ولكن لا وجود لأي مخطط تنموي يرد الاعتبار للمنطقة وساكنتها التي تعاني شظف العيش وقصر ذات اليد وانعداما كليا للموارد وفرص الشغل. انعدام البنية الطرقية: أول ما يسترعي انتباهك وأنت تلج تراب الجماعة، هو انعدام كلي للطرق، باستثناء المسلك الوحيد الغير المعبد الذي يربط الجماعة بالطريق الوطنية رقم 2والذي يوجد في حالة جد متدهورة حيث لا يمكن لأي سيارة أن تسلكه ماعدا الجرارات والسيارات الرباعية الدفع، تتخلله قنطرة مقامة فوق واد المحنش على علو جد منخفض تكاد تغطى بالمياه خلال الفترات المشمسة، وكلما جادت السماء ببضع قطرات من الغيث لا يظهر لها أي أثر، لتصبح المنطقة بأكملها عبارة عن جزيرة مقطعة الأوصال ومعزولة عن عالمها لأسابيع عدة، والسكان لا يبرحون منازلهم، في وضع أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كارثي بامتياز. دوار منكال نموذجا: هذا الدوار الذي يتواجد في مقدمة دواوير الجماعة وأول مدشر تطأه قدماك وأنت تلج دوار الجماعة، يفتقد لأبسط مقومات العيش، حيث الغياب التام للمرافق الاجتماعية والخدماتية الضرورية والطرق والإنارة العمومية والماء الصالح للشرب...إلخ، حيث يضطر ساكنته إلى التنقل لمسافات طويلة من أجل التبضع من دكان يتيم يتواجد بالقرية، أو لجلب المياه من الآبار وهي في جميع الأحوال ملوثة وغير صالحة للاستعمال، ناهيك عن معاناتهم الدائمة مع واد المحنش الذي يتحول كل فصل شتاء كما هو معلوم إلى غول مدمر يأتي على الأخضر واليابس ويتلف محاصيلهم الفلاحية عن آخرها التي تعتبر موردهم الوحيد للعيش دون إيجاد بديل لذلك، أما المدرسة الابتدائية الوحيدة التي تتواجد بالمنطقة فلا تتوفر على أدنى مقومات المؤسسة التعليمية، فهي عبارة عن حجرتين متواجدتين بالخلاء دون حائط واقي أو سياج مع افتقارها للمرافق الصحية ولساحة الاستراحة للتلاميذ ومسكن للمعلمين الذين يضطرون لقطع عدة كيلومترات يوميا بين تطوان وهذه المنطقة، الشيء الذي يتسبب في انقطاع الدراسة لأسابيع عديدة ومرات متعددة خلال السنة كلما تساقطت الأمطار وجرت المياه بالوادي، أضف إلى ذلك كله، أن هذا المدشر رغم ضمه لأزيد من 1500 نسمة لا يتوفر على مسجد لائق حتى، إذ أن المسجد الوحيد المتواجد بالدوار بالإضافة إلى صغر مساحته وبعده عن السكان فهو آيل للسقوط في أية لحظة دون أن يكترث أحد للوضعية المتدهورة التي يتواجد عليها والذي يهدد حياة العشرات من المواطنين الذين يقصدونه يوميا. وفي شهادات لسكان الدوار أكدوا أن ولو مسؤول واحد على صعيد الجماعة أو القيادة أو الولاية قام بزيارتهم، إذ أضحى مقدم الدوار هو المتحكم في كل شيء ويداه مبسوطتان على سكان الدوار المغلوبين على أمرهم، حيث أن منطق المال هو السائد في القرية يؤكد أحد مواطني الدوار إذ أنه حتى إفادة السكنى لا يمنحها للمواطنين إلا بعد أداء إتاوة 200 درهم، ومن أراد الحصول على رخصة البناء فعليه أداء ما بين 1000 و 4000 درهم وهكذا، فحتى المسجد يضيف أحد السكان الذي يعتبر بيت الله، اشترط عليهم أداء مبلغ 8000 درهم للحصول على رخصة إصلاحه، لذا يتساءل سكان الدوار عما إذا كان القائد الجديد على ملحقة بنقريش على علم بهذه الخروقات السافرة لهذا "المقدم" أم أنه في دار غفلون عما يحدث من مناكر؟؟!! انعدام البنية الاستشفائية: من بين الإشكالات العويصة التي تعانيها ساكنة الجماعة الانعدام التام للبنيات الاستشفائية، إذ كيف يعقل أن جماعة في هذا الحجم لا تتوفر على أي مركز صحي أو مستوصف قروي؟؟