طقوس الكتابة : لا يمكنك ان تتحول إلى حداد إلا بعد ممارسة الحدادة؟؟؟ د. محمد لمباشري ليست الكتابة فنا سهلا في متناول الجميع، بل يمكن اعتبارها مخاض محاط بألم حاد في بعض الأحيان، خصوصا عندما نكون بصدد كتابة نص دقيق و جلي و ذا أهمية قصوى في حياتنا و مشروعنا العلمي. فمعظم الذين يكتبون يمرون بمراحل وعرة و صعبة، بدءا بالتسويد و التشطيب ورمي الأوراق بالقمامات عندما لا يحصل رضا نفسي حول محتوياتها، كما تعد الكتابة كهم كبير بالنسبة للكاتب أو الباحث، بحيث لا يمكن الارتقاء بها إلا بعد تعب كبير في قراءة الوثائق و المصادر و المراجع المختارة لموضوع كتابته، عبر اعتماد تقنية أخذ النقط المصاحبة للقراءة الهادفة. في مأثور الكلام نقول بان الشهية تدفع إلى الأكل، و الأمر نفسه بالنسبة لفعل الكتابة. إن كفاية الكتابة تتحقق عندما نمارس فعل القراءة و الكتابة في حياتنا؛ ففي مجال العلوم الإنسانية كلما عشقنا القراءة و الكتابة كلما اكتسبنا استقلالية وحرية و تقدير من طرف الذات و الآخرين؛ و في المجمل يمكننا القول بأنه يجب علينا القراءة و الكتابة قدر الإمكان إذا ما أردنا أن نصبح باحثين في مجال العلوم الإنسانية. و في هذا الإطار يمكننا الاهتداء لمجموعة من النصائح املتها علينا تجاربنا الأكاديمية خلال عقود من الزمن: 1. ضرورة الانطلاق من المسلمة التالية: عندما نكتب لا نكتب للذات في مقابل الذات، و إنما نستحضر أثناء الكتابة أننا نكتب للآخر، للجماعة أو للمجتمع المدني برمته، و جلاء أمر الكتابة مرهون بجلاء الموضوع الذي نكتب حوله و أهميته في المشهد التربوي و الاجتماعي و الثقافي حتى نحفز القارئ على قراءته........... 2. أثناء الكتابة يجب على الكاتب أن يستعمل جملا و كلمات بسيطة ومفهومة و قصيرة و ذات دلالة بالنسبة للقارئ؛ 3. يلزم مراجعة ما كتبناه أكثر من مرة. فهذا الإجراء ضروري أثناء التحرير، لأنه يجنبنا السقوط في أخطاء إملائية و نحوية و مطبعية، و من شان هذا الأمر في حالة عدم الاهتمام به أن يضر بالتقرير المزمع تقديمه للجنة الفحص، وبالمشروع العلمي بشكل خاص؛ و ينصح في هذه الحالة أن يستعين الكاتب بذوي الاختصاص في التدقيقات اللغوية التي كتب بها التقرير اوالنص. 4. و جب أن يكون الكاتب باحثا محنكا و مستقلا بذاته و مدافعا عن مشروعه الفكري العلمي؛ صحيح أن بعض كتابنا يتأثرون بآخرين ممن قرءوا عنهم، وهذا أمر عادي، و لكن العيب هو محاولة إعادة إنتاج أفكارهم و سلك مسلكهم في الكتابة و التحليل؛ فمثل هذه الوضعية غير مقبولة من الناحية الأكاديمية، و لا تمنحك ككاتب نوعا من الاستقلالية و الحرية في بلورة المشروع الذي تدافع عنه. و حنكة الكاتب في تصورنا مرهونة بكفايته في الاستقلالية و الاستنتاج الشخصي للنتائج المتوصل إليها في مشروعه العلمي او في التقرير المطالب به من طرف السلطة التقديرية أو القارئ العادي و المتخصص. 5. أثناء الكتابة لنص علمي بالخصوص، يجب أن نتفادى إصدار أحكام قيمة وأحكام مسبقة و منمطة، تتحكم فيها ذواتنا و استباقاتنا الخيالية لما نريد الوصول إليه كاستنتاج محدد بشكل مسبق في سلوكنا الأخلاقي ذي البعد التنميطي ألاستباقي البعيد عن التحليل الموضوعي لما نريد طرحه كإشكالية في موضوع الكتابة التي نحن بصدد إنشائها في تقاريرنا ومقالاتنا. 6. يلزم من صاحب التقرير أن يكون على دراية تامة بالمعارف التي أخذها من كتاب او من محاضرة أصغى إليها، حتى تسهل عليه عملية التحرير التركيبي لمقتضياتها النظرية و الإجرائية. في بعض الأحيان نلاحظ على بعض التقارير أنها غير متناسقة و غير مستلهمة لما طرح عليها من أفكار ومعلومات، و هو ما يجعلهم[ أي أصحاب التقرير] ينساقون نحو تعبيرات ذاتية لا علاقة لها بالموضوع المستهدف في المحاضرة أو في الكتاب الذي تم قراءته. 7. يجب أن يتصف كاتب التقرير بالموضوعية أثناء التحرير، و أن يتجنب أي حكم قيمة نابع من نزوته الذاتية في التعبير عن ما يشعر به. نخلص بان فعل الكتابة هو كفاية حرفية و مهارية تتحكم فيها مجموعة من المعايير الموضوعية و الذاتية التي يؤطرها من جهة، فعل القراءة و من جهة أخرى فعل التحرير الذي تتحدد أبعاده الإستراتيجية في تأكيد المعنى المستهدف في أفق تحقيق اللذة و الدلالة لدى القارئ.