بقلم: ادريس بوطور نشرت جريدة "أسيف" في عددها الأخير رقم 59 يناير 2014 وثيقة تاريخية عبارة عن رسالة مؤرخة ب 20 مارس 1978 كتبها الصحفي الأسفي، عبد الرحمان بن الشيخ أحد حفدة الشيخ ابي محمد صالح، ووجهها إلى الفقيه محمد عبد العزيز الدباغ محافظ خزانة جامعة القرويين بفاس، هذه الرسالة سلطت الضوء على حياة الفقيه الكانوني وهو من أهم أعلام أسفي الرواد في الفكر و الثقافة ، كما كانت غاية في الأهمية من حيث ثراء أسلوبها اللغوي و البلاغي. وفي ختام هذه الرسالة تم تذييلها من طرف مستقبلها الاستاذ الدباغ بتقييم هام عزز فيه المكانة الرفيعة التي تبوأها الفقيه الكانوني لدى علماء المغرب عامة وعلماء القرويين على وجه الخصوص. هذه الرسالة /الوثيقة تشكل في نظري رصيدا علميا خاما، وحافزا للقارئ المتمرس على استخلاص مجموعة من الرسائل الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والسياسية، كما أنها تزخر بعدد من الدلالات لتأكيد مكانة اسفي العلمية وإشعاعها الفكري و الثقافي. لن أتعرض في هذه القراءة لمسار حياة الفقيه الكانوني فالرسالة/الوثيقة التي كتبها الصحفي عبد الرحمان بن الشيخ تغني القارئ في هذا المجال، كما أن شخصية الفقيه الكانوني عرفت اهتماما متميزا من طرف ثلة من الأساتذة الباحثين الآسفيين الذين بذلوا ومازالوا يبذلون جهودا رائعة في النبش في ذاكرة وموروث اسفي الثقافي، ولأن المجال لا يتسع فسأخصص هذا الحيز لاستخلاص بعض الدروس والرسائل التي بعثتها الرسالة /الوثيقة إلى القارئ سواء إلى محمد عبد العزيز الدباغ مستقبلها الأول أو إلى القراء بصفة عامة. * تشير الرسالة إلى وضعية اجتماعية وثقافية كانت ومازالت تتعلق بخزانات خاصة تتوفر على نفائس المخطوطات والكتب توجد بحوزة بعض الأشخاص وترصع فضاء منازلهم، يتباهون بامتلاكها، ويحرمون منها الباحثين التواقين إلى إشباع الغليل وإغناء الموروث الثقافي الآسفي، حيث يقول كاتب الرسالة/الوثيقة: "...كانت نفس الفقيه الكانوني تواقة إلى إشباع نهمها بالبحث عن ما هو مكنوز من ذخائر نفيسة بمكتبات أناس لا هم أعطوها ما تستحق من عناية وبحث وتنقيب، ولا هم أطلقوا سراحها فتتلقفها أيدي بررة كرام يضيئون بها الطريق الموصلة إلى الإفادة والاستفادة..." انتهى كلام الصحفي عبد الرحمان بن الشيخ. هذه الوضعية/الظاهرة لم تكن فقط في عصر الفقيه الكانوني وجيله، فما زلنا نواجهها في عصرنا الراهن بوجود بعض المخطوطات التاريخية والأدبية النفيسة لدى بعض الخواص وفي بعض الأحيان يكون مصيرها التشتيت والتبخيس والتوزيع على الورثة عقب موت صاحبها أو يمكنها أن تتعرض للتسوس وإبادة الزمن التدريجية. الأمر الذي يتطلب من وزارة الثقافة إحياء عرف كان متعاملا به آنفا يروم إخراج هذه الدخائر من حصارها قبل فوات الأوان، وذلك بتنظيم مسابقات وتخصيص جوائز مادية تحفيزية هامة للمخطوطات قصد استنساخها للاستفادة منها وإرجاع أصولها إلى أصحابها. * أما الرسالة الثانية المستنبطة من الرسالة/الوثيقة ، فتتعلق بما كان يشكله النضال الفكري من خطورة على استقرار الحماية الفرنسية بالمغرب، فقد كان العلماء أمثال الفقيه الكانوني سببا في زعزعة كيانها نظرا لصعوبة القضاء عليهم، وحتى لو تم لها ذلك فإنه ينحصر في التصفية الجسدية، وتبقى الأفكار متأصلة ومتجذرة ومؤثرة في المشهد السياسي والثقافي يصعب استئصالها. فرغم إبعاد الفقيه الكانوني إلى مراكش من طرف المستعمر تحت طائلة تهمة ملفقة إلا أن أثره في النفوس ظل قائما وإشعاعه الفكري بقي منتشرا لدى العامة والخاصة، وفي هذا يقول كاتب الرسالة/ الوثيقة : ".. وكان سبب نفي الفقيه الكانوني ناتجا عن مؤامرات محبوكة بتواطؤ الحاسدين مع المستعمر... حيث حكم عليه بالخروج من أسفي ... وفات المستعمر آنذاك أن الكانوني لم يغادر أسفي إلا بعد أن أصبحت أفكاره ذائعة بين الناس... حيث غزت العقول وتسربت إلى القلوب..." - انتهى كلام الصحفي عبد الرحمان بن الشيخ -. ختاما سأكتفي بهذين الدرسين المستخلصين من الرسالة/الوثيقة مع العلم أنها تتضمن أكثر من ذلك راجيا من كل من يملك مخطوطات أو رسائل تاريخية أن يخرجها من الادخار والكنز الشخصي لفائدة تحيين تاريخ المغرب ودعم بنائه انطلاقا من التاريخ المحلي، والرسالة/النموذج التي بين أيدينا خير دليل على أهمية هذه الوثائق المدخرة في إغناء وإثراء التاريخ المحلي والوطني.