، الأمر الذي جعل السكان يقاسون الأمرين جراء هذا الوضع المزري، حيث يضطر مواطني هذه الجماعة للتنقل إلى المستشفى الإقليمي بتطوان من أجل العلاج أو إجراء فحوصات طبية، ونظرا للأوضاع الكارثية التي تعيشها الجماعة في موسم الأمطار، لا يبقى والحالة هاته أمام مواطني المنطقة سوى الاستسلام للأمر الواقع وملازمة الفراش في بيوتهم منتظرين الفرج من الله، أما النساء الحوامل اللائي يفاجئهن المخاض خلال هذه الفترة، فيكون أهلهن مضطرين لحملهن على الأكتاف لمسافة تزيد عن 6 كيلومترات كلها مخاطر للوصول إلى الطريق الرئيسية للبحث عن وسيلة نقل ما تقلهم إلبى تطوان وفي ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها جد مأساوية، وذلك اتقاء لشر الواد المذكور، الشيء الذي يجعل غالبية نساء المنطقة يفضلن الولادة في بيوتهن بطرق بدائية وفي غياب كلي لأدنى الشروط الصحية، مما يعرض حياتهن وحياة مواليدهن للخطر، وماتزال المنطقة تشهد يوميا مآسي وفاة العديد من الأمهات في حالات كهذه. الجماعة غائبة والسلطات تتفرج: في ظل هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه المنطقة، تبقى الجماعة خارج التغطية، إذ لا وجود لها إطلاقا، ولدى زيارتنا لمقر الجماعة وجدناها خاوية على عروشها إلا من موظفين قابعين يتبادلان أطراف الحديث في أحد المكاتب المهترئة، أما الرئيس فمنشغل ببيع الحريرة والسندويتشات أمام المحطة الطرقية القديمة بمدينة تطوان، ربما ذلك عنده أهم من معاناة ساكنة جماعته الذين بفضلهم نال ذلك المنصب، أما نائبه محمد احسنو فلم يجد من وسيلة سوى اعتراض سبيل السيارة التي أقلتنا إلى عين المكان متوعدا صاحبها بأوخم العواقب إن هو عاود فعلته وأوصل أي صحافي إلى تراب الجماعة. أما السلطات المعنية الأخرى فلا أثر لها على أرض الجماعة، فجل السكان الذين التقيناهم أقسموا لنا أنهم لا يعرفون من رجال السلطة بالإقليم سوى المقدمين، وعدا هؤلاء فلا أحد منهم كلف نفسه عناء زيارتهم وتفقد أحوالهم ولو من باب المجاملة، بل كل ما في الأمر أنهم يتلذذون بالتفرج على معاناتهم وهم ينعمون في مكاتبهم المكيفة داخل بروجهم العاجية... فليذهب المواطنون إلى الجحيم!!! آمال معلقة... في انتظار تدخل الوالي الجديد: يتساءل السكان بقلب كله آمال مفتوحة على مستقبل غامض، عن إمكانية أو استحالة توفرهم على شروط وظروف العيش الكريم والمواطنة الكاملة في ظل مثل الأحوال التي يقبعون فيها، ومن جملة ما يتطلعون إلى الحصول عليه قضاءا لمصالحهم وإنقاذا لمستقبل أبنائهم ما يلي: بناء طريق قروية تربط دواوير الجماعة بالطريق الوطنية رقم 2 وتشييد قنطرة على واد المحنش بمواصفات تراعي ما يشكله هذا الواد من خطورة خصوصا خلال موسم الأمطار. بناء مركز صحي جماعي إنشاء سوق أسبوعي يلبي حاجيات سكان الجماعة إصلاح وتوسيع المدرسة الابتدائية بدوار منكال وتجهيزها بالمرافق الضرورية توفير المرافق الاجتماعية والخدماتية الضرورية بناء مركز لتكوين وتأهيل المرأة القروية تقديم دعم ومساعدات عينية لفلاحي الجماعة. وفي انتظار تحقيق هذه المطالب المشروعة، فإن ساكنة جماعة السحتريين يناشدون والي صاحب الجلالة على ولاية تطوان التدخل العاجل للنظر في أحوالهم والقيام بزيارة ميدانية إلى عين المكان قصد الاطلاع عن كثب على أوضاعهم المزرية، ويعلقون كل آمالهم عليه بما هو معروف به من جدية ونزاهة وقربه من المواطنين لإنقاذهم مما يتخبطون فيه.